حزب العمال الكُردستاني ومبررات حمل الس–لاح
هيئة التحرير
بقلم: فؤاد عليكو
ما حفزني الى كتابة هذا المقال هو ما طرح علي من أسئلة في موقع باس نيوز في ٧/١/٢٠٢٤ حول الموضوع، وما أثار جوابي بضرورة تخلي ب ك ك عن السلاح خدمةً لمصلحة الشعب الكُردي من لغط، حيث فسّرها البعض من أنصار ب ك ك بأنّ الجواب لا يخدم الشعب الكُردي كما تدّعي، بل يخدم أعداء الشعب الكُردي ويريحهم، ويقصدون بذلك (تركيا) ؛ لأنّ سلاح pkk يعتبر عامل ردع لتركيا من القيام بممارساتها القمعية ضد الشعب الكُردي.
بالتأكيد هذا الجواب الكلاسيكي ليس غريباً بل ويعتبر مأوفاً بالنسبة لي من قبل بعض أنصار الحزب، وعادةً ما يترافق ذلك بكيل من الاتهامات هنا وهناك بحق كل مَن يتناول سياسة pkk بالنقد والتحليل الموضوعي، ومع ذلك بتُّ مقتنعاً أكثر من أي وقتٍ مضى بأنّ هذا السلاح أضحى عبئاً وعائقاً أمام التطور الإيجابي للقضية الكُردية في تركيا، عدا عن تأثيراتها السلبية الكبيرة في بقية أجزاء كُردستان، ولتوضيح وجهة النظر هذه، لابدّ من العودة قليلاً إلى الوراء وإلى ظروف تأسيس الحزب في السبعينات.
حيث وفي تلك الفترة كان العالم يُحكم من قبل قطبين أساسيين يتحكّمان بمصير العالم (حلف وارسو بقيادة الاتحاد السوفيتي) و (الحلف الأطلسي بقيادة أمريكا)، وكان الصراع بين القطبين على أشده في العديد من المناطق في العالم مروراً بآسيا وأفريقيا وانتهاءً بأمريكا اللاتينية، وكان متعارفاً بأنّ الاتحاد السوفيتي كانت تدافع عن حقوق الشعوب المضطهدة أو التي تدخل في صراع مع دول موالية لحلف الأطلسي ( فيتنام، أفغانستان، فلسطين، بوليساريو، انغولا، سلفادور، نيكاراغوا…… الخ).
ضمن هذه الأجواء من الصراع بين القطبين ولدت pkk في كُردستان تركيا، وبما أنّ تركيا دولة مؤثّرة وعضوة في الحلف الأطلسي وتحظى بدعمٍ مميز من جانب الحلف ؛ بسبب موقعها الجغرافي المحاذي للاتحاد السوفيتي،فمن الطبيعي أن يحظى الحزب الجديد بدعم المنظومة الشيوعية، كما أنّ الشعارات التحررية التي رفعتها pkk استقطبت الشارع الكُردستاني في الأجزاء الأربعة (تحرير وتوحيد كُردستان) و(إزالة الحدود الاستعمارية المصطعنة بين أجزاء كُردستان).
ولم يمضِ وقت طويل حتى كان الانقلاب العسكري في تركيا في أيلول ١٩٨٠ حيث زاد القمع بشكل لم يسبق له مثيل, مما اضطرّت معظم القوى السياسية التركية والكُردية إلى الهرب من جحيم قمع الانقلابيين، وأحتضن pkk من قبل النظام السوري والفلسطينيين في سهل البقاع ومن ثم البدء بالتحضير للكفاح المسلح بدعمٍ سوري/ ايراني/ فلسطيني ومن خلفهم الاتحاد السوفيتي.
وهكذا أعلن الكفاح المسلح في آب ١٩٨٤، ودخلت تركيا في حرب ضروس دُمرت خلالها الآلاف من القرى الكُردية، وذهبت ضحية الصراع أكثر من ٥٠ ألف شخص من الطرفين دون أن يحرز أي منهما نصراً على الآخر بشكلٍ عملي.
لكن وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي ١٩٩١ وصعود نجم الرئيس التركي توركوت اوزال الديمقراطي الذي حاول إيجاد حل للقضية الكُردية في تركيا من خلال وساطة الرئيس الراحل جلال الطالباني وكادت المحاولة أن تنجح لولا وفاته في ظروف غامضة، وعاد نزيف الدم من جديد في تركيا ولم يتوقّف، بالرغم من اعتقال زعيم الحزب عبدالله اوجلان شباط ١٩٩٩ ، حتى مجيء حزب العدالة والتنمية ٢٠٠٢ المنحدر من التيار الإسلامي في تركيا بطريقة ديمقراطية وعلى خلاف كبير مع القوى السياسية التركية القومية المتشددة .
وقد حاول الحزب منذ البداية الانفتاح على الشارع الكُردي، خاصةً وأنه استحوذ على أصوات كبيرة في المناطق الكُردية وتوّجت هذا الانفتاح بلقاء الرئيسين رجب طيب أردوغان ومسعود البارزاني في احتفال كبير بمدينة ديار بكر ٢٠٠٥ أعلن خلاله صراحةً بأنه سيحلّ القضية الكُردية في تركيا ديمقراطياً، وبهذا الخطاب رفع التابو عن اللغة الكُردية والإعلام الكُردي وافتتحت عدد لابأس من الأقنية التلفزيونية باللغة الكُردية إضافةً الى قناة حكومية ، كما وافتتحت معاهد لتدريس اللغة الكُردية في بعض الجامعات وتوّج هذا التطور الإيجابي على توقيع اتفاق بين الحكومة التركية ورئيس الحزب عبدالله اوجلان في آذار ٢٠١٣م، وشهدت تركيا بعد هذا الاتفاق نشاطاً سياسياً وثقافياً كُردياً ملحوظاً وتأسست أحزاب كُردية جديدة مستفيدةً من المناخ الديمقراطي المتاح.
كما شهدت المناطق الكُردية اهتماماً ونمواً في الجانب الاقتصادي بعد أن توفّر الأمن والاستقرار، كما حقّق حزب الشعوب الديمقراطي(hdp) استقطاباً شعبياً كبيراً وصل الذروة في انتخابات حزيران ٢٠١٥ حيث حصل على ٨١ نائباً في البرلمان التركي وأكثر من ١٠٠ بلدية منها ١٤ ولاية، حينها طلب رئيس الوزراء وقتئذ الدكتور داوود اوغلو المشاركة في الحكومة، لكن مع الأسف رفض الطلب دون مبررات مقنعة من أنصار الحزب، ثم تلا ذلك حادثتي جيلان بيار وسروج أدّى نتيجة ذلك الى نسف الاتفاقية وعودة العنف مجدداً وحتى اليوم.ثم امتدت دائرة العنف إلى كُردستان العراق و كُردستان سوريا، ولا أحد يتكهّن متى تنتهي هذه الحرب التي لاتخدم أحداً وتؤثّر سلباً على مجمل نشاط الحركة الكُردستانية.
لكن في الجانب الآخر نلاحظ أنّ التوجه السياسي الديمقراطي ل pkk في تركيا حقّق تقدماً ملموساً ولازال موجوداً بقوة في الحياة السياسية التركية ويوجد الآن ٦٧ برلمانياً في البرلمان التركي وفي يده العديد من البلديات، بينما أخفق في الجانب العسكري دون إحراز أي تقدم يذكر.
استنتاجاً لكلّ ما سبق أرى أنه من الأنسب ل pkk التخلي عن السلاح والعودة للاتفاقية الموقّعة بين الطرفين والنضال ديمقراطياً في تحقيق برنامجه الديمقراطي، خاصةّ وأنها تخلّت كلياً عن شعاراتها التأسيسية السابقة كالمطالبة باستقلال كُردستان واتباع نهج يطالب بالأمة الديمقراطية وأخوة الشعوب والمجتمع الايكولوجي الديمقراطي وأنّ الحالة القومية تجاوزها الزمن، وسواءً اختلفنا معهم أم اتفقنا، فإنّ هذا الطرح ينسجم تماماً مع النضال الديمقراطي ويتعارض كلياً مع الكفاح المسلح..
فهل نشهد في قادم الأيام أصواتاً من pkk ترجّح هذا الخيار،وتتخلّص من هذا الاسم الموصوف بالإرهاب أوربياً وأمريكياً والذي يقف عائقاً أمام أي تقارب مع القوى العالمية المؤثّرة على القرار الدولي إضافةً إلى أنّ المرحلة الحالية عالمياً تعزّز يومياً التوجه الديمقراطي وتفقد الحركات المسلحة دعمها الدولي والشعبي معاً،إضافة إلى أن التطور التكنولوجي في مجال الكشف عن المخابيء السرية وكذلك ظهور طائرات الدرون قد عقد العمل كثيراً على ممارسة اسلوب حرب العصابات في الجبال والغابات والمدن ، وبالتالي لم يعد أحد يمارس هذا الأسلوب من النضال سوى التيارات الدينية الراديكالية.
المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “316”