إقليم كُردستان العراق والتحالف الدولي الجديد
عبدالله جعفر كوفلي/ باحث اكاديمي
كلّ التحليلات السياسية والمعطيات الدولية تشير الى أنّ منطقة الشرق الأوسط مشرفة على أبواب تغييرٍ جديد في رسم الخارطة السياسية، ونستدلّ ذلك من الأحداث والمواقف اليومية للدول التي تبحث كلٌّ منها عن تأمين حماية مصالحها، خاصةً فيما يتعلّق بأمن الطاقة والأمن الغذائي اللذين يحتلّان مكانة الصدارة في الوقت الحالي من بين الأنواع الأخرى.
إنّ الحرب الروسية الأوكرانية التي ألقت بظلالها على كلّ مفاصل الحياة في العالم، كانت كلّ المؤشرات تشير في بدايتها الى قصر طولها ،ولن تتجاوز أيام أو اأسابيع وسرعة الحسم، ولكنها تجاوزت الشهور، ولا تزال مستمرة، والمعركة تتأرجح بين الكرّ والفرّ والدعم الدولي العسكري واللوجستي وخاصةً الأمريكى والأوروبي تحت غطاء حلف الناتو تتدفّق بشكلٍ يومي الى أوكرانيا التي أثبتت وقوفها على رجليها بوجه الدب الروسي الشرس بعد أن اتكأت على عكازة الناتو، هذه الحرب كشفت العديد من الحقائق و صدق المؤامرات التي تحاك ضد الأمم والشعوب، وهم الضحية، أفرزت هذه الحرب الكثير من التداعيات ودفعت بالدول إلى إعادة النظر في علاقاتها وسياساتها الاقتصادية، وخاصةً مسألة الطاقة والغذاء، وشعرَ حلفاء روسيا والجماعات القريبة منها بنشوة النصر ، وعودة العالم إلى أيام الحرب الباردة وسياسة القطبين التي انتهت بانهيار الاتحاد السوفيتي السابق في بداية العقد الأخير من القرن الماضي، ودفعتهم إلى إعادة ترتيب أوراقهم، وخاصةً دولة ايران التي تمتلك في الأصل العديد منها، وتعمل من أجل تصدير ثورتها إلى خارج حدودها الدولية، وصرامتها في مفاوضاتها النووية، وكذلك جمهورية الصين الشعبية عقدت وتحاول عقد اتفاقيات اقتصادية وتجارية مع الدول الآخرى وفتح طريق الحرير إلى أوروبا.
هذه الخطوات وغيرها الكثير أجبرت ودفعت بأمريكا وأوروبا إلى التفكير بتأسيس حلفٍ دولي على شاكلة وغرار حلف الناتو، الذي أثبت جدارته في المواجهة غير المباشرة مع الروس في أوكرانيا، هذا الحلف سيضمّ دول الخليج العربي والعراق ومصر والأردن وتكون أولى مهماته تأمين وحماية أمن دولة إسرائيل، والوقوف بوجه المدّ والتأثير الروسي والإيراني في المنطقة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وأمنياً ، تجري الاستعدادات اللازمة لعقد أولى اجتماعاته في الأشهر القادمة من هذه السنة في المملكة العربية السعودية.
إنّ تأسيس مثل هذا الحلف سيدخل المنطقة برمّتهاإلى دوّامة الحروب والأزمات المتتالية، وتتناثر جهود الدول في رسم سياسةٍ مستقلة لها في علاقاتها مع الدول الأخرى، وتتحلّل ضمن سياسات الحلف الجديد ؛لأنّ الهدف الأساسي من وراء تشكيل الأحلاف والتكتلات الدولية يكمن في مواجهة الاآخرين ،خارج الحلف، وإرغامهم بالرضوخ لأجنداتهم ومطالبهم.
إنّ الانضمام إلى الحلف الجديد قد يكون سهلاً وطريقاً معبداً أمام الدول التي ذكرناها، ولكنها ليست بتلك السهولة والبساطة لدولة العراق التي تعاني من أزماتٍ في السيادة والخدمات والانسداد السياسي والتدخل الخارجي، خاصةً لما تملكه دولة ايران من تأثير عليه، بحكم التاريخ والدين والطائفة والحدود، فلا يمكن للعراق الدخول إلى حلفٍ دولي يكون تأسيسه في الأصل بهدف وضع حدٍٍّ للتمدد والتهديد الإيراني المستمرّ على المنطقة، وخاصةً على إسرائيل، ومن جانب آخر كيف يمكن للعراق الدخول في حلفٍ جلّّ اهتمامه يكمن في حماية أمنِ إسرائيل ، ولم تمضِ شهورٌ على تشريع مجلس النواب العراقي لقانون تجريم التعامل والتطبيع مع الكيان الصهيوني، وهذا يمثّل تناقضاً سافراً في المواقف.
كذلك ماذا سيكون موقف الميليشيات الخارجة عن القانون التي تهدّد بشكلٍ مستمرٍّ، وتتخذ مواقف بالضدّ من موقف الحكومة العراقية؟
وأخيراً إذا لم يكن للعراق سهلاً الدخول في مثل هذا الحلف، فسيكون موقف حكومة إقليم كُردستان أكثر صعوبةً من هكذا حلفٍ في ظلّ الانقسام الداخلي وعدم وحدة الصف الوطني الذي كان ولا يزال الإقليم بأمسّ الحاجة إليه ، والاختلاف في الرؤى والاستراتيجيات بين الحزبين الرئيسيين والأحزاب الاخرى، بالإضافة إلى مشاكل الإقليم المستمرّة مع بغداد، حول الميزانية وقانون النفط والغاز والبيشمركة والمناطق الكُردستانية خارج الإقليم، والقصف الصاروخي شبه اليومي لأربيل العاصمة ومصافِي النفط والغاز من قبل الميليشيات الخارجة عن القانون بحجة الوجود الإسرائيلي وشلّ اقتصاد الاقليم بضرب عصبه، وموقف الحكومتين الكُردستانية والعراقية وأمريكا وأوروبا لا يخرج من إطار التنديد والاستنكار الذي لا يزيد المشهد الا غموضاً وتعقيداً عليه فإنّ التساؤلات التي تفرض نفسها: ما هو محل اقليم كُردستان العراق في الحلف الجديد؟ وهل سيكون تعامل دول الحلف مباشراً مع الإقليم أو من خلال دولة العراق؟وهل دخول العراق إليه سيساهم في حلحلة المشاكل العالقة بين أربيل وبغداد؟ .
وهل أنّ الانضمام إلى الحلف يؤدّي إلى ابتعاد الإقليم من الروس الذين يملكون أوراق ضغط لا يستهان بها؟ ماذا سيكون موقف تركيا من الدخول؟ وكيف سيكون شكل علاقات الإقليم مع الإطار الخارجي؟ وهل أنّ الأحزاب الكُردستانية ستتخذ موقف موحد من الحلف، الذين عقدوا على أنفسهم وحلفوا اليمين ألا يكون موقفهم موحداً على أية قضية؟ ماهو موقف الشارع والرأي العام الكُردستاني من هذا الحلف؟.
كلّ هذه التساؤلات وغيرها تتطلّب الإجابة الحكيمة والسريعة من المؤسسات الرسمية المختصة في الإقليم، وإجراء الدراسات اللازمة من قبل مراكز الدراسات والأبحاث بهذا الشأن، قبل أن تأتي تلك الأيام وجعبتنا فارغة.
المقالة منشورة في جريدة يكيتي العدد 300