آراء

التنوع في ظلّ المنظومات اللادولتية في سوريا

عبدالله كدو

المنظومات اللّادولتية في مختلف مناطق سوريا التي فُرضت عليها سلطات الأمر الواقع بعد أن قُسمت إلى عددٍ من مناطق نفوذ – بعد لجوء النظام السوري إلى الحلول الأمنية العنفية بُعيد انطلاق الثورة السورية – تتجسّد في مجموعاتٍ مسلحة متسلطة، تتظاهر بلبوس عقائدي ديني أو سياسي، في أجزاء سوريا المتقطّعة الأوصال، كما في العراق ولبنان واليمن وغيرها .

من الجدير بالذكر أنّ تلك المنظومات اللادولتية انتعشت ،أكثر، مع بداية سلطة الخميني في نهاية سبعينيات القرن الماضي، حيث أخذت تتغذّى من أفكار وسلوك وأهداف جمهورية إيران الإسلامية، التي قال عنها المفكر السوري الراحل “إلياس مرقص” حينها ( مع بدء سلطة الخميني انتهت السياسة في المنطقة وبدأت مرحلة العنف، وبالتالي إذا أرادت الأحزاب السياسية أن لا تستسلم وأن تستمرّ في نضالها، فهي لا بدّ ستضطرّ لحمل السلاح، حفاظاً على بقائها).

  • من المعلوم أنّ لكلّ طرفٍ عنفي من تلكم الأطراف ذات السلطات اللادولتية العقائدية، سواءً الطائفية المذهبية أم السياسية، حاضنة مدجّنة مسكونة بفكر ( أيديولوجيا) معين مرتبط بعبادة الفرد، مطلوب منها أن تكون قطيعاً تتشابه أعضاؤه في الأقوال والأفعال العلنية، تتشابه كقِطَعٍ نقدية، تتشابه في السلوك والملبس وصولاً إلى طريقة الجلوس، ذلك في عقيدة عنفية دوغمائية( جامدة) تشطب التفكير الحر والمبادرات الفردية لدى الأفراد المنضوين في أطرها، أولئك الأفراد الذين يتنازلون عن أي حق في التعبير وعن أي خصوصية تُذكر للواحد منهم، وفي المقدمة إبداء النقد البنّاء، حيث أنّ صناعة القرار فيها، عملياً، تعود لقمّة الهرم القيادي فيها، التي لا يتعدّى عدد أعضائها عدد أصابع اليد الواحدة.

بالنظر إلى الآثار السلبية التي خلّفتها – ولا تزال – سطوة تلك المنظومة اللادولتية في فكرها وسياستها وفي ممارساتها، فإنّ المنطقة ستحتاج لعشرات السنين لتتمكّن من إزالة آثارها وتداعياتها، حتى تتمكّن من إعادة التنوع الطبيعي المسالم الذي كان سائداً فيها قبلاً، سواءً في المجتمع أو في الحزب السياسي الواحد، بعيداً عن قوة السلاح، أي لإعادة توفير المجال للاستنطاق السلمي لآراء ومشاعر بناتها وأبنائها دون خشية من مداهمة منازلهم ليلا أو ملاحقتهم على الطرقات لاختطافهم من قِبل ملثمين يتبجّحون، طوال النهار، بألفاظ عن الديمقراطية، ذلك في مشهد حزين لا يتعدّى حجم الحرية والديمقراطية فيها – في أفضل الأحوال – الحجم الذي كان متوافراً لدى ” اللجان الثورية” التي جمّد وقولب القذافي إرادة الشعب الليبي فيها، لعقود.

عشرات السنين قد نحتاجها لإنهاء الحالة القطيعية التي فُرضت بقوة السلاح والتجويع على منطقتنا بعد أن كانت قد قبلت بالتنوع السياسي والثقافي، على الأقل، إلى جانب الديني وسجلت تجربة لابأس بها في خمسينيات القرن الماضي، تلك الحالة القطيعية المستندة على الكسل الذهني المريع لأفراد يفوّضون- بالنتيجة – متزعميهم حق التفكير والاختيار بدلاً عنهم، ذلك في استثمار مزيف لمقدّسات أفراد المجتمع وجماعاته، سواءً تلك المقدسات الدينية أم القومية أم غيرها.

المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “317”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى