* اللاواقعية في الخطاب السياسي الشعبوي/ الاتحاد الديمقراطي مثالا *
عبدالله كدو
وحدها ” الواقعية ” هي التي تنتج الحلول بأقل الخسائر للمعضلات الكبرى، و خاصةً تلك السياسية، وعلى طول المسار الواقع ما بين لحظة طرح الحل و لحظة تحقيقه، إلا أنّ المغرَضين، المتضرّرين من الحل، يسعون، دوماً، لاستثمار المسار و استمالته لصالحهم، ويعملون على إطالة الحلّ، بإدخاله في تعرجات حادة، إمعاناً في تأخيره أو عدم وصوله، هذا كلام عام يُقال عن جميع مسارات الحلول التي ينتظرها المعذَّبون من الجرحى و المعتقلين و المهجّرين وغيرهم ، و منها مسار الحل السوري بشكلٍ عام و الكُردي السوري بشكلٍ خاص.
في الحالة الكٌردية ، وسط انقسام الشارع الكُردي السوري حول ما يجري لأبناء وبنات الشعب الكُردي في مختلف المناطق الكُردية، في مرحلة الثورة السورية، منها حسب الأسبقية الزمنية، تلك الخاضعة لإدارة حزب الاتحاد الديمقراطي pyd ، التي تتخلّلها المربعات الأمنية الخاضعة للنظام السوري في كلٍّ من الحسكة و القامشلي منذ عام2012 حيث إطلاق ما سُميت بثورة روجافا .
فبعد اندلاع الثورة السورية السلمية ضد النظام ، أعلن الاتحاد الديمقراطي رفض المشاركة في أهداف الثورة السورية المطالبة بتغيير النظام والقضاء على مرتكزاته السياسية و الإدارية و الأمنية و….، وأخذَ الاتحاد الديمقراطي على كلٍّ من الحراكَيْن المدني و السياسي الكُرديَْين، الحزبي والمستقل، تضامنهما مع ما أسماه ” الحراك العربي الذي لا يعترف بالحقوق القومية للشعب الكُردي “، و برّر الحزب موقفه ذلك، بأنه حزب كُردي سوري، لا شأن له بما يجري في المناطق العربية من سوريا ، وأنه غير مستعد للتضامن مع الفعاليات السياسية العربية السورية، طالما لم تعلن إعترافها ، صراحةً بعد، بالحقوق القومية للكُرد ، وعليه راح الحزب، و ملحقاته، ينشر مصطلح الخط الثالث، وعرّفه بأنه الخط الحيادي الكُردي المستقل عن النظام و المعارضة معاً، لكن ما لبث الحزب أن تخلّى عن حياديته المزعومة، و بدأ بالتهجم على العَلَم الوطني السوري (علم الإستقلال) ، و الشعارات و الهتافات و الأسماء الثورية لأيام الجمعة التي كانت تُرفع في معظم بقاع سوريا، و مارس الحزب العنف و استخدم السلاح لمنع قيام التظاهرات التي كانت تنظّمها الحركة الكُردية وغيرها من القوى السياسية السورية، بمشاركة الحراك المدني، و كذلك مَنع رفع العلم الكُردي الرمز التاريخي للأمة الكُردية ، و منع إطلاق الهتافات الثورية الموحّدة التي كانت تطلقها حناجر كلّ المتظاهرين الثائرين، سلمياً، على امتداد أرض سوريا، و بدأ الحزب القيام بمظاهراتٍ خاصة به إسماً و تعبيراً ولوناً ، مختلفة عن تلك التي كان ينظّمها الحراك الوطني الكُردي و غيره من الحراك السوري العام، مختلفة شكلاً و مضموناً، حيث رفع الحزب علمه الخاص، المختلف عن العلم الكُردي التاريخي ، و رفع كذلك صور و شعارات تابعة لحزب العمال الكُردستاني pkk و في مقدمتها صور رئيسه ” عبدالله أوجلان” ، في سياق الالتزام ببرنامج حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يتبنّى فكر و فلسفة مؤسس العمال الكُردستاني “أوجلان”… ذلك دون إظهار موقف علني واضح، رافض للنظام أو مندّد به ، إنما كان هناك موقف إعلامي يندّد بحزب البعث، و ليس برأس النظام الذي أزال صفة البعث القيادية للدولة والمجتمع في دستوره الجديد( 2012) ، ذلك حتى هذه اللحظة.
و باختصار شديد، بعد أن أنهت العملية العسكرية لفصائل المعارضة السورية المسلحة، المنضوية في الائتلاف السوري والمدعومة من الجيش التركي، سيطرة الاتحاد الديمقراطي على كلّ من عفرين ، و تل أبيض و سري كانييه/ رأس العين التي كان يديرها لوحده، بدأ الحزب، بإطلاق الدعوة لخوض ما أسماه “مقاومة العصر” لاسترداد تلك المناطق و إخضاعها لسيطرته.
و لا ندري كيف ( سيحرّرها) ، حيث الأمريكان يعلنون بالفصيح بأنهم عائدون إلى بلادهم، و عندئذ ما السبيل أمام الاتحاد الديمقراطي الذي يعادي كلّاً من المعارضة الوطنية السورية و تركيا التي تحادد سوريا على طول أكثر من 900كيلو متر ، سوى العودة إلى حيث انطلق منه في بداية الثورة السورية ، أي العودة إلى النظام الذي ظلّ حزب العمال الكُردستاني لسنوات طويلة يفتخر بتحالفه مع ما أسماه التحالف الثلاثي الوطني السوري الإيراني الليبي، ليذكّرنا الاتحاد الديمقراطي بنوع و إيقاع نفس الخطاب و الشعارات التي كان، و مازال ، يردّده العمال الكُردستاني، منذ أربعين سنة، ذلك من مخمور وقنديل و شنكَال/ سنجار في العراق، ثم من شرقي الفرات و كوباني و تل رفعت و منبج وغيرها من المناطق الواقعة في شمال و شرق سوريا، أي من خارج ساحته الواقعة في الجغرافيا التركية التي ينتمي إليها وانطلق منها، و هي – الدعوة – من نفس مادة و شكل الشعارات والخطابات ” العنترية” لحزب الله اللبناني الذي يعمل بأجندة شيعية إيرانية و قوى فلسطينية تابعة للنظامين السوري والإيراني، و غيرها من التنظيمات الشمولية التي ينحصر أداؤها في العمل المسلح الموجّه، عملياً، لخدمة أجندات عابرة للحدود و رافصة للمفهوم الدولتي، ذلك في الوقت الذي يعرف القاصي و الدّاني، على المستوييْن المحلي و الإقليمي و الدولي، بأنه لا فُرص مناسبة لاعتماد أساليب ” اللادولة ” و الحلول المسلحة والعنفية، و خاصةً المجتزأة، لمشاكل المنطقة، سواءً داخل الدولة الواحدة، أو فيما بين الدول، في المدى المنظور، بدليل أنّ منظمة الأمم المتحدة التي تسعى لطرح الحلول الممكنة ضمن التوازنات الدولية، تفاعلت مع الحالات الليبية و اليمنية و السورية و غيرها، ووجّهت على أنّ الحلول المناسبة لإنهاء الصراع فيها إنما هي تلك السياسية السلمية، و من صلب الشرعة الدولية فحسب، بعيداً عن كلّ الايديولوجيات العابرة ” للوطنية “، التي ترى لها صدىً ضمن الأوساط التي لا إمكانية معرفية لها لتفهم و استيعاب السياسة بمعناها القائل بأنّ السياسة، هي فن الممكن، و هذا “عدم التفهم” ، غالبا ما ترونه منتشراً في الأوساط التي عانت،و تعاني، من صعوبات في مجال التعليم و خاصةً في المناطق المتخلفة الفقيرة، التي ما تزال تحركها الاعتبارات والمفاهيم الأقوامية التي هي دون تلك الوطنية، لتقوم النخب الشعبوية الشعاراتية المستهترة بالشرعية الدولية، باستثمار نزعة الانتقام الفردي و العائلي و القبلي الغائرة في النفوس، لخدمة انتشار خطابها الشعبوي القائم على ممارسة العنف لتنفيذ ما تسمّيها ” الأهداف المقدسة”التي لا يجوز إخضاعها لأي نقد أو تقويم.
المقالة منشورة في جريدة يكيتي العدد 294