الانتفاضة
الرئيس مسعود بارزاني
إثر انتفاضة شعب كوردستان في ربيع 1991، وقف شعب كوردستان والحركة التحررية الكوردستانية أمام فرصة أخرى، كانت الانتفاضة انعطافة تاريخية في حياة شعب كوردستان. في الانتفاضة أظهر شعب كوردستان نموذجاً رائعاً للأخلاق والثقافة العالية، حيث لم يمد يده للانتقام أبداً، بل على العكس من ذلك حافظ على حياة آلاف الجنود العراقيين الذين سلموا أنفسهم وفي سبيل فتح صفحة جديدة مع دولة العراق، استجابت القيادة السياسية الكوردية لدعوة الحوار والتفاوض مع السلطات العراقية في ذلك الوقت. عندما ذهبنا مع المرحوم مام جلال إلى بغداد لإجراء المفاوضات، كنا نتذكر كل الجرائم الوحشية التي ارتكبتها دولة العراق ضد شعب كوردستان، وسرنا وسط نهر من الدماء وصافحنا الأيادي الملطخة بدماء شعبنا. لكن هدفنا كان فتح صفحة جديدة والدخول في مرحلة جديدة لتحقيق السلام، ثمانية وثلاثون فرداً من عائلتي، وثمانية آلاف شخص من عشيرتي و182 ألف من قوميتي قد تم أنفلتهم بطرق وحشية، ومع ذلك قررت أن اذهب إلى بغداد لكي لا يقولوا: بسبب الأحقاد الشخصية امتنع البارزاني عن التفاوض وأهدر فرصة معالجة مشكلات الشعب الكوردي. لقد كان ذلك القرار هو الأصعب في حياتي.
لقد دفع شعب كوردستان تلك الضرائب الإنسانية والمادية الكبيرة نتيجة لوجوده ضمن دولة العراق منذ عشرينيات القرن الماضي حتى الانتفاضة. كما كانت الحروب والثورات والتدمير والمأساة وسفك الدماء والتعذيب حصة الشعب الكوردي في دولة العراق ونتيجة لشراكته مع العراق لقد أصبح العراق دولة بنفط كوردستان، وبأموال ذلك النفط كانت تحارب شعب كوردستان وتهاجم دول الجوار. للأسف الشديد كان موضوع النفط منذ البداية سبباً لعدم الاهتمام بحقوق شعب كوردستان في حينه كان الإنكليز قد وعدوا الشيخ محمود الحفيد بتأسيس الدولة الكوردية، ولكنهم عندما علموا أن كركوك تمتلك النفط، تراجعوا عن وعودهم، وأرادوا بنفط كركوك وكوردستان تقوية دولة العراق، وشاهدنا في القرن العشرين أن الثروة التي كانت من المفترض أن تستفاد منها في سبيل التقدم والرفاهية، اُستعملت واٌستغلت في إبادة شعب كوردستان، القصف والنفير العام الدائم ضد الكورد، العديد من الانقلابات الديكتاتورية والشوفينية، إخفاء اثني عشر ألف شاب كوردي فيلي قسراً، أنفلة ثمانية آلاف من البارزانيين و(182) ألف من المواطنين الكوردستانيين الأبرياء في كرميان والمناطق الأخرى، قصف حلبجه والمناطق الأخرى بالسلاح الكيمياوي ، الترحيل والتعريب والتبعيث والتهجير والتشريد، كانت نتاج تأسيس دولة العراق وعيشنا مع تلك الدولة ومع كل ذلك كان الكورد يريدون السلام والتعايش وفتح صفحة جديدة.
لقد فشلت المفاوضات التي جرت بعد الانتفاضة مع النظام العراقي، لأن عقلية الإنكار والشوفينية عندهم كانت مستمرة ورغم التاريخ المليء بالظلم والغدر والدماء كانوا ينظرون إلينا كمذنبين لأننا نرفض الظلم، ونرفض الاستسلام أمام الإبادة الجماعية والدكتاتورية. بعد الانتفاضة وتحت تأثير الأوضاع المستجدة وإثر الهزيمة العسكرية التي لحقت بالقوات العراقية في مضيق كوري، علقت الحكومة النظام الإداري في بعض المناطق، وسحبت بعض الوحدات الإدارية الأخرى من كوردستان ولمدة اثني عشر عاماً لم يبق بين كوردستان وبغداد أية علاقات سياسية أو اقتصادية أو إدارية كان إقليم كوردستان في ذلك الوقت يخضع لحصارين الأول من النظام العراقي والثاني من المجتمع الدولي الذي كان قد فرض الحصار على العراق بعد حرب الكويت، ومع ذلك ولأول مرة جرى في 19/ مارس/ 1992 تنظيم انتخابات برلمانية حرة وديمقراطية، كما تم تشكيل حكومة الإقليم رغم وجود العقبات الاقتصادية الكبيرة والمشكلات الداخلية بين الأطراف السياسية الكوردستانية، إلا إن إقليم كوردستان استطاع خلال الأعوام الأثني عشر تلك إثبات وجوده وتطوير ذاته وفي الوقت ذاته أصبح ملاذاً لقسم كبير من المنكوبين والمناضلين والأحرار العراقيين والقوى العراقية المعارضة التي تحكم الآن في العراق ولم يصبح بأي شكل تهديداً لجيرانه.
التآخي