آفاق التغيير و مآزق التدوير ( الجزء الأول )
شاهين أحمد
لايخفى على أحد الأزمة التي يعيشها الحراك الحزبي الكوردي في سوريا ، والفوضى التي تعم ساحة هذا الحراك ، وآفة التفريخ والتشرذم التي تعصف به وسط غياب مشاريع سياسية واقعية تتناسب مع سمو الأهداف وحجم الإمكانات، وتتقاطع مع مصالح مختلف القوى المؤثرة وتلامس آلام الشارع ، وتشكل عامل جذب للفئات صاحبة المصلحة الحقيقية في أي مشروع جدي يعيد الثقة للشارع ، ويبعث الأمل في النفوس المثقلة بالهزائم .
ومع قناعتنا التامة بأن الحزب بحد ذاته ليس هدفاً والأحزاب بمختلف مسمياتها هي عبارة عن أدوات مؤقتة ومتغيرة بصورة دائمة شكلاً وهيكلية وأهدافاً وآليات عمل. وبغض النظر عن الاعتراضات التي تجتاح مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة على مجرد التفكير أو أية محاولة في إيجاد بدائل واقعية مختلفة للحراك الحزبي السوري بشكل عام والكوردي بصورة خاصة ، وبالرغم من قناعة المعترضين التامة بأن الحراك المذكور ببعديه القومي الكوردي والوطني السوري فشل تماماً في صياغة مشاريع واقعية لإخراج البلد من أزمته السياسية الخانقة التي تعيشها سوريا التي تمر في أسوأ مراحلة منذ تأسيسها كدولة بموجب اتفاقيات معروفة، من أهمها سايكس – بيكو لعام 1916 ، ولوزان لعام 1923 ووفق إرادة المنتصرين في الحرب العالمية الأولى ومصالحهم وبالرغم من إرادة شعبها .
مناسبة الكتابة في هذا الموضوع المصيري والحساس هو ماجرى قبل وأثناء المؤتمر العام للحزب الديمقراطي الكوردستاني – سوريا الذي عقد في هولير عاصمة اقليم كوردستان العراق في العاشر من حزيران 2023 ومخرجاته الإشكالية التي بدأت تعصف بالحزب وتضع مصيره التنظيمي والسياسي كمشروع على كف عفريت، حيث العديد من الاستقالات من جانب الشخصيات التي كانت تشغل مواقع قيادية، وكذلك مئات حالات الانسحاب والاستقالة من جانب الكوادر الحزبية المتقدمة.
وجدير ذكره هنا أن (الاستقالات – الانسحابات ) المذكورة جلها تنتمي للتيار اليساري في الحركة التحررية الكوردية الذي شكل بمختلف مسمياته أحد مكونات مشروع الاتحاد السياسي الذي عقد مؤتمراً توحيدياً في أوائل نيسان 2014 وإنبثق عنه pdk – s . إذاً نحن أمام لوحة تزداد تعقيداً، لأن ماجرى ويجري من تداعيات لايمكن القفز فوقها أو إهمالها من خلال مفردات أو جمل من قبيل أن المؤتمر سيد نفسه، وأن المخرجات طبيعية ، والنتائج تعتبر شرعية …إلخ.
من هذا الكلام النظري والبعيد عن الواقع كلياً . لأن كل مايتعلق بالمؤتمر تحضيراً وتمثيلاً ومعايير وآليات ومخرجات كانت بعيدة تماماً عن واقع الحزب وتركيبته . ومن الأهمية بمكان هنا التأكيد بأننا لسنا بصدد الوقوف على تلك المحطة وشرح تفاصيل ما جرى خلال تسع سنوات من عمر الوحدة الاندماجية ، وكذلك المعايير الغير واقعية التي تم اعتمادها في تمثيل مختلف المواقع، والتي كانت سبباً آخر في حرمان أكثر من نصف جغرافية كوردستان سوريا من حقها في التمثيل العادل في المؤتمر وبالتالي النتائج التي كانت متوقعة ومطابقة لتلك الآليات الخاطئة خلال التحضير ونسب التمثيل الأمر الذي أدى إلى حرمان كل تلك الجغرافية من حقها وتمثيلها في القيادة الجديدة .
وسنحاول في هذه المساهمة التركيز أكثر على تداعيات المخرجات الإشكالية للمؤتمر، والآراء والمواقف وردات الفعل التي برزت بعد انتهاء المؤتمر، وما ينتظر الحزب من احتمالات التشظي وربما فشل عملية الوحدة، وكذلك الخيارات الواقعية المتاحة أمام المنسحبين من الحزب والآفاق الموجودة أمامهم في حال السير نحو العودة إلى مسمياتهم القديمة قبل الدخول في عملية الوحدة الاندماجية . بدون شك هناك خيارات محدودة أمام هؤلاء ( المنسحبين ) حسب قراءتي وتقديري وهي : إما الابتعاد عن العمل التنظيمي بشكل نهائي والالتحاق بكتلة المستقلين التي تشكل النسبة الأكبر من أبناء شعبنا، وبالتالي ممارسة نشاطاتهم الفردية وهواياتهم من خلال منابر ومنصات مدنية . أوالانضمام ككتل أو أفراد إلى الأحزاب الموجودة على الساحة. أوالتوجه نحو إحياء أحزابها القديمة بنفس مسمياتها أوبأسماء جديدة. وهنا يجد المراقب نفسه أمام جملة أسئلة تطرح نفسها : في حال كان الخيار الأخير هو الراجح، هل المناخات السائدة والمزاج العام للحاضنة الشعبية ولمن بقي في الداخل بشكل خاص مساعدة لتقبل فكرة إعادة إحياء تلك المسميات ؟.
إذا كان ولا بد من السير نحو إعلان حزب أو أحزاب، لماذا لا يفكر هؤلاء الإخوة في الالتجاء إلى النخب المستقلة والكوادر التي ابتعدت عن الحراك الحزبي لأسباب مشابهة أو مختلفة، وعقد ورشات في مختلف أماكن التواجد الكوردي السوري في الداخل والخارج وطرح فكرة إمكانية تأسيس تعبير سياسي – تنظيمي جديد في خطابه وهيكليته وآليات عمله وبرامجه وأهدافه؟. لماذا كل هذا الاندفاع نحو إضافة رقم جديد على الكم الهائل من المسميات الحزبية التي في غالبيتها مجهرية جعلت الحاضنة الشعبية في حالة رفض وامتعاض لدرجة الاقياء من سماع كلمة حزب جديد؟.
ماالذي يمكن أن يقدمه هذا المولود الجديد للكوردي الموجود في الداخل والذي يعيش أوضاع معيشية غاية في الصعوبة؟. ما الذي يمكن أن يغير الحزب الجديد في المشهد الميداني والسياسي العام في سوريا؟.
هل يستطيع المسمى الجديد أن يوقف موجة النزوح التي تستنزف بشكل يومي ما تبقى من الطاقات البشرية من مناطقنا ؟. الجميع يدرك تماماً أن هناك محوران يتقاسمان الحراك الحزبي الكوردي في سوريا، في هذا الواقع المعقد هل هناك شك بأنه ليس لمركزي قرار المحورين أية مصلحة في خروج أي طرف أو كتلة من حقول التحكم ومساحات التوافق؟. والأهم من كل ذلك ماذا قدمت النسخ الأصلية لتلك المسميات في أوج قوتها للشارع حتى تقوم النسخ المكررة بتقديم ماهو خلاف ذلك ؟.
هل الحاضنتان الشعبية والحزبية اللتان أصابهما الوهن والتعب والإنهاك قادرتان على تحمل أعباء تجربة حزبية جديدة ؟. طالما أن كل تلك الأدوات التي كانت تعمل في الميدان فشلت في حماية الشعب من الكوارث، ما الذي يدفعنا لإعادة النفخ فيها والمحاولة عبثاً في إحيائها؟. نعم الكل يعلم بأن الحراك الحزبي الكوردي بمختلف توجهاته وخنادقه ومحاوره فشل في المعركة وقد يخسر الفرصة التاريخية التي توفرت نتيجة موجات ماسميت بثورات الربيع ، لكن بالمقابل هل اللوحة السوداوية المقترنة بالإخفاق ونمطية التفكير المتخلف المترافق بإنعدام الشعور بالمسؤولية يعني الاستسلام للواقع بشكل نهائي، أم أن قدرنا وواجبنا أن نتسلح بالصبر وإرادة الاستمرارية والبحث الجدي عن بدائل واقعية جديدة ومختلفة؟.في مواجهة بقاء الحراك الحزبي في حالة من التخبط والضعف وفقدان استقلالية القرار والارتهان للخارج ألا يدفعنا هذا الواقع لتحمل مسؤولياتنا الأخلاقية والقومية كنخب معنية سواءً من داخل الحراك الحزبي أو خارجه للتفكير بشكل جدي في البحث والاجتهاد والسير نحو التغيير المطلوب؟.
لكن ماهو طبيعة البديل الذي يجب أن يحل محل الحراك الحزبي الحالي شكلاً وخطاباً وآليات عمل وأهدافاً؟. وهل الحراك الحزبي الموجود يجب نسفه بالكامل أم مازال هناك إمكانية لترميمه وإصلاحه وإدارة المرحلة الحالية من خلاله ؟.
خلاصة القول
طالما أنه لايمكننا أن نفصل الوضع والحراك الحزبي الكوردي عن الحراك الوطني السوري بشكل عام لجهة مقومات التحرك وآفاق التغيير ومناخات القبول وأخذ زمام المبادرة كوننا جزء من الحالة السورية بكل تفاصيلها ومعاناتها وتعقيداتها. وبما أن قضية التغيير أصبحت ملحة وضرورية وفي نفس الوقت قضية حساسة ومصيرية ولا تخص فئة مجتمعية دون غيرها. إذاً يجب منحها الوقت الكافي ودفعها إلى أوساط النخب السياسية والفكرية والثقافية لتوليد أفكار وصياغة رؤى من شأنها مساعدة الراغبين في السير نحو تأسيس تيار سياسي – تنظيمي جديد بكل ما تعني كلمة (جديد) من معنى . وقبل الإقدام على أية خطوة يجب الإجابة على السؤال :
هل للقوى التي تتقاتل على سوريا وتتقاسمها أية مصلحة في التغيير وتحريك المياه الراكدة ، وتوفير المناخات اللازمة لنشوء تيارات مختلفة شكلاً وخطاباً ومشروعاً وأهدافاً وآليات عمل ؟.
يتبع ….