هل يتحوّل طوفان الأقصى إلى طوفان الشرق الأوسط؟
فؤاد عليكو
لم تشهد دولة إسرائيل ،منذ تأسيسها في عام ١٩٤٨م ، حرباً وجوديةً كالذي تشهده اليوم، من حيث فقدان شعبها الثقة بجيشها الذي ( لا يقهر)، إذ في جميع حروبها السابقة، كان الارتياح سائداً لدى الشعب الإسرائيلي من أداء جيشه وقناعته بالانتصار في النهاية، لكن في هذه الحرب اختلف الأمر عليه، من خلال نجاح حماس في تحقيق عنصر المفاجأة بالدخول إلى عمق غلاف غزة والسيطرة على العديد من المستوطنات والثكنات العسكرية وقتل وأسر الكثير من المدنيين والعسكريين دون خسائر تذكر في الجانب الفلسطيني في اليوم الأول.
من هنا نستطيع القول إنّ إسرائيل في موقف لا تحسد عليه من أجل استعادة ثقة الشعب بجيشها وضمان أمنها وتوفير عامل الاستقرار له مستقبلا، لتبعد عنه شبح الهروب للخارج والبحث عن الحياة في دول آمنة، وهذا- إذا ما حصل سوف تنسف كلياً جهود مؤسسي دولة إسرائيل الذين عملوا طيلة قرن كامل في استقطاب اليهود في جميع أنحاء العالم بالعودة الى (أرض الميعاد والجنة الموعودة) .
ومن هنا نفهم أيضاً تصريح قادتها بأننا أمام حرب وجودية لدولة إسرائيل، وبذلك تمارس بكلّ شراسة الحرب على غزة و تعمل على تدميرها بالكامل لجعلها جغرافية غير قابلة للحياة، والدفع بأكثر من مليوني فلسطيني إلى محافظة رفح التي لا تتجاوز مساحتها ٥٠ كم٢ على الحدود مع مصر، واذا ما ازداد الضغط عليه فقد يدفع بهذه الحشود المضغوطة إلى تجاوز الحدود والدخول إلى الأراضي المصرية، وهذا ما يعتبر خطا أحمر من جانب مصر، ولن تقف مكتوفة الأيدي إزاء ذلك، وهذا يعني خروج الصراع في غزة خارج الحدود، وخرجت عن السيطرة ، وهذا ما لا ترغبه أمريكا وما ترغبه إيران ويعمل عليه باستمرار من أن يتحول الصراع من جديد إلى عربي/إسرائيلي، بعد أن خمدت فترة طويلة وظهرت بوادر التفاهم العربي /الإسرائيلي من خلال بناء العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل وعدة دول عربية ومن ثم التحول إلى التعاون الاقتصادي ووضع استراتيجيات لمشاريع ضخمة بين الطرفين مثل الخط التجاري الهندي /الخليجي /الإسرائيلي، في منافسة واضحة مع خط الحرير الصيني /الإيراني /العراقي / التركي، لا بل ونسفها كلياً.
وبالعودة إلى جذر الأزمة والتي تتمثّل في تغيير كبير في السياسة الأمريكية تجاه إيران مؤخراً، خاصةً بعد أن فشلت الولايات المتحدة في العودة إلى الاتفاق النووي جراء استقواء إيران بروسيا في تصلب شروطها ازاء ذلك، إضافةً الى التعاون الإيراني مع روسيا في الحرب الأوكرانية وكذلك تحريض الفصائل الموالية لها في سوريا والعراق للقيام باستفزازات للقوات الأمريكية في هاتين الدولتين، والأهم من كلّ ذلك ظهور بوادر خسارة أمريكا لحلفائها التقليديين، خاصةً دول الخليج والتحول تدريجياً نحو الصين وروسيا لضمان أمنها بعد أن شعرت بأنّ أمريكا غير مكترثة بذلك، خاصةً إزاء التدخل الإيراني في شؤونها الداخلية .
كلّ هذه العوامل مجتمعةً دفعت بأمريكا إلى إنهاء مرحلة التخادم بين الطرفين لعقود عدة، لذلك بدأت بممارسة سياسة تحجيم دور إيران في المنطقة العربية، خاصةً في الدول التي هيمنت إيران على قرارها السياسي (عراق، سوريا، لبنان، اليمن)، وهذا لن يتحقّق إلا بمزيدٍ من الضغط على إيران وعلى هذه الدول، ومن هنا نفهم استقدام أمريكا للبوارج الحربية حاملات الطائرات والغواصات الى المنطقة منذ الصيف الماضي ومن ثم الطلب من الحكومة العراقية من خلال استدعاء قيادتها العسكرية إلى واشنطن والطلب منهم صراحةً بإغلاق حدودها مع سوريا وإبعاد المليشيات مسافة 50 كم على جانبي الحدود، بغية ربط منطقة قسد مع التنف وصولاً للسويداء، وحينها ادركت إيران جدية الموقف الأمريكي الجديد تجاهها، وبدأت بممارسة سياسة خلط الأوراق بافتعال المشاكل في منطقة دير الزور بتوجيه بعض زعماء العشائر الموالين للنظام للتصادم مع قسد بغية إرباك أمريكا في منع تنفيذ المخطط والتي تعني- إن نفذت – خروج سوريا ولبنان معاً من تحت العباءة الإيرانية وهذا ما لا تقبل به إيران مهما كانت التكلفة، لكن الخطوة الأذكى والأكثر إحراجاً للعرب وأمريكا هو تفجير الساحة الفلسطينية فكانت عملية حماس في السابع من تشرين الأول، ثم توجيه أنصارها في لبنان والعراق واليمن بتفعيل المشاكل ضد أمريكا وإسرائيل نصرةً لغزة(حسب زعمهم) ، وهذا ما يحصل اليوم من توجيه متعمد لدفة الصراع مع إيران إلى صراع عربي/ إسرائيلي وإظهار إيران كداعم قوي للقضية الفلسطينية في إرباك واضح للدول العربية التي تعاملت مع إسرائيل.
لكن في المحصلة فاللعبة الإيرانية باتت مكشوفة للكثير من هذه الدول ، ولن تنجرّ وراء العواطف الشعبية وتتورط في صراعٍ خطّط لها الآخرون بكلّ حنكة، كما أنّ أمريكا وعلى الرغم من أنها لا ترغب حالياً في تصعيد الصراع في المنطقة نتيجة الحرب الروسية/ الأوكرانية، الا أنها لن تتراجع عن استراتيجيتها الجديدة بالعودة للمنطقة وترتيب الأوضاع فيها من جديد بما يحقّق المصلحة الأمريكية ومصلحة حلفائها مهما كانت النتائج، وعليه نستطيع القول بأننا قد نشهد في الشهور القادمة المزيد من التوتر بين أمريكا وإيران في المنطقة، وقد تخرج الأوضاع عن السيطرة وتتحوّل من طوفان الأقصى إلى طوفان الشرق الأوسط.
المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “315”