– ومن جديد : المظلومية الكُردية -( القائد وعبد الكريم قاسم وعبدالسلام عارف ) قسم د 2/3
إعداد : ليلى قمر و وليد حاج عبدالقادر
بدايةً لابدّ من التوكيد على أنّ قرار العودة إلى كُردستان ، والذي اتخذه القائد مصطفى البارزاني ، كان من أصوب وأهم القرارات التي غيّرت عملياً مصير ومستقبل كُردستان والشعب الكُردي ، هذا القرار الذي اتخذ بعد انقلاب عبدالكريم قاسم في 14 تموز عام 1958 والتي أصدرت بدورها قراراً بالعفو عن كلّ مَن قام بأعمالٍ ضد العصر الملكي ، وبعد عودة القائد كانت قد تمّت الموافقة على رخصةٍ لتأسيس الحزب الديمقراطي الكُردستاني ، وارتبط القائد وقاسم في بداية الانقلاب بعلاقة ودٍّ جيدة ، إلا أنها لم تلبث أن تدهوّرت وبشكلٍ متسارع ، على أرضية تبني صحيفة خبات الناطقة باسم الحزب الديمقراطي الكُردستاني أواسط عام1960 شعار الديمقراطية للعراق ومنح الحقوق القومية للشعب الكُردي . وعلى إثرها طلب عبدالكريم قاسم في أواخر شهر تشرين الثاني سنة 1960 ، من وزير الأشغال والإسكان الكُردي – عوني يوسف – بإبعاد البارزاني من رئاسة الحزب الديمقراطي الكُردستاني , ورُفِض طلبه من قبل المكتب السياسي للحزب ، وفي شهر كانون الثاني من سنة 1961 ، استنتج القائد حقيقة مواقف قاسم نحوه ، وأنّ هناك خطر حقيقي على حياته إن بقي في بغداد ، وعليه فقد قرّر في شهر آذار من ذات العام مغادرة بغداد إلى كُردستان .
وبعد استيلاء عبد السلام عارف على الحكم بانقلابٍ على عبدالكريم قاسم ، اتفق مع عددٍ من القادة الكُرد ( سياسيين وعسكريين ) ومن ضمنهم البارزاني على حلٍّ شامل للقضية الكُردية ، وجسد ذلك في إعلان اتفاق نيسان / عام 1964 ، والذي تضمّن منح الكُرد الحقوق الثقافية والإسهام في الحكم وحقوق أخرى ، ولكن كان للتيار القومي العربي رأيٌ آخر بعد تمكّنه من التسلل إلى السلطة ونسف كلّ ما اتّفِق عليه ، فاستمرّت الدولة بإجراءاتها القمعية بحقّ الشعب الكُردي ، وليتجدّد النزاع المسلح بين الطرفين ، وظلّت القضية الكُردية تؤرّق حكومة بغداد والبارزاني يقضّ مضجع القيادة العراقية .
وقد كان للتيار العنصري الشوفيني – ولم يزل – موقف آخر في هذه المرحلة ، حيث اعتبروا – ما ترصّدوه – من أخطاء تاريخية مقصودة أو غير مقصودة ومدى تأثيرها في تغيير صور المشهد السياسي العراقي ، ولعلّ أهمها – ما اعتبروه – نزعة الكُرد نحو التمرد والعصيان ، وعدم الرضا والقبول بأية حكومة عراقية منذ تأسيس الدولة عام 1921 ومروراً بكلّ الحكومات من ملكية إلى جمهورية !، وظلّوا متشبّثين بحقوقهم القومية المشروعة !. وعُرِف عنهم حبّهم للاستقلال التي يفسّرها العنصريون بالانفصال – هامش ليلى قمر – عن الدولة الأم وعدم الولاء أصلاً للعراق ! .
وسرعان ما بدأ باختبار التحالف بين قاسم والبارزاني عندما اندلعت أحداثٌ بمدينة كركوك في الذكرى الأولى للانقلاب ، وكانت من أهم أسبابها الاحتقان الكُردي – التركماني القائم منذ عقود ، ولكن قاسم آثر وضع اللوم على الشيوعيين حصراً . وبعدها في شهر أكتوبر ، قام البعثيون بمحاولة اغتيال قاسم ، وهنا برز لأول مرةٍ اسم المجرم صدام حسين كواحدٍ من أعضاء فريق الاغتيال ، والذي فرّ بعد المحاولة الفاشلة إلى القاهرة . هذه الحادثة التي دفعت بقاسم إلى التريث في قطع علاقاته مع الشيوعيين ومعاقبتهم على أحداث كركوك ، وإن بقي الاحتقان موجوداً ، هذا الأمر الذي ألقى بظلاله على علاقة قاسم بالبارزاني . وتبع هذه الأحداث منح رخصة لنشر جريدة “خبات” (النضال) لسان حال الحزب الديمقراطي الكُردستاني ، وثم إجازة الحزب نفسه في شباط 1960 . وكان حزب البارتي متحالفاً ومتماهياً مع الشيوعيين، فيقول في ميثاقه التأسيسي و ( كتعريف وتاريخ وتنظيم الحزب – المعاصر – ) :
الاسم: الحزب الديمقراطي الكُردستاني. (ح.د.ك)
هو حزب ديمقراطي وطني، يؤمن بحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والحرية الفردية وحق الأمة الكُردية والأمم الاخرى في تقرير مصيرها، ويناضل من أجل ذلك وفق مناهج علمية وبطرق سلمية وديمقراطية مستوحاة من تجارب الحركة التحررية للأمة الكُردية والتراث الوطني والنضالي للبارزاني الخالد مستفيداً من تجارب الشعوب بما ينسجم مع واقع كُردستان.
تأسس الحزب في 16 آب عام 1946 بقيادة الأب الروحي للكُرد (الملا مصطفى البارزاني الخالد). في البداية كان اسم الحزب هو (الحزب الديمقراطي الكوردي) ولكن في المؤتمر الثالث بتاريخ 26/1/1953 المنعقد في مدينة كركوك ، تقرّر تغيير الاسم إلى ( الحزب الديمقراطي الكوردستاني )
وعقد الحزب مؤتمرات عديدة كان أولها في 16/8/1946 وآخر مؤتمر له عقد في 2021 . ومن أهم أهداف الحزب :
– المستوى القومي :
– توثيق علاقات الأخوة والتضامن والتعاون مع سائر الأحزاب والمنظمات الديمقراطية والسلمية والجاليات الكُردية لتحقيق الأهداف القومية المشروعة بالوسائل السلمية، ونشر ثقافة الحوار والتسامح داخل البيت الكُردي وتحريم اللجوء إلى القوة .
– السعي لتدويل القضية الكُردية في إطار المنظمات الدولية والاقليمية سياسياً ، واكتساب الحركة التحررية الكُردية صفة مراقب في هذه المنظمات للدفاع عن حقوقها القومية والوطنية المشروعة.
– إعادة كافة المناطق المستقطعة من إقليم كُردستان وفق الآليات الواردة في المادة 140 من دستور العراق الاتحادي ، وتثبيت حدود الإقليم على هذا الأساس.
– الدفاع عن حقوق جميع الكُرد الساكنين في المناطق الأخرى من العراق كجزءٍ غير مجزّأ من الأمة الكُردية والعمل على تعزيز وإدامة الروابط الاجتماعية والثقافية معهم .
– أهداف الحزب على المستوى الوطني :
– السعي لبناء مجتمعٍ مدني يسوده القانون وتكافؤ الفرص، يتعايش فيه الجميع في ظلّ سلطةٍ وطنية نزيهة وشفّافة ، وتحقيق التعددية السياسية، وتداول السلطة سلمياً .
– إرساء النظام الديمقراطي البرلماني الفيدرالي في العراق بالشكل الذي يضمن للعراقيين حق المواطنة كاملة ، ويحفظ للعراق مكانته الدولية ويضمن استقلاله وسيادته .
– المحافظة على المكتسابات والاستحقاقات القومية والسياسية والاقتصادية والثقافية وتطويرها والتي تحقّقت عبر مسيرةٍ نضالية تاريخية كانت ثمرة دماء شهدائنا وتضحيات شعبنا واستجابةً لارادته الحرة القوية.
– ترسيخ وتعزيز الوحدة الوطنية في إقليم كُردستان والعراق ، والعمل على إيجاد الحلول المناسبة لحلّ القضايا العالقة بين حكومة الإقليم والحكومة الاتحادية وفق الدستور .
– تطوير النظام البرلماني الفدرالي ( الاتحادي ) وضمان مشاركة جميع مكونات الشعب العراقي في المؤسسات الدستورية .
– ضمان مشاركة شعب كُردستان في صنع واتخاذ القرار السياسي العراقي عن طريق المشاركة في مؤسسات الحكومة الاتحادية .
– احترام الدستور الفيدرالي من خلال تطبيق مواده وإيلائه القدسية اللازمة باعتباره المعبّر الحقيقي لإرادة الشعب العراقي والضامن الوحيد لوحدة العراق أرضاً وشعباً .
– ضمان الحقوق القومية والثقافية والإدارية للتركمان والكلدان والآشوريين، والأرمن .
– ضمان حقّ كلّ مكونٍ ديني ومذهبي في إقليم كُردستان في ممارسة طقوسه الدينية وتأسيس المجالس لتنظيم شؤونه الثقافية والاجتماعية وتطويرها وتنميتها.
– إقامة أفضل العلاقات مع الأحزاب العاملة في كُردستان والعراق والتي تؤمن بالدستور وبالديمقراطية وحقوق الإنسان والفيدرالية والتآخي الوطني وتعترف بحقّ الشعب الكُردي في تقرير مصيره.
– ترسيخ مبدا التعايش وروح التسامح بين كافة مكونات الشعب من القوميات والأديان والمذاهب.
– العمل على احترام العراق لالتزاماته الدولية وتطبيق المواثيق والمعاهدات الدولية كافة، لاسيما تلك المتعلقة بحقوق الإنسان وحقوق الأقليات وحق تقرير المصير .
أهداف الحزب الإقليمية والدولية :
– تقوية العلاقات الودية بين الإقليم ودول الجوار وتعزيزها على أساس مبدأ المصالح المشتركة والاحترام المتبادل وحسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وحلّ المشاكل بالطرق السلمية وفق مبادئ القانون الدولي العام .
التمسك بأهداف الأمم المتحدة ومبادئها واحترام المعاهدات والمواثيق الدولية كافة التي لاتتعارض مع مصالح شعب كُردستان.
– دعم جهود الدول الصديقة والمنظمات الدولية، الحكومية منها وغير الحكومية، المساهمة في النهوض بالنواحي السياسية والاقتصادية والثقافية في إقليم كُردستان وحلّ مشاكلها بالوسائل السلمية وعلى نحوٍ عادل.
– القيام بحملة دولية لحثّ الدول والمنظمات الدولية (الأمم المتحدة) للدفاع عن الشعوب المرتكبة بحقها الجرائم الدولية ومساندة جهودها من أجل استقلالها السياسي ونموها الاجتماعي والثقافي.
– تقوية علاقات الصداقة و التعاون مع الشعوب والأحزاب والشخصيات والمنظمات غير الحكومية التي تقف إلى جانب شعب كُردستان.
– فتح ممثليات حكومة إقليم كُردستان العراق في مختلف دول العالم على وفق الدستور العراقي النافذ وتهيئة البيئة المشجعة لفتح قنصليات تلك الدول في – إقليم كُردستان لتعزيز العلاقات معها في المجالات المختلفة.
– اكتساب الحركة التحررية الكُردية صفة مراقب في منظمة الامم المتحدة ووكالاتها المتخصصة، لضمان حق الشعب الكُردي في العيش بسلامٍ وعدم تعرّضه للاضطهاد والإبادة الجماعية مرة أخرى.
– توثيق وتطويرعلاقات الإقليم بالمنظمات الدولية ولاسيما منظمة الأمم المتحدة وإيجاد آليات وصيغ مناسبة لضمان مشاركة ممثلي الإقليم في المؤتمرات والمنظمات الدولية وهيئات الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة.
– العمل على تفعيل هيئات الحزب في الخارج ودعمها مادياً ومعنوياً من أجل:
– إقامة افضل العلاقات مع الأحزاب العاملة في تلك الدول ولاسيما تلك الأحزاب التي تؤمن بالديمقراطية وحقوق الإنسان وتعترف بحق الشعب الكُردي في تقرير مصيره ، وحثّها على دعم القضية الكُردية .
– إيلاء مزيدٍ من الاهتمام أكثر بأعضاء وأنصار الحزب في الخارج.
– لعب دور المساعد لممثليات حكومة إقليم كُردستان بهدف تقوية روابط إقليم كُردستان وتقديم المساعدات الإدارية والإنسانية للجالية الكُردية ومواطني إقليم كُردستان في الخارج. ) – .. ( بتصورنا شبه المؤكد أنّ هذه هي أهم مبادئ وأهداف الحزب .. ) – المعدّان : وليد وليلى .
ومع تزايد الاحتقان بين السلطة القاسمية والشيوعيين ، بات تحييد الجناح اليساري في الحزب ضرورياً لمراضاة قاسم ، فتمّ عزل أقطابهم في الهيئة التحريرية لجريدة خبات ، والتي كانت قد شرعت بانتقاد قاسم بتهمة محاباة الاقطاع بعد عفوه عن غريم البارزانيين القديم الشيخ رشيد لولان الذي كان قد انتفض مع أغوات أكراد آخرين ضد الإصلاح الزراعي في أولى أشهر العهد الجديد . ومع هذا استمرّت جريدة خبات في نقدها ، بالعزف حيناً على وتر الحقوق الكُردية ، وحيناً على إلغاء الأحكام العرفية ، وإنهاء الفترة الانتقالية والتوجه إلى دستورٍ دائم وانتخاباتٍ نيابية . وليردّ قاسم مقابل ذلك بالدعوة إلى انصهار القوميات والهويات الفرعية وتذويب نفسها ضمن الهوية العراقية الجامعة ، ونقض فكرة الخاصية القومية للأكراد في إحدى خطبه ، الأمر الذي أدّى إلى استفزازهم ، وعلى إثرها قامت جريدة خبات بحملةٍ ضد قاسم ، والذي من شدة غضبه لفق تهماً ضد صاحب امتيازها الأول وسكرتير عام حزب البارتي عند تأسيسه إبراهيم احمد فتاح واتهمته السلطات العراقية بمقتل زعيم عشيرة خوشناو قرب شقلاوة . واستمرّ التأزيم على صفحات الجرائد إلى أن نشرت جريدة الثورة مقالاً بعنوان ( تحت ظلام الشيوعيين يكتبون ) .
وبالرغم من تغيّر خطاب العهد القاسمي وتوصيفاته بحق الزعيم مصطفى البارزاني ، إلا أنّ القشة التي ساهمت في اختلال التوازنات ، جاءت من جلال الطالباني الذي صعد إحدى المنصات في بغداد ونوّه بأنّ عبد الكريم قاسم كان يعمل تحت أمرة ضابط بريطاني حين مشاركته في العمليات العسكرية ضد البارزانيين إبان العهد الملكي . وفي الواقع كان الضابط عبد الكريم قاسم آمراً لفصيل مشاة، مكونٍ من ثلاثين جندياً، شارك في معركة ليلية ضد قوات البارزاني في منطقة ميركه سور سنة 1945 . واستمرّ التفاقم في تصاعده إلى شهر أيلول في نفس العام وإعلان الأكراد الإضراب العام في شهر أيلول ، وترافق ذلك مع انتشارٍ لقوات البيشمركة في العديد من المناطق الكُردية. مما حدى بقاسم إلى استنفار الجيش في المقابل. وفي هذه المرحلة ارتأى القائد البارزاني الركون إلى التهدئة والعودة إلى التفاوض ، وفق نقاط محددة أرسلها إلى قاسم ، وجاء رد الأخير في خطابٍ استمرّ لخمس ساعاتٍ ونصف أمام وكالات الإعلام، عزّز فيها من الخطاب المتشدد الجديد : إن الحركة الكُردية الأخيرة هي جزء من مؤامرة كبرى تحاك ضد البلد ، وبأنّ البارزاني عميل للإنكليز “منذ أن كان ساعياً للبريد سنة 1933″، وادّعى قاسم بأنّ الانكليز موّلوا البارزاني بنصف مليون دينار عراقي ، وبأنّ العراق قد يغلق السفارة البريطانية في بغداد رداً على ذلك . وأمام هذا التصعيد والتجييش والتخوين الذي مارسه عبدالكريم قاسم ، تزايدت الحشود وبدأ القتال المرير ، وليذهب جلال الطالباني مع مفارز عسكرية إلى الجبل يقاتل الجيش العراقي . هذا العمل الذي عدّه النظام ( .. عملية تمرد موقوتة قام بها بعض المتمرّدين في الوقت الذي كانت تجري فيه مفاوضات النفط مع الشركات ويخوض الشعب معركة دبلوماسية حاسمة من أجل تحرير الكويت…”
وفي معرض رده على بيان الحزب الشيوعي القائل بأنّ الأحداث “أثارت قلقاً عميقاً لدى القوى الديموقراطية الحريصة على وحدة الصف الوطني ضد الاستعمار نظراً لما يتمتع به البارزانيون من عطف وتقدير الجماهير الشعبية العربية والكُردية على السواء ، أجاب أحد أبرز وجوه نظام قاسم ( .. رضيت الشيوعية عن الملا مصطفى البارزاني لأنّ الاتحاد السوفيتي رضي عنه وأكرمه في لجوئه .. ) هذا الأمر الذي بدا فيه إرباكاً وتناقضاً كبيراً في سردية ( عمالة ) البارزاني للدول الغربية، إذ أنّ وكالتي الاستخبارات البريطانية والأميركية كانتا في ذلك الوقت تنظران إليه على أنه ( بيدق سوفييتي ) ! . ولكن عند حبك السرديات التعبوية يبدو أنه لا يوجد متسع للاتزان والتأمل في مصداقياتها فيستطرد رجل قاسم المدعو بالبناء ويقول : “الزعيم ( عبد الكريم ) بصبره الطويل الجميل وذهنه المتوقد وإرادته الحديدية القوية سيلقّن هؤلاء الدرسَ بعد الدرسِ ، ويطهّر التربة العراقية من أدرانهم وآثامهم ويقضي على أعشاشهم وأوكارهم…”
ثم يبشّر البناء بقرب انتهاء “التمرد” فينقل عن قائد الفرقة الثانية “بأنّ المعلومات المتوفرة لدينا تدلّ على أنّ الملا الخائن قد جُرِح جرحاً بليغاً وهرب مع شقيقه ، وأغلب الاحتمال أنه سيموت”، مضيفاً “وأكّد الزعيم الأمين على أنّ الأمن والأمان قد عادا إلى ربوع الشمال ورفع علم الجمهورية العراقية فوق زاخو…”
يختتم البناء كتابه ببرقيات بعثتها قيادات كُردية تناصر عبد الكريم قاسم ، منها واحدة من طرف رشيد لولان الذي كان قاسم قد عفا عنه، يدعوه فيها إلى “تخليصنا من هؤلاء الكفرة والملحدين” في إشارةٍ إلى الاتهامات بالخروج عن الدين التي كان يكيلها لولان ضد مشايخ الطريقة الصوفية البارزانية منذ العهد العثماني . كما أنّ هناك برقية أخرى من عدوٍ قديم آخر للبارزانيين ، وهو محمد فارس آغا شيخ الزيباريين، الاقطاعي العتيد الذي كان يتهم الطريقة البارزانية بتقويض سلطان عائلته على تلك المناطق منذ مئة عام، بالإضافة إلى برقياتٍ من مشايخ يتلقّبون بـ “البارزاني” يعلنون فيها إذعانهم للحكومة .
ويجد عددٌ من المؤرّخين أنّ انهيار تحالف عبد الكريم قاسم مع البارزاني، واستمرار القتال بينهما ، ساهم لاحقاً بإضعاف نظام الحكم في بغداد ، وأبقى قاسم وحيداً أمام مخططات مجاميع أخرى من الضباط القوميين اليمينيين. ثم انتهت الأمور إلى انقلاب شباط 1963 وإعدام عبد الكريم قاسم في دار الإذاعة ببغداد .
وهنا وقبل انتهاء ممهدات المرحلة بشخصياتها ودخول مرحلة الكفاح المسلح من جهةٍ والدور السياسي التنظيمي للحزب الديمقراطي الكُردستاني ، لابدّ من التعريف ولو بإبجازٍ بكلٍّ من السيد جلال الطالباني وابراهيم احمد :
– جلال طالباني :
أحد زعماء الحركة الكُردية ، ولد عام 1933 في قرية كلقان في كُردستان العراق على مقربةٍ من بحيرة دوكان . تلقّى تعليمه الأوليَّ والمتوسط بالمدارس في مدينة ( كوي سنجق ) ، ثم واصل تعليمه الثانوي في كركوك وأربيل .
بعد أن أنهى دراسته الثانوية ، تقدّم للدراسة في كلية الطب ولكنّ الحكومة الملكية الهاشمية في العراق ، رفضت طلبه بسبب نشاطاته السياسية .
بدأ نشاطه في سبيل القضية الكُردية مبكراً فيُذكر أنه شكّل خليةً سرية، من الطلاب الأكراد في عام 1946م ، عندما كان في الثالثة عشرة من عمره . كما انتسب في العام التالي إلى الحزب الديمقراطي الكُردستاني الذي كان يتزعّمه الملا مصطفى البارزاني، ولمّا كان في الثامنة عشرة من عمره أي عام 1951 انتُخِب عضواً في اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكُردستاني .
وفي عام 1953 : سُمِح له بالالتحاق بكلية الحقوق ، ولكنه اضطرّ إلى ترك الدراسة في عام 1956 وتوارى عن الأنظار بسبب طلب السلطات القبض عليه بتهمة تأسيس اتحادٍ لطلبة كُردستان وعمله أميناً عاماً له.
وفي يوليو عام 1958 وقع انقلاب عبد الكريم قاسم ضد الحكومة الملكية في العراق وأطاح بالعرش الهاشمي، فعاد جلال طالباني لمواصلة دراسته في الحقوق ، وفي الوقت نفسه اشتغل بالكتابة الصحفية،وترأّس تحرير صحيفتين كُرديتين هما:
(خبات) و (كُردستان). ولمّا تخرّج عام 1959 بدرجة البكالوريوس في الحقوق دُعِي للخدمة العسكرية في الجيش العراقي حيث عمل في سلاح المدرعات والمدفعية ، وخدم قائداً لوحدة دبابات .
وعندما نشبت الثورة الكُردية ضد حكومة عبد الكريم قاسم في سبتمبر 1961م ، أوكلت إلي جلال طالباني المسؤولية عن منطقتي كركوك والسليمانية ، وقاد المقاومة الكُردية في مناطق ( موات ) و( رزان ) و( قرة داغ ) .
وفي مارس عام 1962 م قاد مقاومةً كُرديةً منظّمة استطاعت تحرير منطقة شربازهر من قبضة القوات العراقية .
وكان في أوائل عام 1960م قد اشترك في عددٍ من المهام الدبلوماسية ، ومثّّل الحركة الكُردية في أوروبا والشرق الأوسط . واشترك في مؤتمر القاهرة عام 1963م .
ولمّا انقسم الحزب الديمقراطي الكُردستاني عام 1964م ، كان جلال الطالباني ضمن مجموعة ( المكتب السياسي ) ، الذي تزعّمه الملا مصطفى البارزاني . وبعد انهيار الحركة الكُردية في مارس 1975 ، التي خلّفت أزمةً ذات آثار عميقة في مسيرة العمل الكُردي بالعراق ، اتجه جلال طالباني إلى تأسيس حزبه المعروف باسم ( الاتحاد الوطني الكُردستاني ) مع مجموعةٍ من الناشطين والمثقفين الأكراد ، ليعطي للحركة الكُردية مساراتٍ جديدة .
وبدأ منذ عام 1976م، في تنظيم مقاومة مسلحة في داخل العراق . وفي أثناء السنوات الأولى من عقد الثمانينات ، ظلّ يقود الحزب من قواعده داخل العراق ، حتى شنّ صدام حسين حملة بالغازات الكيميائية على الأكراد في أواخر صيف وبداية خريف عام 1988 م .
وظلّ جلال طالباني يتنقّل في إقامته بين بلادٍ عدة ، ولكنه أكثر من الإقامة في دمشق .
ساهم طالباني بفعاليةٍ في كلّ المحاولات الجارية لرأب الصدع بين القوى الكُردية في كُردستان العراق.
ويعدّ مراقبون كثر جلال طالباني من أكثر زعماء الحركة الكُردية إثارةً للحيرة، بسبب تغيّر تحالفاته . خاصةً مع الحكومة العراقية ومع إيران وتركيا . ويتميّز كمتحدثٍ وخطيب بارع وفصيح بالعربية، ممّا جعله مشهوراً في العالم العربي .
وهو صهر للزعيم الكُردي إبراهيم أحمد
2 – إبراهيم أحمد :
وهو أديب وصحافي وسياسي كُردي ، ولِد في عام 1914 بمدينة السليمانية ، الواقعة في كُردستان العراق . رحل إلى بغداد لتلقّي تعليمه الإعدادي والثانوي . ثم التحق بجامعة بغداد ، وتخرّج في عام 1937م من كلية الحقوق . عُيّن قاضياً في عام 1942، وخدم في مدينة أربيل ثم في حلبجة وقد أسّس في عام 1939 مع علاء الدين سجادي، مجلة “جلاوزه” Galawezh، وهي مجلة أدبية وكان هو الناشر ورئيس التحرير . وقد نشر فيها كثيراً من قصائده وقصصه القصيرة ، وترجماته ( وبخاصة من اللغة الإنجليزية ) ومقالاته وفي عام 1944 ترك العمل الحكومي ووقف نفسه على عمله السياسي والأدبي .
في عام 1949 صدر في حقه حكماً بالسجن في بغداد لمدة عامين ، وبالإقامة الجبرية في مدينة كركوك لمدة وأيضاً لعامين . وبهذا أوقف إصدار مجلّته . وكان له نشاط سياسي في المنظمات والأحزاب والروابط الكُردية، من عام 1930 إلى عام 1970. حيث قاد مظاهرات ضد الاحتلال البريطاني ، ونظّم الشباب الكُردي وأصبح عضواً نشطاً في الحزب الديموقراطي الكُردي، في عام 1947، ثم صار أميناً عاماً له في عام 1953. وترأّس تحرير صحيفة الحزب ( خابات ) .
في عام 1960 حُكِم عليه بالسجن بسبب مقالته التي نشرها في الصحيفة المذكورة وانتقد فيها موقف حكومة العراق من الأكراد . وظلّ مختبئاً حتى نشبت الثورة الكُردية المسلحة في كُردستان في سبتمبر عام 1961م ، فتوجّه إلى الجبال وأسّس له مقراً في منطقة “مالوما” بالسليمانية.
في عام 1964، قاد فرع الحزب الديموقراطي الكُردي ، المنشقّ عن قيادة الملا مصطفى البارزاني . ولمّا توحّد المنشقّون مع الحزب عام 1970م بقي إبراهيم أحمد مستشاراً لقيادة المقاومة الكُردية .
اتصل به جلال طالباني ، وتزوّج من ابنته هيرو ، ثم عاش لاجئاً سياسياً في إنجلترا من عام 1975 إلى أن توفّي في 8 أبريل 2000 ، في مستشفى هيلر Hiller Hospital، في محافظة سوري Surrey، عن عمرٍ يبلغ 86 عاماً .
بسبب الحظر الذي فُرِض على الأكراد كان ينشر مقالاته بأسماء مستعارة.
..
– معظم مصادر هذا الإعداد هي نيتية من غوغل والمعرفة ويوكيبيديا وكذلك مواقع وصحف وكتب ودراسات كما أبحاث ، وعليه اقتضى التنويه ..