آراء

لماذا يلعب اردوغان بكرة النار الكوردية؟

جان كورد
23‏ حزيران‏، 2015
منذ أن ظهر السيد رجب طيب أردوغان كلاعبٍ سياسي ماهر في تركيا، يوم كان رئيس بلدية أكبر مدينة تركية (إستانبول) وهو يضرب على عدة أوتار منها “الدين” و ” التمرّد على الغرب” و “القضية الكوردية” و “التناقضات الاجتماعية في تركيا”، وقد استطاع شحن العواطف الدينية لشعوب المنطقة لصالح حزبه وتطوّر بلاده لبعض المواقف الدراماتيكية حيال القضية القلسطينية، منها إرسال سفينة “إغاثة” لنجدة غزّة، وما نجم عن ذلك من نتائج سياسية ودبلوماسية كارثية، بعد مقتل عدة أشخاص على ظهر السفينة، ورفض متابعة حوارٍ أمام عدسات التلفزيون شارك فيه رئيس الدولة العبرية شمعون بيريز، والوقوف العلني الصارخ مع الرئيس المصري المنتخب الدكتور محمد مرسي الذي أغلق السفارة الإسرائيلية في القاهرة عام 2012، والحديث المتكرر عن “يقظة الشرق الإسلامية” والدعوة لإلغاء الحدود الجمركية بين تركيا ودول الجوار المسلمة شعوبها (إيران والعراق وسوريا)، ومساندة الشعب السوري ضد نظام العائلة الأسدية برسم العديد من الخطوط الحمراء كالتهديد بغزو الشمال السوري، فيما إذا ارتكب الأسد مجازر في مدينة حماة، ومن ثم حلب، وفيما إذا استخدم النظام الغازات السامة، إلاً أنه لم ينفّذ أي تهديدٍ توعّد به الأسد الذي اخترق كل الحدود الحمراء للسيد أردوغان، وظهر في النهاية أن كا يهم حكومة تركيا ليس إلاّ بقاء قبر (سليمان شاه) في أمانٍ من عبث الإرهابيين، أما قتل الآلاف من السوريين يومياً فهذا لا يهم، كما ظهر أن السيد أردوغان يدعم بقوّة تنظيمات إسلامية متطرّفة بحد ذاتها لوقف نمو أي حراك كوردي في سوريا، يمكن أن يلعب دوراً أساسياً في مستقبل البلاد أو يفرض نفسه كلاعبٍ مهم من لاعبي المعارضة السورية.
تمكّن السيد أردوغان من نيل الكثير من أصوات الناخبين الكورد في مدن وأرياف كوردستان، في سعيه ليصبح رئيس وزراء لضربه المستمر على وترين في آنٍ واحد، إيجاد حلٍ سلمي للقضية الكوردية والمناداة بالتآخي الإسلامي بين الشعوب في المنطقة، في حين أن صوره اختفت تماماً في مدن غرب تركيا التي لاتزال على ولائها لمؤسس الجمهورية (مصطفى كمال) الذي أراد نسف ارتباط الشعب التركي بالدين الإسلامي والاستمرار في شحنه بأفكار الطورانية العنصرية التي ترفض أي حلٍ سلمي لقضية الشعب الكوردي وأي استئثارٍ للإسلاميين بنظام الحكم العلماني. وأضطر أردوغان بعد أن أصبح رئيساً للوزراء إلى السماح للكورد بالتحدث بلغتهم وتشكيل جمعياتٍ تعبر عن طموحاتهم الثقافية مثل بث البرامج التلفزيونية بالكوردية واضعاً نصب عينيه عدة أهداف، منها:
-دفع الحركة الآبوجية إلى إلقاء السلاح والركون إلى نظام حكمه من دون تقديم أي تنازلات حقيقية للشعب الكوردي، وذلك من خلال قرع طبول المدح والثناء لمشروع السيد عبد الله أوجلان، الذي هو في الحقيقة مشروع “الدولة السرية التركية” لاحتواء المسألة الكوردية بأسلوب الخداع والمناورة وإفراغ قضية شعبنا من مضامينها الحقيقية ومن طموحه في الحرية.
-إقناع الغرب عامةً، والاتحاد الأوروبي خاصةً بأن نظام الحكم الأردوغاني، على الرغم من خلفيته الإسلامية الواضحة، ليس خطراً على العلاقات المشتركة بين تركيا والغرب، وبالتالي يجب قبول بلاده كدولة من ضمن دول الاتحاد الأوروبي لأنه مستعدٌ لتغيير الدستور أو تعديل الكثير من مواده بما يرضي الغرب، وأنه يسعى لتحسين وضع حقوق الإنسان في تركيا، ومن ذلك الاتفاق مع الكورد على انهاء معاناتهم الطويلة من دون الاعتراف بوجودهم القومي كثاني أكبر مكونٍ قومي في البلاد بعد الترك.
– منع إيران من التسلل من خلال المكون الكوردي بتأسيسه “حزب الله” ومحاربته للفكر الإسلامي السني وسعيه لإخراج تركيا من عضوية حلف الناتو بشتى الوسائل الممكنة.
-الاحتفاظ بالصوت الكوردي الانتخابي على الرغم من تطوّر الحراك السياسي – الثقافي الكوردي في شتى أنحاء تركيا.
وفي الحقيقة فقد نجح السيد أردوغان نجاحاً باهراً في تحقيق معظم أهدافه، إلاّ أنه لم يتمكن من إقناع الغرب للسماح لبلاده بدخول “النادي المسيحي” لسببين هما أن دول الاتحاد الأوربي العلمانية لا تزال ترى نفسها دولاً ذات ثقافة “مسيحية – يهودية”، وتركيا ليست كذلك، والسبب الآخر هو أن حكومة السيد اردوغان حتى بعد استلام رئاستها من قبل خلفه السيد داوود أوغلو، الداهية في السياسة الخارجية، تدعم تنظيم الدولة الإسلامية المعروف باسم (داعش)، أعتى أعداء الغرب، وأن البلد الأكثر تساهلاً لتسلل الإرهابيين عبره إلى سوريا هو تركيا، وقد ثبت أن الشباب الملتحين الحاملين لجوازات سفر أوروبية وأمريكية وكندية وأسترالية ومن دول عربية وأفريقية يهبطون في المطارات التركية ويلقون معاملةً وتسهيلاتٍ خاصة بهم كإدخالهم من خلال أبوابٍ محددةٍ بعد التدقيق في جوازات سفرهم وأخذ نسخ منها للأمن التركي، وذلك بذريعة أن تركيا بلد حر ديموقراطي يحترم اتفاقيات المرور والزيارة، وأن تركيا تسمح بالدخول إليها لأولئك المقاتلين الذين يعملون لإسقاط نظام الأسد ولا يعلم موظفو أمن المطارات مَن مِن هؤلاء الشباب القادمين “إرهابي”…
وبعد أن فشل حزب السيد أردوغان، حزب العدالة والتنمية، القومي – الإسلامي، من الحصول على أغلبية برلمانية تؤهله لتشكيل حكومة لوحده، وتبدد حلم السيد أردوغان في تحويل النظام البرلماني التركي إلى نظام رئاسي يمنحه كرئيس جمهورية صلاحياتٍ واسعة، فإن غضبه على الشعب الكوردي قد اتخذ لهجة حادة، وراح يندد ب”دعم الولايات المتحدة للفرع السوري لحزب السيد أوجلان!”، من خلال قصف مقرات حركة “داعش” الإرهابية، والقضاء على حلمها في الاستيلاء على نقاط الحدود في كامل المنطقة الكوردية، وراح حزبه مثل أحزاب معارضيه ينفث السموم والإشاعات حول احتمال “تشكل دولة كوردية في شمال سوريا!” وتطهير المنطقة الشمالية السورية من “العرب والتركمان” والتهديد بأن تركيا لن تسمح بإقدام “الإرهابيين الكورد!” على هكذا خطوة خطيرة. وتسميم الأجواء بهذا الشكل المرعب لا أساس له حقاً، إذ ليس هناك أي حزب كوردي سوري مطالبٍ بإقامة دولة كوردية في سوريا، حتى أن مسؤولاً من حزب الاتحاد الديموقراطي، الحزب الوحيد الذي يمتلك قوة عسكرية وسلاحاً وله تنظيمات أمنية من بين الأحزاب الكوردية السورية العديدة، واستطاع التصدي بدعم كوردستاني وعالمي لهجمات “داعش” وقدّم لذلك الكثير من التضحيات، قد صرّح على موقعٍ في الفيس بوك بأن “المطالبة بدولة كوردية ليس من أخلاقنا!”… وها هو السيد صالح مسلم، الرئيس المشارك في قيادة هذا الحزب يزور تركيا ويؤكّد باستمرار على أن تحرير مديمة (كرى سبي – تل أبيض) لا يستهدف تهجير أي مكونٍ من سكانها أو إقامة أي كيانٍ قومي كوردي، وأن حزبه لا يريد سوءاً بالجارة تركيا…
إذا، لماذا يلعب السيد أردوغان بكرة النار الكوردية؟
برأيي، إنه يسعى لممارسة أشد الضغوط النفسية على “حزب الشعوب الديموقراطي – هادب” الذي نجح في الحصول على 80 مقعداً برلمانياً ويدعم مشروع السيد أوجلان لتحقيق السلام في تركيا ولا يعتبر نفسه حزباً كوردياً وانما تركياً، وذلك لإرغامه على التضامن مع مساعية لبناء النظام الرئاسي والانضمام إلى جوقة حزب السيد أردوغان، أو السير في ركابه ضمن البرلمان من دون معارضة، ومنعه من تأييد أي خطوة للكورد السوريين للاحتفاظ بحقهم في إدارة مناطقهم ذاتياً، صوب “حكم ذاتي” أو “فيدرالية قومية” بالاتفاق مع فصائل ديموقراطية سورية راغبة في حلٍ سلمي وعادل للقضية الكوردية السورية.
فما المطلوب كوردياً؟ تجاه سياسة أردوغان “الكوردية” الأخيرة التي يشاركه في خطوطها الأساسية كلٌ من حزب الشعب الجمهوري (حزب مصطفى كمال) وحزب (م ه ب) ذي الأفكار الطورانية العنصرية، وهما الحزبان المعارضان لسياسات السيد أردوغان عامةً، إلا أنهما المطالبان بنسف أي مشروع يمكن أن يمنح الكورد من حقوقاً قومية في تركيا، ولهما قوة كبيرة في البرلمان.
يجب على النواب الكورد، في حزبي العدالة والتنمية و(هادب) دفع الأمور صوب إقامة تحالف بينهما، رغم كل التصريحات النارية ولغة التهديد والوعيد الأردوغانية، وذلك لقطع الطريق على أي مشاركةٍ في الحكومة الجديدة للحزبين الآخرين المعاديين للشعب الكوردي عداءً سافراً، وإرغام السيد أردوغان على إلغاء أي مشروعٍ له لغزو المنطقة الكوردية في شمال سوريا (غرب كوردستان)، ووقف دعمه السري والعلني للمجاميع الإرهابية المخترقة من قبل ضباط صدام حسين المجرمين ورجال المخابرات السورية، التي سيكون لحكمها البلاد السورية أكبر الأخطار لشعبنا وللشعب التركي، كما سيقضي على كل آمال شعبنا في التمتّع بحقوقه القومية، إضافةً إلى أن التحالف بين حزب السيد أردوغان و(هادب) قد يدفع بمشروع السلام في تركيا صوب الأمام، وإن لم يساعد في ذلك فإن وجود الكورد بقوة في حكومة تركية جديدة سيقلل من اندلاع الحرب مجدداً بين الدولة وحزب السيد أوجلان، إلاّ إذا تمكّن الجناح الموالي لإيران وسوريا في جبل (قنديل) من فرض نفسه تماماً على الساحة السياسية في شمال كوردستان، وبذلك تقع الكارثة، وسيكون أوّل النادمين أردوغان وحزبه بالتأكيد.
إن على الكوردستانيين جميعاً التصرّف في هذه المرحلة على أساس أن التحالف مع حزب العدالة والتنمية هو أسهل الطرق لإبقاء الأشد طورانية وعنصرية من الوصول إلى حكم تركيا من جديد، وهذا لا يعني ركوب السفينة الأردوغانية إلى الابد، فالسياسة تُمارَسُ حسب الظرف (الإطار) الزماني ومتغيرات المرحلة، وتنجح فقط عندما تُخَططُ بأعصابٍ باردة وأهداف مرحلية ونهائية محددة بدقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى