هل الوجود الأمريكي في شمال شرق سوريا يخدم الكُرد؟
فرحان مرعي
في أعقاب الثورة السورية، وإعلان دولة الخلافة الإسلامية (داعش) في الشام والعراق عام 2014 من الرقة إلى الموصل، تدخلت أمريكا في سوريا، وحصراً في شمال شرق سوريا ، ذلك ضمن مشروع تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ بين الأطراف المتداخلة في الشأن السوري باسم التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب (محاربة داعش) وفيما بعد تعزّز الوجود الأمريكي بالتحالف مع قوات سوريا الديمقراطية(قسد) كقوةٍ عسكرية كبيرة على الأرض عبر عشرات القواعد الأمريكية، ثمان وعشرين قاعدة، ونقاط تواجد، انتشرت من أقصى الشمال الشرقي في المثلث الحدودي بين تركيا وسوريا والعراق إلى معبر التنف “المثلث الحدودي بين العراق والأردن وسوريا” مروراً بقواعدها على الطريق الدولي ذي الأهمية الاستراتيجية M4 وتل تمر وتل بيدر والشدادي، وحول حقول النفط والغاز الغنية في محافظة ديرالزور، مشكلاً طوقاً عسكرياً حول هذه الحقول.
يقدّر عدد الجنود الأمريكيين في هذه القواعد بتسعمائة جندي .
الموقف الأمريكي المعلن، من تواجده في شرق الفرات، هو من أجل محاربة داعش وتطويق الوجود الإيراني الروسي في سوريا، أما الموقف السياسي الأمريكي، المضمر، من الأزمة السورية ومبرر التواجد الأمريكي، فهو ضبابي ومتردد، أي غير واضح المعالم، لذلك أعلنت الولايات المتحدة أكثر من مرة، عن طريق سياسييها وديبلوماسييها، عن نيتها في الانسحاب من سوريا، كما حصل في عهد ترامب قبيل الاجتياح التركي لرأس العين وتل أبيض في عام ٢٠١٩ ثم تراجعت عن موقفها، مدعية استمرار وجودها من أجل هزيمة داعش وملاحقة فلولها، وتعيد أمريكا في الآونة الأخيرة أسطوانة الانسحاب من سوريا، مع مطالبة الحكومة العراقية لها بالانسحاب من العراق نتيجة تعرض قواعدها في كلا البلدين، سوريا والعراق، للهجمات من المليشيات المتحالفة مع إيران .
ولكن السؤال المهم والمنطقي هو : ماذا قدّمت أمريكا للكُرد من خلال تواجدها ونفوذها في المنطقة، وبتحالفها مع قسد التي هي الواجهة العسكرية لحزب الاتحاد الديمقراطي PYD والذي هو بدوره الذراع السياسي لحزب العمال الكُردستاني/ التركي في سوريا.
تعلن أمريكا دائماً، أن تحالفها مع قسد، هو تحالف عملياتي، عسكري، لمكافحة داعش، وليس تحالفاً سياسياً، وخاصةً أنّ الاتحاد الديمقراطي، ومن خلال قسد، لا يشترط في تحالفه مع التحالف الدولي وأمريكا خاصةً، عن أيّ مشروع سياسي ذي طابع قومي كٌردي، وكذلك أنّ أمريكا ومن خلال سعيها من أجل إدارةٍ مشتركة لمكونات المنطقة، وبالأخص مع الحركة السياسية الكُردية ممثلة في المجلس الوطني الكُردي، لا تحمل مشروعاً سياسياً خاصاً بالكُرد، بل تسعى إلى إدارةٍ مشتركة ذات طابع جغرافي، اقتصادي، خدماتي، في منطقة غنية بثرواتها الباطنية والزراعية ، إلا أنها فشلت حتى اللحظة في هذا المسعى، رغم جولات عديدة من الحوارات بين المجلس الوطني الكُردي، والاتحاد الديمقراطي، PYD والأحزاب المؤتلفة معه (أحزاب الوحدة الوطنية،) بل تركت أمريكا الأمور على عواهنها، كما تركت إدارة المنطقة بيد جهة وحيدة، تتحكّم بها سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، مما خلق أزمات كبيرة في المنطقة، إلى أن تجاوزت الأمور حافة الانهيار، من كلّ جوانب الحياة، فانهارت مقومات الحياة اليومية، وتفشّى الفقر والجوع، وهاجرت غالبية السكان البلاد بحثاً عن الأمن ولقمة العيش، كلّ ذلك تحت سمع وبصر أمريكا وقوى التحالف الدولي.
وأكثر من هذا إنّ الوجود الأمريكي لم يمنع دولةً مثل تركيا من اجتياح مناطق كُردية في عفرين ورأس العين وتل أبيض – في وقتٍ لا تجرؤ تركيا على أي عملٍ عسكري دون موافقة، وضوء أخضر أمريكي، وبالتنسيق مع روسيا، وايران وعبر اتفاقيات سرية وعلنية ومقايضات معروفة على حساب الوجود الكُردي وما تبع ذلك من تداعيات خطيرة في تلك المناطق، من تهجير للسكان الأصليين وتغيير ديمغرافي وانتهاكات مستمرة ضد المدنيين، مع استمرار التهديد بالتوغل والقصف، مما يجعل أبناء المنطقة من المدنيين في حالة قلق وخوف مستمر، من أي عمل عسكري، ومن جهات مختلفة لا يحكمها القانون وسلطة الدولة ، ولكن قد يقول البعض إنّ الوجود الأمريكي، عامل ضمان للأمن والاستقرار النسبي، ومنع الفلتان الأمني، ولجم القوى المتطرفة من العبث بأمن المنطقة.
صحيح أنّ أمريكا قوة عظمى تستطيع ضبط التوازن بين أطراف الصراع المختلفة، وجعل هذا التوازن وايقاعه حسب مصلحته العليا ، لكنه في الواقع، وعلى الأرض، الأوضاع اليومية تظهر عكس ذلك، في استمرار الانهيار الاقتصادي، وتدني مستويات المعيشة، والهجرة، والتفتت الاجتماعي، وانهيار الخدمات والتوتر الإقليمي، لأنّ الدول المتصارعة على الساحة السورية لم تعمل، وخلال أكثر من عشر سنوات من تواجدها على الساحة السورية، سوى على نشر الفوضى والخراب وتدمير مقومات الدولة، حتى تحوّلت سوريا إلى دولة فاشلة، وتركها إلى مصير مجهول، لذلك ينتاب الناس مزيدٌ من القلق والخوف من هذا المصير المجهول ، فيما لو انسحبت هذه القوى، وخاصةً أمريكا، بشكلٍ مفاجئ من شرق الفرات، وتركه لقمة سائغة لقوى الفوضى والمليشيات والتطرف والتهديد الإقليمي .
في المحصلة هناك مصير مجهول ينتظر سكان المنطقة في ظلّ سلطات أمر الواقع والمليشيات العابرة للحدود، والقوى المحلية المسلحة وانتشار السلاح ، وفي وقتٍ لا ملامح قريبة لبناء سلطة دولة وطنية ديمقراطية منشودة ، تلك التي قدّم الشعب السوري من أجلها الدماء الكثيرة، والغالي والثمين.
المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “317”