الأزمة الاقتصادية والخطاب الأيديولوجي المرافق
هيئة التحرير….. بقلم: فرحان مرعي
تتعرّض سوريا عموماً إلى أسوأ أزمة اقتصادية وسياسية ، لم تمرّ بها منذ نشوء الكيان السوري بعد الحرب العالمية الأولى، بما فيها المناطق التي تحت سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي pyd، أو ما سميت بمناطق (الإدارة الذاتية) لشمال شرق سوريا، رغم أنّ هذه المناطق كانت إلى درجةٍ كبيرة بمنأى عن ويلات الحرب، حيث لم تتعرّض البنى التحتية إلى دمار، بل بقيت معظمها سليمة، لذا كان من المنطقي أن لا تشمل الأزمة هذه المناطق، كونها من أغنى المناطق في سوريا ، في ثرواتها الاستراتيجية، من الحبوب والنفط والماء، ومن أخصب الأراضي الزراعية، وتقع بين نهري دجلة والفرات ، واعتبرت سلة غذاء الشعب السوري، إلا أنّ هذه المناطق لم تسلم من الأزمات الاقتصادية والسياسية، والخدمية، وذلك بسبب سوء الإدارة، والتفرد بالسلطة، والدخول في حروب عبثية، ذات أجندات إقليمية ودولية.
وأولى هذه الأزمات، انهيار الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي، فالدولار الواحد، وصل إلى أكثر من، ١٤٠٠٠ ليرة سوريا ، مع ارتفاعٍ جنوني للأسعار وبشكل غير منضبط، ولا تتناسب مع دخل الفرد، حيث لا تتجاوز أعلى الرواتب في الدولة ٢٠ دولاراً، لا يكفي ليومين متتاليين ، ونهب الثروات الطبيعية، وافتعال الأزمات، مما أدّى إلى فقدان في المواد الأساسية، من مقومات الحياة اليومية، كالماء والخبز، ومصادر الطاقة، فتجاوزت الأوضاع، حافة الهاوية، ولم تعد تحتمل، مما دفع بالناس بالتفكير جدياً في البحث عن الطرق، للهروب من البلاد، بحثاً عن لقمة العيش، والأمان، والمغامرة بحياتهم عبر الحدود والبحار والغابات، فمات الألوف منهم، غرقاً وبرداً، وجوعاً.
وكما ذكرت آنفاً، أنّ افتعال الأزمات بات واضحاً، وممنهجاً، في ظلّ عدم وجود أية نية للإصلاح والتطوير، رغم توفر الإمكانيات لتحسين الظروف المعيشية والخدمية، إلا أنّ هذه الإدارة، مصمّمة على انهيار المجتمع، وضرب مقومات حياته، واللجوء إلى أساليب التقنين المفرط، دون مبرر سوى الايغال في إذلال الناس وتركيعهم، فلم يبقَ شيئاً لم يقنّن، سوى الهواء، رغم أنّ حصة الفرد من الهواء النظيف أصبحت معدومة، مع التلوث البيئي الناتج عن الاستخدام البدائي لتكرير النفط، وارتفاع نسبة الدخان الملوث والغازات السامة في الجو- دون أي اعتبار لصحة الناس، فكان الهم الوحيد الربح السريع ولو أدّى إلى الموت السريع- فكان انتشار الأمراض المميتة بين الناس، كالسرطانات، وأمراض القلب وغيرها، مع خطر هذه الغازات والدخان، على البيئة الطبيعية والزراعية ، والغطاء النباتي، والثروة الحيوانية، وازدياد مساحات التصحر.
بالتزامن مع هذه الأزمات، لا تكفّ القوى المسيطرة على المنطقة عن سرد خطابها المملّ والأيديولوجي، تحت شعارات مكافحة الإرهاب، والسؤال هنا : هل مكافحة الإرهاب تبرّر ترك المنطقة في أزماتها تغرق، مع توفر إمكانيات الإصلاح والتطور وتحسين الظروف المعيشية للناس؟.
فأمريكا لا تملّ من تكرار : نحن هنا لمحاربة داعش، ومنع إيران من الوصول إلى كامل سوريا، أو إلى المياه الدافئة؟.
وعند اللقاء مع الوفود الأوربية يكرّرون نفس الاسطوانة، ويقفزون على مطالب الناس الاقتصادية والخدمية، ويقولون هذه الأمور ليست من مهامنا، وأولوياتنا ؟.
بينما روسيا وإيران، هما طرفان أساسيان في تعميق الأزمة، بسبب تقاطع مصالحهما مع بقاء النظام السوري،بينما تركيا فإنّ هاجسها الأساسي أمنها القومي على الحدود مع سوريا والممتد إلى أكثر من٩٠٠كم، وتسويق المبررات لأجل ذلك للتدخل في الشأن السوري منذ اندلاع الثورة السورية.
أما خطاب pyd،الخشبي، الأيديولوجي، لا يختلف عن الخطابات الإقليمية والدولية، فلا يلتفت إلى هموم الناس ومعاناتهم، بل يعتبر مطالبة الناس بحقوقهم، تهمة، تهمة إضعاف العزيمة ضد داعش، بل يهدّد كلّ مَن يطالب بهذه الحقوق بالعقاب الجماعي، والتهديد بالسجن والنفي، قائلين: نحن في حالة الحرب، وأنتم تطالبون بالماء والكهرباء؟!
مما لا شكّ فيه أنّ محاربة الإرهاب وداعش، والتطرف، مهمة دولية وعالمية، ولكن محاربته لا تكفي بالأعمال العسكرية فقط، وإنما في تمكين المجتمعات وتطويرها، تعليمياً واقتصادياً، وتحسين مستويات المعيشة، لأنّ الإرهاب والتطرف لا ينموان ولا ينتعشان إلا في المجتمعات الفقيرة والجاهلة المحرومة من التعليم والثقافة، فالعلاقة طردية بين الطرفين فكلما تحسّنت الأوضاع الاقتصادية والتعليمية في المجتمع قلّ التطرف والنزاعات المسلحة، وبالعكس، لذلك فإنّ الحلّ السياسي في سوريا وبناء الدولة الديمقراطية، وإعادة البناء والأعمار، هو الحل الوحيد للقضاء على داعش، وكلّ المنظمات المتطرفة، وإنهاء التدخل الدولي فيها، وأيّ كلام عدا، ذلك ، مماطلة وتسويف، ومزيداً من الانهيار.
المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “315”