النساء في إيران بين مطرقة ظلم المحاكم وسنديان السياسات العنصرية (زهرة محمدي نموذجاً)
إسماعيل رشيد
إنّ جرائم نظام الملالي الإيراني تجاه شعبه وخارج الجغرافيا الإيرانية لم تتوقّف، وتحتل صدارة الأنظمة القمعمية، هو يمارس سياسة الإرهاب المنظّم بحق كلّ مَن يخالفه الرأي ، أو يبدي انتقاداته واحتجاجاته السلمية تجاه حكم الملالي وسياساتهم ، لابل مايميّز انتهاكاته وجرائمة بحق النساء يضعه في خانة متصدري تنفيذ حكم الإعدام بحق النساء الإيرانيات بمختلف قومياتهم .
ويؤكّد تقرير لمنظمة العفو الدولية بأنّ (نسبة 15 % فقط من حالات إعدام النساء يتمّ الإعلان عنها في إيران) وأنّ إثبات البراءة ليس بالأمر السهل حيث كلمة الفصل لأسرة الضحية ، وهذا مايؤثر على مهنية المحاكم ، وهناك قضية مهمة جدا وتبدو غريبة ، فالفتيات اللواتي تجبرن على الزواج قد تواجهن مشاكل خطيرة ، إذ من الصعوبة الحصول على الطلاق عبر المحاكم الإيرانية وهو ما يجعل بعض النساء ضحايا العنف طوال حياتهن وفي نهاية المطاف تقتلن أزواجهن
ولدت ونشات زهرة محمدي في مدينة سنه (سنندج)، ولديها خمس شقيقات وشقيقان.
حصلت على الشهادة الجامعية والماجستير من جامعة بيرجند، شرق إيران، كلية الجغرافيا السياسية.
أسست زهرة مركز “نوجين” الثقافي الاجتماعي غير الحكومي مع اثنين من زملائها، بهدف تعليم الأطفال الأكراد اللغة والأدب الكُردي في مدينة سنه والقرى التابعة لها.
وبالفعل، كرّست 10 سنوات من حياتها، لتعليم الأطفال لغتهم الأم بشكل طوعي، دون كلل أو ملل.
وسنه، مثل باقي مدن إيران، اللغة الوحيدة التي تُدرس في مدارسها هي الفارسية، على الرغم من أنّ غالبية سكانها أكراد.
والجدير بالذكر أن المادة 15 من دستور الجمهورية الإسلامية تنصّ على حرية ممارسة الشعوب الإيرانية للغاتها وثقافاتها في إيران، إلا أنّ الحقوقيين والنشطاء السياسيين في البلاد يقولون إنّ الأمر ليس كذلك على أرض الواقع.
كفالة باهظة
في كانون الأول/ ديسمبر 2019، وبعد ستة أشهر من اعتقالها، أطلق سراح زهرة بكفالة مالية قدرها 700 مليون تومان، أي ما يعادل تقريباً 20 ألف دولار بسبب حالتها الصحية.
تقول كاني محمدي، شقيقة زهرة، لبي بي سي عربي: إن المخابرات الإيرانية طلبت من شقيقتها التعاون والعمل معها، لكنها رفضت ذلك بشكلٍ قطعي”.
بعد ستة أشهر أسقطت محكمة الثورة عنها التهم الأولية المتعلقة بعلاقتها مع جماعات المعارضة الكُردية، إلا أنّ هذا ليس مهماً، فتعليم اللغة الكُردية جريمة كافية لقضاء سنوات من حياتها خلف القضبان، فكانت التهمة الرسمية هي “تشكيل لجنة وجماعة ضد استقرار وأمن النظام”، على الرغم من أنّ زهرة لا علاقة لها بأي منظمة باستثناء مركز نوجين الثقافي.
في أكتوبر / تشرين الأول 2020 ، نظرت محكمة استئناف سنه في الحكم وخفّفت المدة من عشر سنوات إلى خمس سنوات.
الجريمة الحقيقية التي ارتكبتها زهرة محمدي بحسب مقطع مصور نشرته على صفحتها في انستغرام، قبل أن تُسجن، كانت ” تعليم لغتها الأم، وتوزيع الشوكولاتة في الشارع بمناسبة اليوم العالمي للغة الكُردية، ومساعدة ضحايا الفيضانات في محافظة لورستان الإيرانية”.
وتحدّت زهرة السلطات ودعتها إلى إبراز أي دليلٍ يشير إلى قيامها بأي عملٍ بخلاف تمكين المهمّشين من أبناء جلدتها تعلم لغتهم.
تعرّضت زهرة لمعاملة قاسية أثناء احتجازها ومُنعت من الحصول على أي استشارة قانونية عندما مثلت أمام محكمة الثورة الإسلامية في سبتمبر/أيلول 2019، ولم يعلم بأمر المحاكمة لا محاميها ولا عائلتها إلا بعد انتهائها.
وتقول شقيقتها لبي بي سي: “عند حلول موعد تسليم نفسها من أجل قضاء عقوبة السجن في يناير/كانون الثاني من هذا العام، اجتمعت مجموعة من طلابها وأصدقائها وأهالي سنه ورافقوها إلى المحكمة ليودّعوها”.
وتضيف: “لم تكن زهرة تجري أي مقابلات صحفية بعد إطلاق سراحها المؤقت، إن لم تكن باللغة الكردية، لأنها أرادت دوماً التعبير عن نفسها بلغتها الأم”.
كما أكّدت كاني محمدي أن نشاطات شقيقتها اقتصرت على تعليم الأطفال لغتهم الأم ولم تنخرط بأي نشاطات سياسية.
وكتبت منظمة العفو الدولية في مناشدتها لإطلاق سراح محمدي أنّ زهرة “اتُهمت بالتعاون مع جماعات المعارضة الكُردية ووجّهت إليها تهم بارتكاب جرائم تتعلّق بالأمن القومي بسبب أنشطتها السلمية التي تمكّّن أفراد المجتمع الكُردي المهمش في إيران، من خلال تعليم اللغة الكُردية”.
وتجدر الإشارة إلى وجود عدة أقليات عرقية ودينية في إيران، فبالإضافة إلى الفرس والأكراد، هناك البلوش والعرب والآذريون والتركمان وغيرهم.
وعلى الرغم من توقيع إيران على اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل في عام 1989، والمادة 15 من دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية تنصّ على “الحق في استخدام اللغات غير الفارسية في إيران” لتعليم أدب كل لغة وثقافتها، إلا أنّ تعليم اللغة الكُردية ونشر تراثها التاريخي في إيران يقابل بعقاب صارم.
الدعاوى القضائية غير العادلة والمعاملة السيئة للمحتجزين في إيران ليس شيئاً جديداً حسب تقارير منظمات حقوق الإنسان، خاصةً عندما يتعلّق الأمر بالأقليات العرقية.
ولعلّ الاحتجاجات الأخيرة التي اندلعت في البلاد عقب مقتل الشابة الكُردية جينا (مهسا) أميني، ليست سوى امتداداً لمعاناة الأكراد المستمرة منذ أمد بعيد.
زهرة، ليست الوحيدة ولن تكون الأخيرة، فقد أعدمت إيران في السابق أيضاً المدرّس الكُردي فرزاد كامنجار، من مدينة كاميران شمال غربي إيران، بتهمة كتابة منشورات عن حقوق الإنسان وتدريس الطلاب اللغة الكُردية ورواية قصص من التراث والأدب الكُردي.
وعلى الرغم من إدانة منظمة العفو الدولية واليونيسف لهذا الحكم وغيره من الأحكام الجائرة، إلا أنّ إيران مستمرة في ممارسة القمع ليس للمعارضين السياسيين والنشطاء الحقوقيين الكُرد فحسب، بل حتى اللغة الكُردية وأدبها.
– المراجع:
شواهد من تقرير BBC صادر في 8 ديسمبر 2022م.