أمريكا والمعارضة السورية
محمد جمعان
يُقال الكثير عن المواقف الأمريكية في سوريا وتوصف بنعوت مختلفة منها : إنها مواقف غير واضحة المعالم و ليست لها استراتيجية محددة وبإنها ليست مهتمة بالوضع السوري .
كلّ هذا قد يكون صحيحاً ، ولكن وليس دفاعاً عن السياسة الأمريكية لا بل نوعاً من توضيح الصورة الحقيقية، حيث نرى أمرين هامين في رسم السياسة الأمريكية في سوريا:
أولهما -هو أن أمريكا وباعتبارها دولة عظمى تتحرّك حسب مصالحها الاستراتيجية وتتفاعل مع الوضع السوري والمنطقة وفق ذلك.
ثانياً – إنّ الوقوع في المستنقع السوري ،عملية صعبة للغاية والخروج منها أصعب .
بالتأكيد إنّ المواقف الأمريكية حيال النظام والتعامل معه معروفة وصارمة وواضحة ولكنّ البحث حول كيف تتعامل أمريكا مع جهات من المعارضة هذا ما نريد توضيحه.
فمنذ بداية الثورة السورية وبالأخص بعد تدخل قوات التحالف في الحرب ضد داعش فقد تواصل الأمريكيون مع جميع جهات المعارضة و القوى العسكرية السورية ودعمتها بالعدة والعتاد ، فأصبحت لها تجارب كثيرة مع السوريين ومعارضاتها .
وفي المحصلة يظهر أنّ السوريين ليسوا راضين من المواقف الأمريكية بسبب عدم جدية أمريكا لإيجاد حلول لإنهاء الأزمة السورية بشكلٍ ينسجم ورؤية المعارضة .
لذلك لابدّ النظر الى تلك المعارضات المختلفة من زوايا عدة وفي تبعياتها و علاقاتها ومواقفها السياسية بنظرة سريعة كي تتوضّح لنا الصورة الحقيقية عن الواقع السوري المتشرذم والتي تظهر بكلّ وضوح أنّ تلك المعارضة متشتتة ومواقفها السياسية أكثر تشتتاً ويمكن تلخيصها بالشكل التالي: منهم مَن يقول إنّ الاستراتيجية الأمريكيةغير واضحة،
ومنهم مَن يقول بأنها ليست جدية وآخر يقول إنّ ليس لدى أمريكا حلول ومنهم من هو ميؤوس من الموقف الأمريكي حيث أنّ الأمريكيين يريدون إدارة الأزمة وليس إيجاد حلول لها، وبأنّ سوريا ليست من في سلم الأولويات الأمريكية، وأنّ امريكا جعلت سوريا ساحة لمحاربة أعدائها من روسيا و ايران . و قد يفهم من هذه المواقف المختلفة لأول وهلة بأنها صحيحة وعادلة ؛ لأنها أي المعارضة بشكل عام سواءً كانت عربية أم كُردية فهي ضعيفة وغير قادرة على تغيير النظام لوحدها ؛ولذلك كانت ولازالت تتأمّل الكثير من الموقف الأمريكي للتدخل وتغيير النظام الأسدي و الإتيان بنظام آخر وحسب رغبتها هي وعلى مقاساتهم .
ولكن كما هو معلوم فإنّ مواقف الدول وسياساتها تبنى على أساس مصالحها الاستراتيجية وهكذا فإنّ المصالح الأمريكية العليا هي التي تحدّد مواقفها وأعمالها وتحدّد سياساتها على الأرض في سوريا .وبالتالي فإنّ تعامل الأمريكان مع تلك الجهات سيكون حسب متطلبات مصلحتها وليس حسب ما تريده المعارضة السورية المتشعّبة.
وفي هذا الإطار ماذا لو طرحنا سؤالاً هاماً
لماذا تتعامل أمريكا هكذا حيال المعارضة السورية وكذلك تجاه الادارة الذاتية؟
و لماذا أصبحت المواقف الأمريكية حيال
المعارضة السورية غير جدية أو غير مبالية ؟.
يمكننا القول وبالعودة قليلاً إلى الوراء
بأنّ الامريكين دعموا الجيش الحر بالسلاح والعتاد والمال منذ تأسيسه ولكن فشل الأخير في تنظيم نفسه تحت ظل قيادة موحدة، إضافة إلى الفوضى بين صفوفهم ، حتى وصل الأمر بهم إلى الاقتتال فيما بينهم والى بيع أسلحتهم للإرهابيين وترك مواقعهم ، وانضمّ قسم كبير منهم إلى تلك المنظمات الإرهابية.
وفي أحد الاجتماعات بين بعض المسؤولين الأمريكيين وبعض قيادات المعارضة التي كانت تتعامل مع الأمريكان، يسأل مسؤول امريكي : كيف تنظرون الى النصرة ؟
فكان جواب مسؤولي المعارضة أنهم يرون النصرة على أنها جزء من الثورة !!!
وكذلك تشرذم المعارضة وتبعيتها لدول مختلفة، والأزمات الكثيرة التي تعانيها ومصيبتها الكبرى أنها تتبنّى الفصائل العسكرية التي تمارس الارتزاق كما أنها ضمّت عناصر إرهابية من داعش.
من هذه الوقائع المريبة ومن معطيات أخرى كثيرة على الساحة السورية وكذلك مراقبة أمريكا سلوك هذه الفصائل وما تقوم به من ممارسات إرهابية في عفرين من سجن و قتل للناس الأبرياء وسجن النساء وهنّ عاريات وقطع الأشجار والتغيير الديموغرافي…. الخ
لكلّ هذه الأسباب ولأسباب كثيرة أخرى يمكننا السؤال:
أليس للأمريكين حق في اتخاذ مواقف مشكوكة حيال هكذا معارضات أو على الأقل اتخاذ مواقف الإهمال واللامبالاة وعدم الثقة بهم؟.
الموقف الأمريكي من الإدارة الذاتية:
بالرغم من أنني لا أعتبر أنّ الإدارة الذاتية جهة معارضة للنظام ، ولكن الإدارة تستغلّ هذا الظرف المؤقت لتظهر أنها خارج نطاق سيطرة النظام ..وباعتبار أنّ قسد قوة عسكرية أكثر تنظيماً وأكثر انضباطيةً فإنّ الأمريكيين اعتمدوا عليهم بالقيام بمهمة واحدة ،وهي محاربة داعش ، وهكذا فإنّ الطرف الأمريكي و قسد جمعتهم مصلحة مشتركة هي محاربة داعش ، ولذلك يستمرّ أحدهم في مساعدة الآخر على مبدأ : إنّ قسد قوة جاهزة للتضحية بالشباب الكُردي و الأمريكيون جاهزون بالدعم بالأسلحة والمال. ولا يخفى على أحد أنّ ب ك ك وتابعيهم من قسد/ الإدارة لن يفوّتوا هذه الفرصة وتتمسّك بها حتى ولو ضحّوا بكلّ الشعب الكُردي .
ولكنّ الأمريكيين يعلمون بتفاصيل الأمور حول شكل الإدارة وبنيتها، وأعمالها وتبعيتها ، فقسد ومسد تقومان بالخروقات ضد معارضيهم والكثير من الخروقات ضد حقوق الإنسان و منها : اختطاف الأطفال و التعامل غير القانوني مع معارضيهم في حرق مكاتبهم والمعاملة غير المقبولة مع الإعلام والإعلاميين والكثير الكثير من السياسات التي هي ضد مبادئ المجتمع الغربي وبأنّ
الكثير من اعمال قسد والمنظمات التابعة لها تصل الى درجات الإرهاب …
لهذه الأسباب وأسباب كثيرة أخرى ومنها سيطرة ب ك ك على مفاصل تلك الاإدارة فإنّ الإدارة الأمريكية تتعامل معها بحذر شديد، ولم نسمع بأي موقف سياسي واضح داعم لهذه الإدارة.
وفي الختام وللإنصاف فإنّ علاقة الأمريكان مع المعارضة، وبشكلٍ طبيعي ،لا تتعمّق ولا تكون جدية ولا داعمة للمعارضة السورية وكذلك من الطبيعي أن يكون الدعم الأمريكي للإدارة الذاتية محصور فقط باتجاه الدعم العسكري واللوجستي .
ولهذا أرى أنّ المواقف الامريكية نابعة من مصالحها و خططها المستقبلة والاستراتيجية في المنطقة، ولم تجد بعد القوة التي تنسجم وتوجهاتها السياسية،وهذا أمر طبيعي وليس عيباً ونقصاً فيها وبحكم المصالح فهو مفهوم وقد نشعر منها غبناً بحقنا في بعض الأحيان ولكنّ غير المفهوم هو تعامل وعلاقات المعارضات السورية المختلفة ” بين بعضها البعض ولا بدّ من القول هنا إنّ الأطراف السورية تتحمّل نتيجة أعمالها فهي التي لا تستحقّ أكثر مما تتعامل معها أمريكا الدولة الأعظم في العالم.