التطبيع وسياسة شرعنة المصالح في الأزمة سورية
عبد اللطيف محمد أمين موسى
تعتمد السياسة في تسخير كافة الإمكانيات و الوسائل في شرعنة المصالح من أجل تنفيذ الأجندات وصراع توسيع النفوذ , كما وأنّ المبادرات التي ساقتها الدول العالمية والإقليمية؛ بغية أيجاد حل للأزمة السورية، عمدت الى تثبيت وتدعيم وتهيئة الأرضية والمناخ الملائم من أجل تقاسم النفوذ التي تجسّدت في تقسيم سوريا الى مناطق سيطرة عسكرية واقتصادية من دون امتلاك الرغبة الحقيقة الدولية الصادقة في إيجاد حلٍّ يفضي الى إنهاء معاناة السوريين, كماولا يخفى على كل متتبع للأزمة السورية بأنّ صراع المصالح التي تشكّلت بين المحاور والتحالفات المتمثّلة في الولايات المتحدة والغرب وروسيا وايران لخّصت المسائلة تلك في كونها السمة الأساسية والعنصر الأساسي في إطالة أمد الأزمة ,وتجعل من الصعوبة إيجاد حل شامل للأزمة ,ومع إطالة الأزمة السورية يترتّب من هذه الأزمة آثار وجوانب سلبية في الداخل السوري من خلال المعاناة التي يدفعها الشعب السوري من فقر وتهجير وحرمان والحصار وانهيار كافة مقومات الدولة في سوريا ,وكذلك يترتّب على هذه الأزمة الكثير من الآثار السلبية على المستوى الإقليمي الأمر الذي خلق التوجه لدى الكثير من الدول الإقليمية، ولاسيما العربية في التفكير في إعادة علاقاتها مع سوريا من خلال ما يسمى التطبيع لتخضع المنطقة الى تحولات متسارعة من خلال حلحلة في العلاقات السعودية الإيرانية برعايةٍ ملفتة من الصين التي أبرزت نفسها كأحد أقطاب سياسية المحاور لتفرض نفسها بقوة من خلال الدخول من بوابة رعاية العلاقات الإيرانية السعودية والتي بالتالي كانت ذات تأثير مباشر على بدء عملية التطبيع بين السعودية والكثير من الدول العربية مع سوريا المنهارة على كافة الأصعدة بعد سنواتٍ من استمرار أزماتها.في قراءتي المتواضعة لمنحى سير الأحداث
إنّ صراع المصالح وتوسيع النفوذ كانت العامل أو المنطلق الأساسي الذي دفع الكثير من الدول العربية الى التسارع في التطبيع مع دمشق في استنادها إلى سوق الكثير من المبررات المجملة بمفاهيم سياسية برّاقة من أهمها البوابة الإنسانية من خلال المعاناة التي يدفع ثمنها الشعب السوري, ومع إطالة الأزمة السورية تزداد معاناة الشعب السوري لتشكّل هذه المعاناة، حسب تقديرات وتصنيفات أبرز مراكز الدراسات ومنظمات حقوقية، في كونها أكبر أزمة في التاريخ المعاصر من خلال عمليات التهجير والنزوح لأكثر من ثلاثة عشر مليون شخص ما بين نزوح داخلي وهجرة من سوريا.الأمر الذي دفع الكثير من الدول العربية الى التفكير في مساعدة الشعب السوري بغضّ النظر عن موقفهم من مسؤولية الحكومة أو المعارضة من هذه المعاناة ,ولتشكّل بذلك المعاناة الإنسانية للشعب السوري ,ولاسيما بعد الزلزال الكارثي الدافع الاساسي الى هذا التوجه ,كماو إنّ تعاطف الكثير من المنظمات الحقوقية والإنسانية التي أجبرت الكثير من الدول ولاسيما الأوربية في تخفيف عقوباتها عبر إعطاء بعض الاستثناءات الإنسانية
بحكم السياسية الامريكية التي تستند الى المماطلة في إطالة أمد الأزمات في دول الشرق الأوسط الأمر الذي دفع الكثير من الدول، ولاسيما السعودية ودول الخليج الى العمل على اتخاذ نوع من الاستقلالية السياسية والاقتصادية عن الولايات المتحدة كردة فعلٍ على سياستها في عدم الجدية في إيجاد حلول أو إمهال الكثير من القضايا في اليمن وسوريا ولبنان والعراق بالإضافة الى اعتماد الولايات المتحدة على الكثير من المنظمات المصنّفة في قائمة الإرهاب العالمية في محاربة داعش في المنطقة وتخليها في التعامل مع الدول في هذا الشأن ، ولاسيما الاستراتيجية الأمريكية التي تكوّنت في عهد أوباما وامتددت في زمن الإدارات اللاحقة, والتي كانت في رأيي تفتقد الى الصواب حيث وضع أسسها (بريت ماغورك) ممثل أوباما في العراق وسوريا في الدخول مع حزب العمال الكردستاني في صفقات والاعتماد عليه في محاربة داعش في سوريا وحماية المصالح الامريكية مقابل تجاهل تركيا في بعض الأمور لصالح الحزب المذكور ,وكذلك تأسيس الحشد الشعبي في العراق والاعتماد عليه في محاربة داعش وحماية نظام الحكم في العراق الموالي لأيران ,وكذلك الاعتماد على الحوثيين في اليمن وإطاله صراعهم في اليمن ,وغضّ الطرف عن نفوذ حزب الله في السيطرة على لبنان وسيطرة مليشيات أيران على سوريا .
هذا الأمر الذي دفع الكثير من دول المنطقة في عدم الثقة في أمريكا كحليف حقيقي ,والتوجه نحو الاعتماد على الصين ،المحور المنافس لأمريكا كراعي للاتفاق الإيراني السعودي في خلق نوعٍ من الحلحلة في أزمات الشرق الأوسط مقابل تهاون وتجاهل أمريكا لحلّ هذه الأزمات .
هذه المصالحة التي أثّرت بشكلٍ كبير على مسائل توجه الكثير من الدول ، ولاسيما السعودية في التطبيع مع سوريا في محاولةٍ لإعادتها الى ما يسمى الحضن العربي ومسائل العروبة ,وكذلك محاولة بعض الدول مواجهة الحكومة السورية التي أغرقت المنطقة بتجارة المخدرات ولاسيما الدول الخليجية ,وكذلك توجه تركيا الى التطبيع مع النظام مقابل الحصول على مكاسب بشأن الانتخابات الداخلية وتأثيرات الأزمة في أوكرانيا على سوريا ,والدعم الروسي ذو النفوذ الكبير في سوريا للصين في قيادة مبادرة حلحلة بعض المسائل في الشرق الأوسط كقوة سياسية ونظام بديل لهيمنة أمريكا .
في المحصلة , يمكن القول وبغضّ النظر عن العوامل التي دفعت تلك الدول الى التطبيع مع دمشق وما ستحققه مسألة التطبيع لتلك الدول وللشعب السوري وعن فشله من عدمه والعوامل والنتائج المترتبة على هذا التطبيع الأن في الأزمة السورية وتعقيدات تلك الأزمة ومفرزاتها, ولكن السؤال الذي يحقّ للجميع الاستفسار عنه : هل هذا التطبيع سيخدم الشعب السوري ويسعى لإنهاء معاناته أم أنه يندرج ضمن خانة سياسة المصالح الدولية وتحقيق أجندات النفوذ؟.