هجرة العقول أو (هجرة الأدمغة المفكرة)
نفيسة علي
ما جعلني أقدم على كتابة هذا المقال مراجعتي لأحد الأطباء، حيث دار الحديث حول الوضع العام في البلاد، كان الطبيب يشكو من الوضع الصعب وانعدام تقدير المجتمع وما إلى ذلك وأكّد أنه عازم على الهجرة في أية فرصةٍ تسنح له.
حقيقةً قد يكون هذا الطبيب محقاً، لكن عند إمعاني في هجرة الأطباء والمختصين، أصبحت أفكّر في المواطن البسيط الذي بقي في الوطن ولم يهاجر، أليس هذا المواطن أحوج إلى هذا الطبيب من الدول الأوروبية التي باتت حلماً للجميع؟
هذا الطبيب هو مثال واحد على مئات وربما الآلاف من الأمثلة المشابهة ومن جميع النخب التي تشمل ( المهندسين والمعلمين والحقوقيين والمفكرين والباحثين إلخ…)
فإذا كانت النخب ذات الدخل المرتفع نسبياً تسارع إلى الهجرة، فما بالك بأفرادٍ ذوي الدخل المتوسط أو المتدني؟
أسباب الهجرة..
لاشكّ أنه في الآونة الأخيرة قد تزايدت أعداد المهاجرين بوتيرةٍ سريعة، وتختلف الأسباب التي تدعوهم للانتقال من بلدٍ إلى آخر، بين أسبابٍ داخلية وأخرى خارجية.
– الأسباب الداخلية: تعني تلك الأسباب التي دعت المهاجرين للانتقال من موطنهم الاصلي رغماً عنهم بسبب ما يمرّ بهم من ظروف صعبة مثل الحروب أو عدم الاستقرار السياسي وتأثيراتها على الأوضاع الاقتصادية والإدارية والأمنية، وتدني مستوى الدخل وانتشار البطالة وقلة المشاريع الاستثمارية وانعدام الاستثمارات الأجنبية وعدم تفعيل عملية التخطيط للقوى العاملة وعدم توافق السياسات التعليمية مع احتياجات التنمية، وضعف البحث العلمي وضعف المقدرة على اتخاذ القرارات الصائبة وتفشي الفساد المالي والإداري، بالإضافة إلى عدم تقدير العلماء وعدم توفير الظروف المناسبة لهم إلى جانب عدم الثقة في أفكارهم الجديدة ومعاناتهم من عدم وجود تخصصات تناسب مؤهلاتهم العلمية وخاصة الجيل الجديد.
-أما الأسباب الخارجية التي تدفع الناس للهجرة، فهي تطور الدول الأوروبية وما تتمتع به من ميزات ، مثل وفرة الخدمات وفرص العمل والتقدم الاقتصادي والمستوى المعيشي المرتفع وتوفر الوسائل اللازمة للبحث العلمي والتطوير إضافةً إلى توفير الفرص للمتخصصين وفتح المجالات الواسعة لهم وتوفير الاستقرار السياسي والاقتصادي والضمان الصحي والاجتماعي وحرية الرأي والتعبير وما تقدّمه تلك الدول من مغريات لسد النقص في الخبرات والأيدي العاملة ورسم السياسات وسنّ القوانين التي تخدم هذا الاتجاه في سبيل جذب الخبرات والعقول وخاصةً من فئة الشباب والاستثمار في تنمية الإنسان.
والمهاجر لا يهجر إلا بسبب ظلم ظالم أو الحصول على الأمن والعيش الكريم والعدل وهجرة العقول هي واحدة من أشكال الهجرة ولكن هذه الفئة تملك مؤهلات تجعلها قادرة على البقاء أكثر من الفئات الأخرى.
وهجرة الأدمغة والعلماء وأصحاب الاختصاص من مختلف القطاعات من موطنهم الأصلي إلى بيئة أكثر ملاءمةً لهم مهنياُ أو اقتصادياً قد يؤثّر هذا النوع من الهجرة سلباُ على وطننا من ناحية فقدان القوى العاملة ما يسبب في خسارة البلاد والمنظمات والصناعات المختلفة وتقليل الكفاءات الموجودة في البلاد وخاصةً فئة الشباب الأمر الذي سيسبّب بدوره ضرراً على اقتصاد البلد.
كلنا نعلم أنّ الوضع والظروف صعبة جداً لكن يجب على العلماء أن يكونوا في عون أهاليهم في البلد، وعلى الدولة الاهتمام بالعلماء والتربية والتعليم لأنّ ضياع الجهود والطاقات الإنتاجية والعلمية لهذه العقول التي تصبّ في مصلحة البلدان الغربية بينما تحتاج التنمية الوطنية لمثل هذه العقول في مجالات الاقتصاد والتعليم والصحة والتخطيط والبحث العلمي.
وهذا يزيد من ضعف وتدهور الإنتاج العلمي والبحث في وطننا بالمقارنة مع الإنتاج العلمي للعقول المهاجرة في البلدان الغربية، لذلك نؤكّد مرةً أخرى على ضرورة توفير بيئة سياسية واجتماعية مستقرة، تشجّع الكفاءات وتزيدهم ثقةً بأنّ بلدهم خالي من الفساد ويتجه في مسار واضح إلى التطور والازدهار، وتدفعهم للبقاء فيه واستثمار إمكانياتهم ومهاراتهم على أرضهم.
ومن هذا المنطلق، فإنّ تعزيز الإحساس بالهوية الوطنية من أهم الغايات التي يجب أن تسعى إليها الدول المتضرّرة من هجرة الأدمغة، بهدف بناء هوية ثقافية قوية وتعزيز قيم المواطنة لديهم، مما يدفع الكفاءات للنهوض ببلدهم والسعي إلى تطويره.
وكذلك يجب عدم عرقلة طموحات هذه الفئة لكي لا تفضّل الهجرة على الوطن، فنحن نعلم أنّ كلّ شرائح المجتمع في بلدنا يتمّ محاربتها وخاصةً هذه الفئة نظراً للدور المهم لأصحاب الأدمغة المفكّرة في نهضة الأمم وتطورها.
هذا الموضوع مهم جداً لا يمكن أن نعطيه حقه في بعض السطور لكن بشكلٍ عام أردنا أن نشرح مخاطر شكل من الأشكال الهجرة.
ونتمنّى الأمن والأمان والسلامة لجميع فئات المجتمع في خدمة الوطن والشعب من أجل مستقبلٌ أفضل ومشرف وزاهر للأجيال القادمة.