الأوليغارشية (تعريفها – مخاطرها)
فيروشاه عبد الرحمن
التعريف التقليدي لها هي (حكم الأقلية )وهي كلمة يونانية الأصل (أوليغارخيا) ، حيث تكون السلطة السياسية بيد فئةٍ أو مجموعةٍ صغيرة من المجتمع تملك المال أو النسب أو السلطة العسكرية ،إذاً فهي حكم سياسي للأقلية وبذلك يتمّ استبعاد الأطراف الأخرى من اتخاذ القرارات وهو مضاد أو ضد الديمقراطية ،وحسب القاموس السياسي الفرنسي أنها ” النظام السياسي الذي تكون معظم القوى في أيدي عددٍ قليل من الأفراد ، كبعض العائلات أو جزء صغير من السكان وعادةً ما تكون الطبقة الاجتماعية أو الطائفة، وتكون مصدر قوتهم الثروة والتقاليد والقوة العسكرية والقسوة ” وآراء مجموعة الفلاسفة والمنظّرين الاجتماعيين تذهب في هذا الاتجاه، فإفلاطون في كتابه (الجمهورية )ذهب بقوله على أنها “حكم لا تلتزم بالقانون وهي حكم القلة ” وأما أرسطو فعرّفها بأنها ” حكم الأثرياء وتنتهي دائماً بحكم الطغيان والاستئثار بالسلطة وهي مسخ للأرستقراطية ” وذهب ميكيافيلي أيضاً في اتجاه سابقيه في كتابه (المطارحات ) “بأنّ الأرستقراطية إذا فسدت تحوّلت إلى الأوليغارشية “إشارةً الى السلطات أو الحكومات التي لا تملك جماهيراً تدعمها في السلطة.
أما أبرز وأحد مؤسسي علم الاجتماع السياسي في كتابه (الأحزاب السياسية -النزعات الأوليغارشية في الديمقراطية ) روبرت ميكلز والذي وصل بالنهاية الى فكرةٍ مفادها ضرورة توعية الناس التوعية السياسية وبشكلٍ جيد حتى يستطيعوا القيام وممارسة حقهم السياسي والمشاركة في الحكم للتحول إلى نظام ديمقراطي ، ولا يجب ولا يجوز التوقف عن ممارسة هذا الحق؛ لأنّ تلك الممارسة والتوعية السياسية تساعدهم على تجاوز حكم الأقلية ، وتاريخياً يمكن تحديد أربعة أنواع من الأليغارشية : فأولاً الأوليغارشيات المتحاربة وهؤلاء المنغمسون مباشرةً في الدفاع عن ثرواتهم والأخرى الحاكمة وهؤلاء لا يحاربون بعضهم وأيضاً السلطانية وهذا النوع يتمّ فيه احتكار فرد الإكراه ليقوم بدور الحَكَم بين مجموعة من الاوليغارشيين وأما النوع الآخير هو المدنية والذين يعتمدون على جهاز مؤسساتي للدفاع عن ممتلكاتهم أي بطرق وأساليب يشرّعون فيها القوانين لحماية هذه الممتلكات.
وينطبق ذلك على المجموعات الاجتماعية التي تحتكر اقتصاد الدولة والسلطة السياسية والتأثير الثقافي وتكون أقرب الى الديكتاتورية أو الاستبداد من الديمقراطية ،وعلى الرغم من انتشار الديمقراطية خلال القرن المنصرم، العشرين، استمرّت الأوليغارشية في الوجود؛ بسبب عدم المساواة في الثروة والدخل، وقد كان ظهورها أكثر عيانيةً في الاتحاد السوفياتي والتي كانت سبباً من أسباب انهيارها في تسعينيات القرن الماضي ،وقد تكون الأوليغارشية عابرة للأوطان من أجل مصالح تلك الفئات القليلة لدرجة التحكم بمصير بعض الدول ، والتي قد تسبّب الحروب.
وتتحوّل الأوليغارشية إلى ثقافةٍ وهو الجانب الخطير فيها، لأنها ثقافة فوقية فهي تعمل وتقوم على إبعاد الهويات الأساسية وتبديلها إلى هويات انعزالية وعدوانية تعمل بوظيفة تتمثّل في خدمة الفئة الصغيرة ( الأوليغارشية) والتي قد تؤدّي إلى العنف على الهوية خاصةً من الناس البسطاء والعاطفيين الذين قد ينحدر بهم إلى الإرهاب والأعمال الإرهابية من خلال إذكاء الهوية الدينية أو المذهبية وخاصةً المتشددين وأصحاب النظريات الأيديولوجية القومية والإسلام الراديكالي للوصول إلى السلطة كما ظهر جلياً ، بعد ثورات الربيع العربي ، كيف حاول الكثير من رجال السلطة التي كانت تمثّل تلك الفئة القليلة الحاكمة وانخرطوا في صفوف الثورة ليكون لهم مكان في النظام القادم؛ إن تكللت بالنجاح ، والخطر الآخر ولكي تحافظ هذه الفئة أو المجموعة على كيانها واستمراريتها تتوجّه إلى تشويه الهويات واختصارها وإهمالها ليعمل على التصادم الأفقي في المجتمع، وهذا ما يظهر دائماً في الأنظمة الاستبدادية كإيجادها صراعات بين الاثنيات الدينية والعرقية وغالباً ما يظهر في المجتمعات غير المتجانسة عرقياً ودينياً ، فتقوم باستغلال ذلك للحفاظ على سلطتها وسيطرتها على مقدّرات المجتمع ؛ لأنها بذلك ستكون قادرة على قيادة الناس ويصبح المجتمع سهل الانقياد ، ولكن هذه الثقافة التي يزرعها ويرسّخها النظام الأوليغارشي غالباً ما ينتهي بعد فترةٍ معينة وبدل أن يكون الصراع بين الجماعات والمجموعات الصغيرة يتحوّل بين المجتمع وهذه السلطة بسبب أخطائها التي تراكمت لفترةٍ طويلة، لذلك لايمكن أن تكون الأوليغارشية نظاماً للحكم بشكلٍ أبدي بسبب تهديدها لوحدة المجتمع وتقسيمه الذي يؤدّي به إلى عدم الاستقرار .
المقال منشور في جريدة يكيتي العدد 296