في اللغة السياسية و في المواطنة
فاضل ميراني
لا توجد في عراق اليوم لغة سياسية واحدة، ليست هذه حالة معيبة، فالتنوع اللغوي ينتج تنوعه في اللغة السياسية، لكن المعيب هو أن تكون اللغة السياسية جوفاء إن جرت مقارنتها بما قدمه المتكلم بها وهو يُقصّر في تحقيق المطلوب مع امتلاكه لقرار الصناعة، صناعة المطلوب و كلٌ من موقعه.
نحن جيل إنساني وسياسي و حزبي كردي يتقن اللغة العربية، و بسبب أن من هم من غير الكرد ضمن القوميات التي تمثل أنظمة تبسط نفوذها على ثلاث من أربع أجزاء كردستان لا يتكلمون لغتنا، كان لزاما علينا أن نصل لهم بلغتهم إعلانا و دعوات و حوار و نضال و حتى كفاح و قتالا، هكذا اختاروا هم و هكذا تعاملنا نحن، اختاروا أحيانا كثيرة أن يقتحموا لغتنا لدفع أسلوب تفكيرهم داخلها، فيكون الصوت للكلمة كرديا والمضمون منقول جاهز مترجم يتراكم ليقدم فردا و جماعة و جيلا يقول نفس المضامين بأكثر من لغة. هذا الأسلوب الذي دخل إلى لغة التخاطب اليومية كان غزوا ثقافيا ناعما، هو في الظاهر خدمة لكنه و على بعيد الأجل اغتيال للتنوع الثقافي و قرار بالأفضلية لقومية على أخرى، و ليس سرا أن أجيالا بأكملها عايشت و لم تزل تتعرض لهذه الحملة التي ربما لم يلحظ خطورتها كثيرون. ثمة فرق كبير بين ان نتحاور وإن بلغة واحدة لكن بعقلية مستقلة نقية، و بين أن نتكلم وبيننا مترجم لكننا من نفس العقلية العقائدية، ناهيك عن بقية تجميعات الثقافة.
ما جعلتني اكتب هو إحساسي الذي تصدقه التجارب و المحصلات من ان اللغة السياسية في جزئها الحالي من العملية السياسية في طور تداول بين أجيال صناعها، فالحياة تمضي و من سننها الجديد و التجديد، وهذا الجديد و هؤلاء الجدد من صناع القرار سيكون عليهم التفاهم تحت سقف مصالح، منها أطراف تبحث عن مصالح شعبها ومنهم من قد يتخذ من مصالح الوطن لافتة لمغانمه، وذاك أمر سيكون على عاتق ذكاء و قوة الطرف الأصيل ان ينحل من معادلة مداخلاتها خطأ ومخرجاتها كارثية، أما الأمر الأهم فهو إيلاء التعليم و الثقافة اهتماما خاصا تمويلا و استقلالا و توجها، إذ انه لمن الخطورة بمكان ان تنحرف بعض العقول ايا كان انتماؤها متأثرة بغزو مضامين التفكير التي لا تلتفت للشعب، أمنا و سلامة و كرامة عيش و برامج تنمية و إنماء سواء في المدينة او ما تبقى من مدينة و في الريف أو ما بقي منه، و ترى ان العسكرة و ما يلفها هي الأصل و الباقي زوائد لا تُعد و لا تُفتقد!.
أسلوب التفكير هذا و الذي دفعت باهظ فواتيره أجيال دما و سجنا و فقرا و تجهيلا، لازال هذا الأسلوب متصلا وتنتجه هويات حزبية قصدا أو بلادة، و ايا كان قصدها فنحن لسنا ملزمين بحضانة هذا المرض أو الإصابة به لقلة مناعة يعمل على بثها فينا أصحاب اللغة السياسية الخاوية، فقد مل اغلب الناس تصريحات و بيانات من لا تجمعهم و واقع شعوبهم جامعة.هذه الفطنة لهذا الامر هو درس أخذناه في منهج مصطفى البارزاني الذي نادى باكرا بالوطنية الرصينة و باللغة مضمونا و فكرا تدفع لتشكيل الجملة التي تصف الوقائع و تنطلق بواقعية لتعادل المتحقق من الانجاز، لغتنا كرديتها وعربيتها و فارسيتها و تركيتها و باقي اللغات التي نستعين بها في قضيتنا ابدا لم تك جوفاء و لن تكون لانها تنطلق من فكر حيوي عميق و ممتد هو فكر البارزاني الذي لم ينل منه وهن و لا إصابته عدوى.
ولذا ايضا فمواطنتنا سليمة ايضا.
azzaman