محليات - نشاطات

انتهاكات حقوق الملكية في كَردستان سوريا تُكرّس التغيير الديمغرافي

يكيتي_ميديا

يؤدّي الاستيلاء على الممتلكات في مناطق عفرين ورأس العين (سري كانييه) وكري سبي (تل أبيض)، التي أغلبية سكانها من الكُرد، والتي نزح سكانها الأصليون قسراً، إلى تغيير الهندسة الديمغرافية لتلك المناطق، وستكون عواقبه وخيمة، إن طال الأمر ، ولم تتمّ معالجة هذه القضية.
الاستيلاء على منازل وممتلكات المدنيين أو تدميرها أو وضع اليد عليها بصورةٍ غير قانونية، ومنع عودة العائلاتٍ الكُرديةٍ النازحةٍ، جرّاء العمليات العسكرية التركية أو ابتزازها وتهديدها، هي انتهاكات ارتُكبت على نطاقٍ واسع من قبل بعض الفصائل المسلحة التابعة للقوات التركية، في مناطق عفرين وسري كانييه وكري سبي، التي تقع تحت سيطرة القوات التركية و الفصائل التابعة لها كنتيجةٍ لعمليتي “غصن الزيتون” في عام 2018 و “نبع السلام” في عام 2019.
الاستيلاء على العقارات..
منذ دخول القوات التركية و المجموعات المسلحة مناطق عفرين وسري كانييه وكري سبي، وبعد قيام بعض الفصائل بنهب الممتلكات المدنية، وسلب الممتلكات العقارية والاستيلاء عليها بدون وجه حق، أو بيعها أو حرقها وتدميرها، وطرد سكانها الأصليين، ودفعهم الى مغادرة المنطقة، استولى مقاتلوها وعائلاتهم على منازل المدنيين، بعد نزوح سُكانها قسراً، أو قاموا بعد ذلك بإجبار السكان، ولا سيما الكُرد، على ترك منازلهم، من خلال التهديد والابتزاز والقتل والاختطاف والاعتقال والتعذيب.
بتاريخ 12 حزيران 2023 قتلت المواطنة الكُـردية عوفة شيخ أحمد بعد اقتحام منزلها الكائن بمدينة عفرين من قبل مسلحين وقاموا ، بحسب مراسل يكيتي ميديا في عفرين، و منظمات حقوقية، بنهب محتويات المنزل ومن ثم إحراق المنزل لإخفاء معالم الجريمة.
كما صادرت فرقة السلطان مراد منازل المدنيين بعد أن نهبت محتوياتها، وتحويل بعضها إلى مستودعاتٍ لجمع وتخزين المسروقات من المنازل الأخرى، كما نهبت المحلات التجارية في المنطقة.
ونشرت وكالة الصحافة الفرنسية (أ ف ب) صوراً تُظهر مقاتلي بعض فصائل المعارضة السورية، وهم يفتحون محالاً تجارية ومطاعم ومنازل ويسرقون منها مواد غذائية وأجهزة إلكترونية وسلعاً أخرى، كما أظهرت صورٌ أخرى سرقة مقاتلي الفصائل لسيارات وآليات زراعية تركها النازحون قسراً خلفهم.
تعدّدت صور وأنماط الاستيلاء على ممتلكات المدنيين في عفرين وسري كانييه وكري سبي، مثل كتابة أسماء فصائل “المجموعات المسلحة” أو قادتها على جدران المنازل، كدلالةٍ على مصادرتها لتلك العقارات، أو وضع علامات الحجز عليها، في إشارةٍ واضحة لمنع العودة، ومن ثم شغل تلك الممتلكات، أما بعائلات عناصر “من تلك الفصائل” أو عبر استخدامها كمقرات عسكرية أو مؤسّسات إدارية تتبع للمجالس المحلية، لكن من دون عرض أي تعويضاتٍ على أصحابها الأصليين.

القوات التركية تستولي أيضاً على ممتلكات المدنيين…

شاركت القوات التركية أيضاً في الاستيلاء على الممتلكات وتدميرها، ومنع عودة السكان إليها، كما في قرية “الداودية” التابعة لمنطقة “زركان” في سري كانييه، حيث استولى الجيش التركي على القرية الكُردية، وقام بتحويلها إلى قاعدة عسكرية لقواته، وتحويل أخرى إلى ثكناتٍ استوطن فيها الجنود الأتراك، في حين تمَّ منع المدنيين الكُرد من العودة إلى القرية، أو حتى دفن جثث موتاهم في مقبرتها.

كما أنّ بعض المجموعات المسلحة استولت أيضاً على مساحاتٍ واسعة من البساتين في عفرين، ثم قاموا بقطع كلّ أشجار الزيتون المزروعة فيها.
بتاريخ 1 تموز 2021 قال ناشطون من عفرين : إنّ مسلحي السطان مراد قاموا بقطع أكثر من 90 % من غابة ناحية شران ، و في 30 آب 2022 قام مسلحو السلطان مراد مع نازحين بقطع مئات الأشجار من غابة بحيرة ميدانكي في عفرين، الأمر ذاته تكرّر في كانون الثاني 2023 حيث قام مسلحون بقطع غابة جبل قازقلي الواقع بين قريتي كفرصفرة – تترا – في ناحية جنديرس بريف عفرين.
الأهالي في تلك المناطق وخاصةً الأغلبية الكُردية تلقّوا تهديدات من أشخاص لا يعرفونهم ، بأنهم سيعدمونهم فور دخولهم إلى المنطقة، لذا نزحوا مع عائلاتهم قسراً في اللحظات الأولى من العملية، خوفاً على حياتهم.
وأثناء الهجوم على تلك المناطق، قرّر عددٌ قليل من السكان البقاء في منازلهم، وعدم النزوح، وذلك سعياً للحفاظ على ممتلكاتهم من السرقة.
ظنَّ من بقوا في المدينة بأنّ حقوقهم لن تنتهك إن بقوا فيها، لكنّ الواقع كان مختلفاً، حيث تعرّض جلُّ مَن بقي للاستجواب والمساءلة من قبل تلك القوات، وتعرّض آخرون لسوء المعاملة والتعذيب.

تهم وذرائع واهية…

العديد من انتهاكات حقوق الملكية في تلك المناطق، كانت بدافع الانتقام من أصحاب العقارات، سواءً بالاستيلاء عليها أو حرقها أو تدميرها، إما بذريعة تأييد أو تعامل الضحايا المزعوم مع إدارة حزب الاتحاد الديمقراطي ، أو فقط لكونهم كُرداً أو إيزيديين وعلى أثر ذلك فقدَ عددٌ من المدنيين حياتهم. فهناك مَن ذهب ولم يعد، ولم تظهر حتى جثته، بعد أن تحوّل بدنه لأشلاء متناثرة. وهناك مَن غادر دون أن يحمل معه شيئاً من متاعه وممتلكاته، بل حمل فقط حزناً عميقاً على مَن فقدهم، ولم يحظوا حتى على دفنهم بسلام، لذلك فقد قرّر الناس في تلك المناطق عدم العودة في ظلّ سيطرة الجيش التركي وفصائل المعارضة المسلحة على المنطقة، نظراً للانتهاكات التي ترتكبها بعض هذه الجماعات بحق السكان الكُرد العائدين إلى منازلهم واستمرار انتهاكات حقوق الإنسان، وإفلات مرتكبيها من العقاب، فضلاً عن عدم وجود آليات إنصاف فعّالة.
على خلفية الانتماء الكُـردي، لأغلبية أهالي منطقة عفرين، يواجه السكان أحكاما مسبقة بالموت ، كما حصل مع عائلة بيشمرك خلال إيقادهم شعلة نوروز في جنديرس ليلة 20 آذار 2023 فقد قتل مسلحو أحرار الشرقية أربعة أشخاص من عائلة بيشمرك لاحتفالهم بقدوم رأس السنة الكُردية.
لا شكّ أنّ عمليات الاستيلاء على عقارات النازحين واللاجئين، ستشكّل حجر عثرة أمام عودتهم الطوعية والآمنة، فإن رغبوا في العودة يوماً ما، فإنّ أول ما سيتبادر إلى أذهانهم هو العودة للسكن في بيوتهم أو الاستثمار في أراضيهم، وفي حال عدم وجود ما ذُكر، فلن يكون لعودتهم أي معنى.
أحد الآثار الكارثية لهذه الانتهاكات هو تغيير الهندسة الديموغرافية للمناطق ذات الغالبية الكُردية في سوريا، التي أصبحت تشكّل قلقاً متزايداً لدى سكان تلك المناطق.

لذلك يرى الكثير من المراقبين أنه على الأمم المتحدة و مجلس الأمن الدولي الضغط على تركيا و المجموعات التابعة لها و حثها على تحمّل مسؤولياتها، والضغط لوقف انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها قواتها أو بعض المجموعات المسلحة التابعة لها ومحاسبة مرتكبيها أفراداً وجماعات وتهيئة الظروف المواتية للعودة الآمنة والطوعية للاجئين والنازحين داخلياً إلى مناطق سكناهم الأصلية وضمان حقهم في استرداد ممتلكاتهم، أو تعويضهم عن تلك التي يتعذّر عملياً إعادتها إليهم، كما يجب أن تحرص الحكومات والجهات المانحة على ألا تذهب مساعداتهم إلى المشاريع التي تهدف إلى إحداث تغييرات ديموغرافية في البلاد، بل أن توضع في مشاريع تحترم حقوق السكان الأصليين والضغط على الائتلاف السوري و بعض القوات العسكرية التابعة لها، لوقف عمليات الاستيلاء غير المشروعة على ممتلكات سكان وأهالي المناطق التي تسيطر عليها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى