التصعيد الإيراني شرقاً وخيارات الغرب من الاندفاع الإيراني وسياساته مؤخراً
نزار موسى
يتناوب التنافر الإيراني مع الغرب في حقبٍ عدة ، في ظاهره ، رغم انسجامه معه في بعضها الآخر كما في الثمانينات تحديداً .
إلا أنّ النظم السياسية الحاكمة والمتنوعة في توجهاتها في إيران في سابق الوقت ، هي التي اعتمدت على ذلك في ظلّ ثبات السياسات الغربية تجاهها وتجاه المنطقة ككل ، ولكن ما نلمسه مؤخراً هو شكل الاختلاف الممتنع في التوجه الإيراني ، في ظلّ نظام خامنئي الحالي تجاه إسرائيل ، وكذلك التفاهم الهش لا بل و صعوبة إحيائه، رغم هشاشته مع الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوربيين في ماراتونية فيينا التفاوضية.
إلا أنّ شكل العلاقة، في واقعه العملي، يبيّن تفاهماً واضحاً بين كلٍّ من إيران وأمريكا في المنطقة ، بدايتها كانت في الخليج والعراق ولبنان، وتلتها معايشات في سوريا واليمن ، وغدت المنطقة بالتالي على مائدة التفاهمات تلك ، تتناوب على أجزائها التصعيد كأدوات أزمة تخدم الواقع الهش سبيلاً لتفاهمٍ مأمول ، تجعل من المنطقة بعداً إستراتيجياً لإيران، تحقّق لها مجداً سياسياً لا منافس لها في المنطقة التي يطغى عليها الانتماء السني الحليف للغرب .
كان الصراع الغربي الروسي في أوكرانيا الفاصل في الاصطفافات العالمية، وظهور إيران في المعسكر المناوئ للغرب أعطى بعداً جديداً لحيثيات مساوماتها مع أمريكا في المنطقة ، فما كان من إيران إلا أن صعّدت في المنطقة من جديد ، وذلك رداً على خطط إعادة ترتيب الشرق ،انطلاقاً من أسس اقتصادية عملاقة ؛ تخدم الغرب في صراعه مع روسيا، و تخدم حلفاءها في المنطقة ، وكذلك تطمئن دول الخليج ،وعلى رأسها المملكة العربية السعودية ، بعد الديناميكية الواضحة في سياساتها الجديدة ، فغدا ممر الطاقة الجديد، النابع من الهند عابراً الشرق الأوسط وإسرائيل وصولاً إلى أوربا، بديلاً للطروحات الصينية، لتتحوّل إلى طرق حرير عصرية ؛ لا تقتصر على الطاقة وحدها ، مما يحقّق ارتباطاً عضوياً و استراتيجياً بين الغرب وحلفائه، قد يحقّق استقراراً مأمولاً في المنطقة من جهة ، ويخيّر إيران في حسم تموضعها و اصطفافها مع الزعامات السنية في المنطقة ، من خيارها الحالي في اعتبار ذاتها بديلاً لا شريكاً .
إلا أنّ المقلق للغاية تلك المستجدات الأخيرة في غزة وتبعاتها ، التي لم تكن متوقعة، كما الخرق غير المتوقع لحماس للحصن الإسرائيلي ، و احتمالية خروج الوضع عن السيطرة التي تنذر بترتيبات متسارعة للشرق الاوسط ، كما وصفها كلٌّ من نتنياهو و بايدن : إن أقدمت إيران على خطوات تصعيدية أخرى ، في ظلّ استغلال إيران لظروف وتوقيتات ملائمة لقواعد الاشتباك في المنطقة من جهة ، ولمصالح معسكرها الجديد من جهة أخرى ، مما ينذر بنقل الصراع من الغرب إلى الشرق الأوسط أيضاً ؛ لخلط الأوراق وقلب الطاولة على البرامج المذكورة في المنطقة لإعادة ترتيبٍ محتمل .
سلوكيات إيران و اندفاعاتها المتسارعة، تلك المبنية على سياسات أمريكا الغامضة في المرحلة السابقة ، باتت – على مايبدو – مهدّدة للخطوط المعهودة في بناء سياساتها بالنسبة للغرب ، وعدم امتثالها للرغبة الدولية في قضية مفاعلاتها النووية المقلقة للغرب و للوسط السني والخليجي في المنطقة، ناهيك عن أذرعها المتمرّدة على الشرعية في عدة دول، والمهدّدة لأمن المنطقة وإسرائيل، وخاصةً بعد وصول أحد أذرعها للجبهة الجنوبية السورية لإسرائيل، والتي باتت محل قلق كبير لأمريكا ، مما تستوجب رداً، قد يكون مسار هذا الرد معالجة أدوات إيران في هذه المرحلة، والتي امتطت بدورها قضايا محورية لازالت عالقة في الشرق الأوسط ، وحوّلتها بالتالي لقضايا تخدم توجهاتها التشيعية بأسلوب فيروئيدي ( ميكروبي قابل للاستنساخ بكثرة) ، تخطّت خصوصية الحدود القائمة في المنطقة، وركّزت بالتالي على اللبّ، مستنسخة ضحاياها بشكلٍ مقلق ، وتفعلها في خدمة أجندتها.
مما حدا بأمريكا، على مايبدو ، أن تتيقّن بأنّ الشرق الأوسط متكامل في قضاياها ، ولا تتشابه مع غيرها ، وأدركت ضرورة التوجه لإعادة تموضع قواها في المنطقة حمايةً لمصالحها ومصالح حلفائها في تطورات قادمة، حاملة لمفاجآت كبرى قد تفضي لحلّ قضايا كثيرة في المنطقة ، و تعزيز واستدامة التطبيع بين إسرائيل والدول العربية، أو لملمة الوضع و بمعالجة جزئية، وخاصةً بعد التطورات الأخيرة تجنباً لتبعات أكبر، حتى جولة قادمة.
المقالة منشورة في جريدة يكيتي العدد 313