آراء

الآمال والآفاق لانتفاضة السويداء .

بسام العيسمي

جاءت انتفاضة السويداء اليوم، بهذا الزخم والاتساع، وبعد أن توهّم الأسد بانتصاره على دماء السوريين , ودفن حلمهم بالحرية , ونجاحه في ليّ عنق التاريخ؛ لتؤكّّد على جملةٍ من الحقائق أهمها:
– الثورات لا تموت ولا تُهزم من حيث المآلات النهائية؛ مادامت أسبابها قائمة، قد تكبو وتتعثّر، لكنها ستعود للنهوض من جديد، وتواصل مسيرتها حتى تحقيق أهدافها . وهذا هو منطق التاريخ .

– لم تكن حدثاً معزولاً عمّا سبقه , بل جاءت في سياق الثورة السورية المستمرة ضد طغمة الأسد والتي أشعل شرارتها دماء أطفال درعا في أواسط آذار لعام 2011 .

– لتؤكّد فشل طغمة الأسد في إنتاج أية حلول توقف تدحرج الكارثة . بعدما تبيّن عقمه إلّا من إنتاج العنف وتطويره بمواجهة السوريين , وتدمير البلد والتفريط بثرواته وبيع مرافقه الحيوية للأجنبي .

– جاءت في سياق إدراك غالبية السوريين ، إذا لم نقل جميعهم، بأنّ بقاء هذه الطغمة على رأس السلطة واستمرارها هو استمرار لمعاناتهم وتعميق لأزماتهم .

واستمرارٌ في تحطيم البلد وتدميره. وهذا ما دفع الكثير ممن آثروا الوقوف على الحياد ؛ بانتظار أن ترجح وتميل الكفة ، ليميلوا معها . إلى إعادة تموضعهم، بعد فقدانهم الأمل، في الضفة الأخرى بمواجهة النظام .

كما أنّ حاضنته التي أساء لها واستثمر بدمائها وأوجاعها، ووضعها كخط دفاع عنه ؛ يحتمي بها في مواجهة السوريين قد بدأت بالتصدّع ،حتى في ساحة الكرامة الآن الكثير من الذين كانوا يدافعون عن النظام انقلبوا ضده، وينادون بإسقاطه ؛لإدراك الجميع بأنّ هذه الطغمة تقود سوريا وأهلها للهلاك المحتّم.

– حراك السويداء اليوم لم يعد نخبوياً ، بل هو انتفاضة وطنية شعبية عارمة جامعة وممتدة على كامل مساحة جغرافية المحافظة، بمدنها وبلداتها وقراها , وبرجالها ونسائها وكبارها وصغارها.

وكان لموقف مقام الهيئة الروحية المتمثّلة بسماحة شيخي العقل , سماحة الشيخ حكمت الهجري , وسماحة الشيخ حمود الحناوي الوطني والشجاع الدور الكبير في ذلك من خلال تبنيهما لمطالب الانتفاضة وتأييدها والدفاع عنها . مما دفع كتلة بشرية كبيرة من أبناء المحافظة للانضمام إليها والانخراط فيها.

– اسقطت انتفاضة السويداء من يد النظام اليوم ادعائه وبخلاف الحقيقة بأنّ السويداء أو غالبية أهلها يؤيدونه ؟. ها هم أهلها اليوم. هبّوا جميعهم هبة رجلٍ واحد ، ونزلوا للساحات يطالبون برحيله .

كما أسقطت من يده ورقة الأقليات والاستثمار بها , وأضعفتها إلى الحد الذي أخرجها من التعامل.

– أعادت المسك بخيوط الثورة منذ البدايات مسترجعة لكلّ ألقها وسلميتها ونقائها وشعاراتها الوطنية الجامعة . يهتفون للحرية والديمقراطية والدولة العلمانية .

ويؤكّدون على وحدة سوريا أرضاً وشعباً. وبأنّ سوريا وطن نهائي لكلّ السورين، تحت شعار الدين لله والوطن للجميع.

ويؤكّدون على العملية السياسية وبيان جنيف1 وتطبيق القرار 2254 لعام 2015 وكافة القرارات الأممية ذات الصلة .

والتي تقود لرحيل هذه الطغمة من حاضر ومستقبل السوريين، ما أخرجها ذلك من دائرة المذهبية والمناطقية؛ لتكون حراكاً وطنياً شاملاً يعبّر عن وجع وحلم السوريين.

وقابليتها للانتشار على كامل الجغرافية السورية . وصلاحيتها لتكون المدخل لترميم الفضاء الوطني السوري وإعادة بنائه على أرضية الشراكة الوطنية لا الاحتواء. وبعيداً عن الاستقطابات الدينية والطائفية والإثنية، وهذا ما أرعب طغمة الأسد.

كما أنّ سلميتها وحضاريتها أسقطت كلّ الحجج والذرائع التي يبرّر من خلالها تدخله العسكري لقمعها.

فهو لا يستطيع اتهامها بالتطرف والإرهاب الذي مارس تحت هذه اليافطة فائض عنفه وتوحشه وكلّ جرائمه بحق السورين، خلا عن أنّ الظروف الدولية والإقليمية قد تغيّرت فهو الآن تحت المجهر .

لذلك لازال يراقب ويدفع شبيحته وإعلامييه للقيام بحملات التشكيك والتخوين لحراك السويداء. وبأنه جاء في سياق مشاريع خارجية تهدف فصل السويداء عن الجسد السوري . فهذه الاتهامات لا تستأهل الرد.

ولم يكن لها أي تأثير أو قيمة، وقد انعكست عليه لكونه كاذباً وفاجراً ومكشوفاً لكلّ السورين , وعارياً الّا من قبحه . لكنه لازال يختزل في جعبته الكثير من الغدر والتآمر وحبك الدسائس . ويحاول عبر شبيحته وأنذاله افتعال المشاكل واستفزاز شباب وشابات الانتفاضة على غرار حادثة إطلاق النار عليهم من فرع الحزب الذي هو وكر للفساد والتشبيح؛ لدفعهم للرد وحمل السلاح، لكنه لم ينجح . لا بل أنّ هذه الحادثة قد زادت الساحات اشتعالا وتمسّكاً بالسلمية.

وعلى إثرها صعّدت الهيئة الروحية ممثلة بسماحة شيخي العقل الهجري والحناوي مواقفها في تبنّي الحراك ومطالبه والدفاع عنه والإعلان صراحةً على ( أنّ المليشيات الإيرانية وحزب الله هما قوى احتلال وجبت مقاتلتهم وطردهم . واستخدام السلاح هو خط أحمر ودماء أبنائنا خط أحمر . وسنبقى بالساحات حتى تتحقق مطالبنا ).

وتطورت ال انتفاضة سريعاً وصعّدت لتقطع كل أذرع النظام السامة من المحافظة.
اقتلعت أصنامه وحطّمتها وداست عليها بأقدامها . وأنزلت صوره وصور أبيه المقبور من على كلّ المؤسسات والدوائر الحكومية المختلفة . وأغلقت مقرات حزبه , وأحرقت كلّ مراكب العودة . وأضحى الاستمرار بالحراك هو أخفّّ كلفةً من التوقف.

النظام يحاول تطويق الحراك ليبقى ضمن السويداء والحؤول دون انتقاله للمحافظات الأخرى ويراهن على تعب الناس ويأسهم وخفوته شيئاً فشيئاً لتعود الناس لمنازلها وتنشغل بتأمين احتياجاتها ومتطلباتها إذا لم تستجب له الساحات الأخرى ببقية المحافظات. ويدرك كما يدرك أهالي السويداء وقادة الحراك بأنّ انتفاضة السويداء لوحدها مهما استمرّت لا تسقط النظام.

ومع ذلك الحراك دخل في شهره الثاني ولا زال متوهجاً وكل يوم ينضمّ له وتلتحق به أعداد جديدة.
لكن مع الأسف لا زال التفاعل معه من بقية المحافظات خجولاً.

لا أحد قادر على التنبؤ إلى متى سيبقى مستمراً . وأعتقد بأنّ استمراره وتصاعده , أو خفوته وتلاشيه يرتبط بمدى انتقال عدواه الى المحافظات الأخرى , أو بقائه حبيساً داخل أسوار السويداء.

كما أنّ تطوّر المشهد الإقليمي والدولي وتحولاته يلعب دوراً بارزاً في ذلك . فإنّ وضع القضية السورية على الطاولة وتحريك كل الملفات النائمة في الأدراج مثل ملف المعتقلين . والمختفين قسراً , وملف الكيماوي وملف قيصر وملف التغيير الديمغرافي .وكم الأدلة والوثائق التي تدينه بارتكابه مجازر حرب وجرائم ضد الإنسانية وهي بمئات الألوف.

وملاحقته قانونياً والتضييق عليه وعزله سياسياً قد يدفعه لو حصل ذلك للخضوع لاستحقاقات العملية السياسية . وسيسهم في استمرار الإنتفاضة وتصاعدها وانتقال شرارتها لكامل الجغرافية السورية.

لكن لا مؤشرات يمكن الاعتماد عليها حتى الآن في هذا الصدد انهيار النظام قد يحصل في أي لحظة فهو بدأ بالتدحرج والسقوط الحر إلى القاع مع بداية هذا العام 2023.

والخوف أن يحصل ذلك قبل أن ينجز السوريون مقدمات عقد شراكة وطنية بخطوطه العريضة وعلى محددات الهوية الوطنية السورية ويجسّرون فيما بينهم.

مما سيفتح الساحة السورية على مزيد من الصراعات والتفكك والفوضى أما الثابت الوحيد لما يجري في السويداء هو وقوع الطلاق البائن والذي لا رجعة فيه بينها وبين نظام الأسد.

وغير ذلك يبقى المشهد وتطوراته ومسار الأحداث في السويداء وعلى كامل الجغرافية السورية مفتوحاً على كل الاحتمالات .

المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “312

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى