الأنثى والانتهاك
ليلى قمر
في المجتمعات التي تأسّست على ثوابت ،وسُنّنت على شرائع دينية، وتغلّفت بعادات قاسية ، وبجبروتٍ تحكّمت في كثيرٍ من الأحيان بحياة الأنثى وحدّدت مصيرها ومستقبلها وفق ما يراه. تعدّت ذلك المجتمع وبما يتوافق مع شرعنته أو طوّعته قناعاته المؤسّسة على رغباتٍ تتوافق مع فهمه وتفسيره الخاص ينسبها – غالباً في تفسير خاص وحتى خاطئ – ويربطها أو يقنع نفسه لتتماشى مع نظريته الدينية والعشائرية وحتى العائلية ، ويتناسى بأنه يتعامل مع أسس وبُنى تراكمت عبر السنين وسايرت الأجيال ، وأنّ ما يحاول أن يوائمها مع رغباته ليست كمن ينحت في الصخور ليصنع منها تماثيل تتوافق مع رغباته التي يقتنع هو بها ، وإنما هي قيم روحية تتصقل مجتمعياً وترتقي إلى درجة القوننة المفترضة والواجبة الالتزام بها لا تجييرها وتفسيرها حسب الرغبات والمصالح .
وفي الواقع وبكلّ أسفٍ فقد ظهرت مؤخراً أمور غريبة وسادت حالات ارتقت إلى جرائم وانتهاكات فظيعة رافقت الانفتاح غير المنظم للطفرة التكنولوجية من جهة والاستخدام المنفلت لها من جهة، وعدم مسايرتها معرفياً وكذلك وسعت في انفلاتها حالات التوترات المجتمعية بسبب نزاعات مسلحة وما خلّفتها من هجرات جماعية وفوضى الاستقرار والعيش في بيوت وخيم غير صحية ولا توفّر حواجز الاختلاط وكذلك الفقر ، وتداخلت الفوضى المنفلتة لتزيح ضوابط تشرعنت وترسّخت عبر أجيال طويلة وكانت قد أسست لسلوكيات تعزّزت بمفاهيم وقيم تراكمت مجتمعياً وفق معايير إنسانية وبضوابط دينية وانتظمت المفاهيم الأسرية وروابط كما صلة القربى وتقوننت في سلسلة من الضوابط المتسلسلة التي أسست أيضاً مجموعة من المحرمات الكبرى ،إن لواعزٍ ديني أو ضبطٍ مجتمعي، وليتأسّس عليها مفهوم الفرد الذي قد يكون هو نفسه الأب للأسف ووثقت في كذا مجتمع تراه ظاهراً محافظاً وذو سلوك ديني أو عائلي وثيق بما تمّ تنشئته كفرد فيه ليكون هو نفسه الأب أو الأخ أو العم والخال وباختصارٍ كلّ مَن ينطبق عليه صفة – المحارم – . ولكن وكما أسلفنا فقد طفت على السطح مظاهر شاذة وبلبوس ذئاب بشرية تخطّت كل القيم وانتهكت كلّ الأعراف وأخذت تنتهك وبكلّ جبروت أعراض وكرامة محرميها ، وطغت مظاهر ترتقي بالفعل الى درجة التوحش وتمثّلت في انتهاكات فظيعة من ذوي الرحم في انسلاخ عملي لكلّ القيم والضوابط ، وبكلّ جبروت يدوسون على كلّ الأعراف فينتهكون الحرمات المنصوصة دينياً ومجتمعياً ، وكلّ ذلك بغريزيةٍ تدفع بالمحرمات من أخت وغيرها بعد أن تفقد عذريتها – مثلاً – أو أن تتعوّد على هذا السلوك الشائن والتي لربما وكنتاج لذلك الشذوذ أن تحمل سفاحاً وهنا تصبح الضحية أمام خيارات متشعبة أهونها تؤدّي الى أسوأها ، وفي بعض الحالات قد تنجو من محكمة الموت لا العار ، بينما غالبية الحالات إن تمكّنوا من التستر عليها وكتمها ، وأغلب الحالات تكتمها الضحية خوفاً من العار واحتمال عدم تصديق المحيط لجرم المحرم الفاعل ، ولأنّ الضحية تدرك سلفاً بأنّ حكم إعدامها مقرّر مسبقاً مهما كانت المبررات ، وبعضهن يدفعهنّ الخوف إلى الفرار صوب المجهول الذي يكون أقسى بكثير مما كانت عليه، ولتتعرّض إلى انتهاكات أفظع ، ومع الأيام لا ترى أمامها أية فسحة سوى أن تصبح فتاة ليل ( دعارة) تشبع رغبات مَن حولها ، وفي هذه المرحلة يكون قابض ثمن تلك الشهوة هو ذاته مَن دفعها إلى هذه الهاوية، وهو المغتصب الأول ، ولتتحوّل الفتاة إلى شركة قابضة، وهو الوكيل – القابض لأثمانها ، والظاهرة لا تقف مطلقاً عند هذه الحالة بحلها الأقذر ، بقدر ما تطفو أحياناً حالات أبشع،حيث يلتجئ المغتصِب وبصفته المفترضة كمحرم وإن كان هو المجرم وتحت سقف قانون غسل العار وجريمة شرف ،والذي هو ركنه الأساس إلى قتل ضحيته ، وليتحوّل من مجرم سافل إلى بطل ! .
إنّ مجتمعاتنا التي تهيمن عليها الذكورية التي تمارس تنمرها وهيمنتها وتجير كلّ القوانين لتضبط وتشرعن ذلك ، هي بحاجةٍ ماسة إلى إعادة النظر في كثيرٍ من القوانين الناظمة لطبيعة العلاقات بدءاً من الأسرة وصولاً الى الحالة الاجتماعية، والعمل ليس بالكلام النظري والسطحي لشكل ومفهوم المساواة بين الرجل والمرأة، وسنّ قوانين تنصف المرأة وتكون قادرة – القوانين – على ضبط وحماية حقوق المرأة والحد من انتهاكات فظيعة قد يطويها الكتمان أو القتل في جميع الأحوال لها كفتاة ، وهذه الظاهرة لا تُفرض فقط بالقوانين بقدر حاجتها إلى مأسسة عملية وكتربية نوعية تنطلق من الأسرة وعبر مناهج التعليم وصولاً إلى المؤسسات والمنظمات والأحزاب وكلّ المجموعات المعنية .إنّ جريمة القتل بدواعي الشرف تغطّي مع دفن جسد الضحايا قصص مؤلمة وظاهرة قتل متكررة لذات الضحية .
إنّ غالبية المجتمعات وبالرغم من مزاعم تحولها بنيوياً ، وسعة المدارك النظرية والوعي المفترض إلا أنّ أغلبها لاتزال تعتقد شعبوياً بأنّ الشرف لايزال يتجسّد فقط في عفة الفتاة ، ويتناسى أولئك المتنمرّون مدى الهوس الحيواني عندما تتهيمن فيه الغريزية الحيوانية ومعها يفتقد أبسط القيم الإنسانية ، فينتهك الأعراض ، وعند بروز أية ظاهرة قد تشي بفضيحته حينها تتوجّه كلّ ملكاته ويسخرها لوأد فضيحته ولكن ! في قتل الضحية وبذل المساعي في قتلها ثانيةً وذلك بتحريف الوقائع والبحث عن فاعل غير موجود سواه .