آراء

تداعيات الهجرة على الحالة الاجتماعية للسوريين…حقائق لابدّ من ذكرها .

د. محمد جمعان

 

– نظراً لأهمية هذا الموضوع وتعدد جوانبه وآثاره المأساوية على العائلة السورية ، من كُردها وعربها واللاجئين عموماً ، وآثار الحالة المأساوية على العائلة والأطفال ومستقبلهم في أوروبا ، اودّ الاستمرار بالكتابة عنها، وذلك اعتماداً على الحقائق والتجربة اليومية التي أملكها …

– في هذه الحلقة سيكون موضوع بحثنا هو مرحلة :

اتخاذ القرار بأخذ الاطفال أو بنقل الأطفال والخلافات الاجتماعية .

للأسف الشديد، الكثير والكثير جداً من العوائل يصطدم حلمها بتأمين مستقبل أفضل لأطفالها بواقعٍ غريب عليها في أوروپا، وأنظمة وقوانين لا تستطيع التكيف معها واستيعابها لتيسّر أمورها اليومية مراعاةً لتلك القوانين والأنظمة المرعية ، والتي قد تبدو صارمة في كثيرٍ من الأحيان ، ولا بدّ من تنفيذها ولا جدال فيها ، وهنا فإنّ العائلة السورية تتحوّل من حالة الوصول إلى الأحلام إلى خسارة كلّ شيءٍ، و بالتالي ضياع العائلة و تفككها ، فتبدأ مرحلة الدفاع عن النفس ، وتحاول المراوغة والكذب على السلطات والمحامين ، و حتى على أطفالهم، بأنهم يحترمون القوانين وحق الطفل والتعامل الايجابي ضمن العائلة الواحدة، بأنّ هذا هو في الأصل من صميم أخلاقنا وديننا ، وأننا نربّي أطفالنا بالطريقة التي تتماشى مع تلك الخلفيات، وأنّ الذي تقوله السلطات والمنظمات و يتهموننا بها هي في الأصل ضد ديننا ، ولمحاربة حضارتنا وأخلاقنا الحميدة.

ويفسّر البعض بأنّ هؤلاء هم ضد ديننا ، وتاريخنا مليء بالتسامح و التفاهم و حرية الرأي والتربية الخلّاقة للأطفال ، وإخلاص وصدق الزوجين فيما بينهم ، و هنا تعتمد العائلة بتفسير وتبرير تصرفاتها وعلاقتها فيما بينها بشكلياتٍ أو بالدين وبحجج حسب منطقها، ولكن تفسير تلك الحالات من قبل تلك المنظمات الانسانية ومنظمة حماية الاطفال ب : ” فشل الرعاية” ، عادةً تفسّر العائلة تلك الاعتداءات واستعمال العنف العائلي والخروقات و التجاوزات بجزءٍ من تربيتنا، وتقول انّ تلك المنظمات لا تستطيع إفهامنا للتربية والأخلاق ، وهكذا تبرّر العائلة فشلها وأخطائها، ولا تستطيع استيعاب الوضع الجديد، وتبدّل وتغيّر أقوالها حسب المكان والزمان ، وقد تتهم في كثيرٍ من الأحيان بأنّ المترجم كان قد ترجم أقوالهم خطأ، فيحاولون تبديل وتغيير كلّ ما حدث ويحدث بحسب أهوائها ومصالحها الشخصية و الأنانية وطموحها في السيطرة على الشريك أو أخذ المساعدات المالية وحتى فتح حرب لا هوادة فيها من أجل السيطرة على المساعدات المقدّمة من السلطات إلى الأطفال أو بسسب غرورها و عدم استطاعتها فهم القوانين ، وبأنه هو أو هي الأصح، وبالتالي لا تبالي بالعواقب التي ستنهال على جميع أفراد العائلة؛ لأنه / هي الصحّ، ولا يستطيعون فهم حجم الكارثة التي تنتظرهم، وأقول وأكرّر إنهم لا يعون حجم الكارثة التي تنتظر أولادهم ومستقبلهم ، وقد يفسّر أحد الوالدين الخيانة الزوجية بالحرية الشخصية، ولا تعي نتائجها، و بسبب تفسير أحد الأطراف عدم فهم الحرية الشخصية، تصبح مثلاً الخيانة الزوجية نوعاً من أنواع تلك الحرية ..

ويعتقدون أنّ تلك الحرية مصانة بالقوانين، وبأنّ القانون بجانبهم دون أن يعرفوا أو يطّلعوا على تلك القوانين .
مهما حاول الوالدان تبرير ذلك الفشل بالتفاهم بين الكبار والفشل برعاية الأطفال، لكن تلك المنظمات ،رعاية الاطفال والبوليس، يعتمدون فقط وفقط على الإثباتات والوقائع والاعترافات .. وأما الادّعاءات والتبريرات والدموع فلا تنفع بشيء.
بمجرد البدء بمشاداتٍ كلامية بين الزوج والزوجة تكون قد أظهرت حالةً من تلك الخلافات العائلية ، ويبدا النقاش ، وتتعمّق الخلافات دون رادع، ولا أحد في هذه المجتمعات الجديدة يستطيع التدخل والمساعدة في رأب الصدع .

وممكن وكما هو معروف في المجتمعات الشرقية أن تدخل العائلة الكبيرة في شؤون تلك العائلة قد تزيد في الطين بلة، أي قد تعمّق الخلافات؛ وذلك لأسباب كثيرة منها :أسباب مادية ومنها نكاية بالعائلة الأخرى، أي أنّ العائلة الكبيرة تصبح طرفاً لتأجيج الصراع ضمن العائلة الصغيرة في أوروبا، ولا تكون مصدراً للاستقرار والتفاهم بين العائلة المهاجرة إلى مجتمعٍ جديد، والتي تتمتّع بالأصل بعدم الاستقرار مادياً واجتماعياً، وحتى في الكثير من الأحيان صحياً أو نفسياً .
بمجرد انطلاق شرارة تلك الحوارات والمشادات والجدالات، فإنّ صداها يصل وبسرعة إلى : ” منظمة حماية الأطفال ” وفي أغلب الحالات تكون عن طريق الأطفال نفسهم .

وكما ذكرنا سابقاً قد يكون الإخطار عن تلك الحالة في العائلة بطرق كثيرة وبأساليب شتى ؛ أي قد يصل خبر واقع حال العائلة إليهم بطريقة قد يريدها الأهل، ويتقصّدها بالضغط على الشريك الآخر أو قد يصل الخبر دون أن يتقصدوا، والنتيجة أنّ تدخل ” منظمة حماية الطفل ” تكون حتمية في شؤون العائلة – كما ذكرنا في المقالة السابقةً .

وهكذا تبعث المنظمة مندوبيها إلى البيت وإلى المدرسة وروضة أطفالها، وتراقب الجميع وبشكلٍ مكثف ، وتطلب تقارير عن وضع العائلة من جميع النواحي : الصحية والاجتماعية والمالية وخلفياتهم، وتطلب تقريراً حتى من البوليس عن وضع العائلة ، وبالتالي من جميع الدوائر التي لها تواصل مع العائلة، وذلك بعد موافقة العائلة على هذا التواصل و الطلب ؛ لأنّ العائلة، وفي حالة إخطارهم بأنه اتخذ قرار ب ” الفحص والتدقيق والمتابعة” ، فإنّ العائلة تستنفر كلّ طاقاتها لإظهارها بأنهم سيتعاونون إيجابياً مع ذلك القرار ،و تلك التحقيقات، وإنها وخوفاً من العواقب و من النتائج فإنها تقبل وتوقّع على تلك الإجراءات، حتى ان لم يوافقوا عليها ، فإنّ المنظمة يحقّ لها وبحكم القانون الاستمرار بتطبيق وتنفيذ تلك الإجراءات، وحسب قرارها الصادر منها، وتحصل بسهولة، لتطبيق قرارها، على موافقة المحكمة، فتتعاون تلك الدوائر التي سترفدهم بالمعلومات عن وضع العائلة والأطفال والدوائر المعنية كعيادة دكتور العائلة ومدرسة الأطفال والروضة و دائرة الشؤون الاجتماعية- المالية والعمل والبوليس والخ.

كلّ تلك الدوائر ملزمة قانونياً بالتجاوب مع المنظمة و بالتالي توضيح وضع العائلة بتقارير رسمية وتزويدها بالمعلومات عن العائلة وتجيب على أسئلتها بكلّ دقة .

تجمع هذه التقارير، وبعد ثلاثة أشهر من التحقيقات و المتابعة المكثفة، تقرّر تلك المنظمة أحد الإجراءات ، وهي قد تكون متنوعة ،وقد يكون إجراءً ، وتليها إجراءات اخرى قاسية ، وتليها أقسى وأقسى …

عادةً قرارات منظمة حماية الأطفال تكون في البداية بمسمّى مساعدة العائلة وتعاون مع العائلة، وما هي إلا وتبدأ بعدها بإجراءاتها الصارمة والمختلفة ، وقد تكون إجراءً واحداً أو إحراءات عدة و متتالية .

القرار قد يكون – إما وقف تلك التحقيقات بشكلٍ مؤقت لعدم ظهور أدلة قاطعة ضد العائلة، أو إنّ العائلة استدركت الوضع ،واتفقت على توحيد الكلمة وبمساعدة المحاميين، وبالتالي نجحت في درء المخاطر ، فتتأجّل الإجراءات بشكلٍ مؤقت، ولكن تبقى عين تلك المنظمة الساهرة تراقبهم من بعيد، وإن سمعوا أي بادرة جديدة فالانقضاض يكون سريعاً من جديد.

وفي أحيان كثيرة يمكن تمديد فترة التحقيقات و تستمرّ العائلة في العيش في الخوف وتحت وطأة العقوباتً هذه ؛لأنّ العائلة تخاف من كشف أسرارها في حال وجودها وهي بالتأكيد موجودة أي عدم التفاهم والخلافات . وقد يكون قرار المنظمة صارماً وحازماً فورياً وذلك بأخذ الأطفال مباشرةً . وذلك يتمّ بطرق عدة، وأغلب الأحيان يذهب موظفون الى المدرسة أو الروضة فيأخذون الأطفال مباشرةً من هناك إلى بيتٍ مجهّز مقدماً لهم . تأخذ تلك المنظمة الأطفال من المدارس بدلاً من البيت وذلك تجنباً لما تحدثه تلك العملية من ضجةٍ إعلامية أو اجتماعية، أي لكي تتجنّب ردود فعلٍ الأهل ، وتدخل البوليس، وهذه الطريقة بأخذ الاطفال مع البوليس وبإنصاف كانت متبعة سابقاً، ولكن هذه الطريقة قليلة؛ وذلك لأنّ ردود المجتمع كانت ضد هكذا أسلوب أو تعامل، وقد تخسر المنظمة القضية ؛نظراً لضغط الرأي العام .

أما في السنين الأخيرة فتنفّذ هذه الإجراءات بشكلٍ سلس أكثر سريةً، حيث يذهب الموظفون ويأخذون الأطفال بكلّ هدوء ودراية من المدرسة أو من الروضة؛ لأنً هذا القرار لا رجعة فيه، ويأخذون الأطفال ويسلّمونهم إلى عوائل أخرى غريبة ، وفي كثيرٍ من الأحيان يسلّم كلّ طفلٍ إلى عائلة بعيدة عن الأخرى ، ولا يعرفون بعضهم وتنقطع الاتصالات بين العائلة الواحدة و بين الوالدين وأطفالهم .

– مرحلة بدء الخلافات على شيء ما أو إذا كانت هناك خلافات بين الزوجين من السابق . ففي الكثير من الحالات تبدا الزوجة بعدم القبول بهذا الوضع ولن تقبل الاستمرار به ، وتهدّد الزوج على الإبلاغ ؛ فإن هي بلّغت المسؤولبن بخلافاتهم أو الأطفال أخبروا المدرسة أوالدكتور وما شابه بالخلافات بين الوالدين .

بالتأكيد سيصل الخبر إلى المنظمة المسؤولة عن حماية الأطفال ؛لأنّ تلك الجهات ملزمة قانونياً بالتواصل مع تلك المنظمة وإخطارها عن حالة العائلة الأجنبية ومشاكلها ، فيبدأون مباشرةً بالتواصل مع العائلة.

وهكذا تبدأ مآسي كثيرة وكبيرة ، منها أنّ الخلافات بين الوالدين تزداد وتتطوّر، وقد تأخذ اشكالاً عديدة .

إذا كانت هناك خلافات زوجية سابقة، فإنها تزداد وتتعمّق ، وهذه طبيعية في هكذا ظروف صعبة ومتوترة للغالبية ،وهنا الزوجة ترى التضامن معها يزداد وتنصح من تلك المنظمة، والتي عادةً تتألف أغلبيتها من موظفات مطلقات، فنصائحهن للزوجة يمكن أن تتمحور حول المواضيع التالية:

– بأنّ الزوجة وفي حالة الانفصال والطلاق تصبح حرة و مستقلة بقرارها وبأنهم سيساعدونها مادياً، وسيكون لها معاشها الخاص وهي عملياً مساعدة اجتماعية ( سوسيال). .

– وأنهم مستعدون أن يقدّموا لها كلّ وسائل الراحة .

– وينصحونها بأن تقدّم طلب على العيش ببيتٍ لوحدها دون الزوج . أي لا تحتاج لهذا الرجل.

– ويعدونها بأنها يمكن أن تتصرّف بالأولاد – حق الرعاية ، ومن كلّ النواحي …

– وإلى أن ينجحوا معها بأن تنفصل وتطلّق نفسها ، على الأغلب هي تخسر الأولاد أيضاً ، نتيجةً للخلافات المستمرة بين الوالدين .. فيقرّرون بفصل الأطفال كلياً من العائلة المنفصلة . وهكذا تبدأ العائلة الواحدةوالتي عملت بكلّ الوسائل لأجل الوصول إلى أوروبا أو إلى جمع شمل العائلة، تتشرذم والأولاد يسلّمون إلى عوائل أخرى غريبة عنهم كلياً، وهكذا يتحوّل البيت الذي لطالما حلم بحياة سعيدة ونجاحات لأولادها وبفترةٍ قصيرة إلى بيوتات حزينة قلقة ونادمة في وضع لا ينفع فيه الندم .

وفي كثيرٍ من هذه الحالات حين لا تريد الزوجة الانفصال يقال لها إذا أردت الالتقاء بأطفالك في بيتك ، فلا بدّ أن تنفصلي عن زوجك ولا تلتقي به – قد يكون شرط من شروط اللقاء مع الأولاد. وفي كثير من الأحيان الزوجة تجبر على السكن لوحدها، وذلك لكي تستقبل أولادها ، لأنّ وجود الوالدين في بيتٍ واحد ومع بعض لا يمكن للأطفال زيارتهم. وفي هذا الوضع يتمسّك كلا الزوجين بجبهته والدفاع عنها وذلك عبر محامٍ لكلّ منهم ، وتبدا المعارك بينهما .

تلك المعارك تكون عند المحامين وكذلك مع المحامين ضد المنظمة وكذلك في المحاكم المخصصة لهكذا قضايا. وكلّ محامي بالطبع يحاول وضع التهم والخلافات بحق الطرف الآخر، وهكذا فإنّ الهوة تزداد بينهم والخلافات تتعمّق والمأساة تكون على الجميع .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى