اللاجئون السوريون في أوروبا يخشون مبادرة المناطق الآمنة في سورية
في الوقت الذي أظهرت فيه قبرص موقفاً صلباً لصالح تبني أوروبا إنشاء أو تحديد مناطق آمنة في سورية بهدف إعادة اللاجئين السوريين إليها، فإن التشيك، بدت هي من اتخذت على عاتقها حمل لواء مبادرة المناطق الآمنة في سورية أخيراً، والتي لا تحظى بدعم أوروبي واسع من قبل دول الاتحاد الأوروبي، فيما أثارت التحركات في هذا الاتجاه مخاوف اللاجئين في أوروبا، بمن فيهم أولئك الموجودون في قبرص. ومن غير المعروف الشكل الذي تتخيله التشيك للمناطق الآمنة في مبادرتها، لكن المخاوف أن يشابه التخيل الدنماركي لتلك المناطق، إذ ساد الرعب في أوساط اللاجئين السوريين في الدنمارك عندما صنفت الحكومة هناك (في 2019 و2023) أربع محافظات سورية هي: دمشق وريف دمشق واللاذقية وطرطوس، مناطق آمنة، مع بدء الإجراءات فعلياً لإلغاء إقامات السوريين المنتمين إلى تلك المحافظات، بنية إعادتهم إلى سورية.
ونقلت صحيفة ذا ناشيونال أخيراً عن مسؤولين تشيكيين أنه جار الإعداد لمهمة تقصي حقائق بقيادة تشيكية لإنشاء مناطق آمنة في سورية، مع تزايد الضغوط على اللاجئين في أوروبا والشرق الأوسط، وذلك بهدف إعادتهم إلى بلادهم. علماً أن الحديث عن مبادرة المناطق الآمنة في سورية ظهر في شهر إبريل/نيسان الماضي بحسب ما ذكر يومها موقع “كي نيوز” الإخباري القبرصي. وأفاد الموقع حينها بأن وزير الهجرة والاندماج الدنماركي كاري ديفيد بيك وزير الداخلية التشيكية فيت راكوسان وافقا خلال محادثات على فكرة إرسال بعثة مشتركة بين قبرص وجمهورية التشيك إلى سورية لجمع البيانات الأساسية لتحديد المناطق الآمنة.
الموقف من مبادرة المناطق الآمنة في سورية
وتواصلت “العربي الجديد” مع مكتب المتحدث الرسمي للمفوضية الأوروبية، للسؤال حول موقف الاتحاد الأوروبي من مبادرة المناطق الآمنة في سورية. وزود المكتب “العربي الجديد” بخلفية عن تصور الاتحاد لمفهوم “الدولة الثالثة الآمنة” (بلد خارج الاتحاد الأوروبي)، مشيراً إلى أنه في الوقت الحالي “لا توجد قائمة للاتحاد الأوروبي للبلدان الثالثة الآمنة”. وأوضح أن “توجيه إجراءات اللجوء (في المادة 38 منه) حدّد مفهوم الدولة الثالثة الآمنة على أنه المفهوم الذي يمكن تطبيقه على أساس كونه أحد أسباب عدم قبول طلبات الحماية الدولية بموجب المادة 33 (2) من التوجيه” (طلبات من وصل إلى دولة في الاتحاد الأوروبي عبر دولة “آمنة”). وبإمكان الدول الأعضاء في الاتحاد، وفق هذا التوجيه “إعداد قوائمها الخاصة، بشرط أن تمتثل للشروط المدرجة في توجيه إجراءات اللجوء، وتطبيقها في سياق التقييم الفردي لمقدم طلب محدد”.
ونوّه المكتب إلى أنه “كجزء من الميثاق الجديد (أقر في مايو/ أيار الماضي) بشأن الهجرة واللجوء، سيكون هناك صك قانوني جديد يحل محل هذا التوجيه، أي لائحة إجراءات اللجوء، ومع ذلك، فإن تقييم ما إذا كانت دولة ثالثة آمنة للعودة يخضع لتقييم فردي مع الأخذ في الاعتبار جميع العوامل والظروف”. وفي هذا السياق أوضح المكتب، أنه “من المهم توضيح فئة مواطني الدول الثالثة الذين سيتم إعادتهم والتي نتحدث عنها”، مضيفاً أنه “قد يؤدي هذا التقييم الفردي أيضاً إلى استنتاج مفاده بأن أجزاء من دولة ثالثة يمكن اعتبارها آمنة بالنسبة لمواطني الدولة الثالثة المعنيين، ولكن هذا الأمر متروك لسلطات الدول الأعضاء لتقييمه”.
وحول الإجراءات التي يمكن أن يلجأ إليها الاتحاد الأوروبي لتبديد مخاوف التشيك وقبرص وحتى إيطاليا بشأن مسألة تدفق اللاجئين، والمساهمة في حل المشاكل الحالية، أشار متحدث باسم المفوضية الأوروبية في الرد الذي وصل إلى “العربي الجديد” إلى أن “ميثاق الهجرة واللجوء، الذي دخل حيز التنفيذ في شهر يونيو/ حزيران الماضي، يحدد قواعد واضحة ومشتركة لضمان طريقة عادلة وحازمة لإدارة الهجرة”. وأوضح أن الميثاق “يوفر إطاراً قانونياً قوياً لضمان أن تتمتع كل دولة عضو بالمرونة اللازمة للتصدي للتحديات المحددة التي تواجهها، مع ضمان عدم ترك أي دولة عضو بمفردها تحت الضغط”.
ولفت إلى “هذا لن يمنع الحاجة إلى مواصلة التعامل مع تحديات محددة موجودة بالفعل الآن أو قد تنشأ في المستقبل، وستواصل المفوضية العمل على المسار التشغيلي، ودعم الدول الأعضاء، جنباً إلى جنب مع وكالات الاتحاد الأوروبي لإدارة الهجرة من خلال الإجراءات المستهدفة”.
ونوّه المتحدث إلى أنه “قد تم تطوير نهج شامل للعمل مع بلدان المنشأ والعبور (للهجرة)، إذ أطلقت المفوضية أربع خطط عمل للاتحاد الأوروبي- مع التركيز على طرق غرب البلقان ووسط البحر الأبيض المتوسط وغرب البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي وشرق البحر الأبيض المتوسط- مما يعزز دعم الاتحاد الأوروبي للدول الأعضاء من خلال مجموعة كاملة من التدابير السياسية والتشغيلية المتاحة للاتحاد الأوروبي”. بالإضافة إلى ذلك “ستعمل المفوضية على تعزيز التعاون مع البلدان الشريكة من خلال نهج جديد، يدمج الهجرة في الشراكات الدولية من أجل منع المغادرة غير النظامية، ومكافحة تهريب المهاجرين، وتعزيز التعاون بشأن إعادة القبول وتعزيز المسارات القانونية”.
وأشار المتحدث إلى أنه “مع إطار إعادة التوطين الجديد (جزء من الميثاق)، ستكون هناك قواعد واضحة لإجراءات موحدة بشأن إعادة التوطين والقبول الإنساني في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي، وبينما تظل الدول الأعضاء هي التي تقرر عدد الأشخاص الذين سيتم إعادة توطينهم كل عام، سيكون للاتحاد الأوروبي تأثير أكبر وسيكون قادراً على المساهمة بشكل جماعي وبصوت واحد في جهود إعادة التوطين العالمية”.
ولفت إلى “هذا لن يمنع الحاجة إلى مواصلة التعامل مع تحديات محددة موجودة بالفعل الآن أو قد تنشأ في المستقبل، وستواصل المفوضية العمل على المسار التشغيلي، ودعم الدول الأعضاء، جنباً إلى جنب مع وكالات الاتحاد الأوروبي لإدارة الهجرة من خلال الإجراءات المستهدفة”.
ونوّه المتحدث إلى أنه “قد تم تطوير نهج شامل للعمل مع بلدان المنشأ والعبور (للهجرة)، إذ أطلقت المفوضية أربع خطط عمل للاتحاد الأوروبي- مع التركيز على طرق غرب البلقان ووسط البحر الأبيض المتوسط وغرب البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي وشرق البحر الأبيض المتوسط- مما يعزز دعم الاتحاد الأوروبي للدول الأعضاء من خلال مجموعة كاملة من التدابير السياسية والتشغيلية المتاحة للاتحاد الأوروبي”. بالإضافة إلى ذلك “ستعمل المفوضية على تعزيز التعاون مع البلدان الشريكة من خلال نهج جديد، يدمج الهجرة في الشراكات الدولية من أجل منع المغادرة غير النظامية، ومكافحة تهريب المهاجرين، وتعزيز التعاون بشأن إعادة القبول وتعزيز المسارات القانونية”.
وأشار المتحدث إلى أنه “مع إطار إعادة التوطين الجديد (جزء من الميثاق)، ستكون هناك قواعد واضحة لإجراءات موحدة بشأن إعادة التوطين والقبول الإنساني في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي، وبينما تظل الدول الأعضاء هي التي تقرر عدد الأشخاص الذين سيتم إعادة توطينهم كل عام، سيكون للاتحاد الأوروبي تأثير أكبر وسيكون قادراً على المساهمة بشكل جماعي وبصوت واحد في جهود إعادة التوطين العالمية”.
ولفت إلى أن “الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تعهدت بتوفير 61 ألف مكان جديد لإعادة التوطين والقبول الإنساني للأشخاص المحتاجين إلى الحماية الدولية بموجب تعهدها الجماعي للفترة 2024-2025”. وبيّن أن “هناك 31 ألف مكان لإعادة التوطين، وسيتم تنفيذها بالتعاون الوثيق مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، و30 ألف مكان آخر لإعادة التوطين، وأخرى للقبول الإنساني”. وسيضاف هذا إلى “أكثر من 119 ألف لاجئ من الفئات الضعيفة والذين وجدوا بالفعل الحماية في أوروبا من خلال خطط إعادة التوطين في الاتحاد الأوروبي منذ عام 2015”. تلك التصنيفات سواء من قبل الدنمارك أو الوكالة الأوروبية للجوء وحتى دعوات قبرص لإعادة اللاجئين، قوبلت باستهجان منظمات حقوقية دولية وأوروبية، لا سيما بعد أن ألغت الدنمارك أكثر من 150 تصريح إقامة لسوريين ممن ينتمون إلى مناطق تصنفها آمنة ( بين 2019 و2023).
وبموازاة مبادرة المناطق الآمنة في سورية فإنه وفق أحدث استطلاع للأمم المتحدة، نفّذته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في 2023، فإن حوالي 1% فقط من المشاركين من اللاجئين السوريين أبدوا رغبة في العودة إلى سورية العام المقبل (2024)، وذلك في الغالب بسبب نقص فرص العمل في أماكن لجوئهم. وينفر اللاجئون السوريون من العودة بسبب الأوضاع الأمنية أولاً والمعيشية في مقام لاحق، فيما تقديرات الأمم المتحدة تشير إلى أن أكثر من 90% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر في بلادهم. في حين لا يبدي رئيس النظام السوري بشار الأسد رغبة بإعادة اللاجئين لأسباب سياسية وطائفية واقتصادية.
مخاطر على حياة اللاجئين السوريين
من جهته أشار الحقوقي سامر ضيعي، وهو المدير التنفيذي لرابطة المحامين السوريين الأحرار، والناشط في شؤون اللاجئين السوريين في أوروبا، إلى أن مبادرة المناطق الآمنة في سورية “بقيادة التشيك والمدعومة من قبرص تحمل مخاطر كبيرة على حياة اللاجئين وحقوقهم”. وأضاف في حديث لـ”العربي الجديد”، إلى أن “الوضع في سورية لا يزال بعيداً عن الاستقرار، مع استمرار العنف والانتهاكات في مناطق تحت سيطرة نظام (بشار) الأسد، بالإضافة إلى الأوضاع غير الآمنة في المناطق الخارجة عن سيطرته، سواء تحت سيطرة قوات المعارضة المتعددة أو مناطق قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة من التحالف الدولي، وهذه المناطق لا تزال تعاني من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان”.
وفي سياق مبادرة المناطق الآمنة في سورية نوّه ضيعي إلى أن “أي حديث عن مناطق آمنة سابق لأوانه وغير واقعي، وعودة اللاجئين يجب أن تكون طوعية، آمنة، وكريمة، بعد توفر بيئة آمنة مستندة إلى تقييم دقيق ومستقل للأوضاع الأمنية والإنسانية في سورية”. وأوضح أن “إعادة اللاجئين قسراً إلى بيئة غير آمنة تعني تعرضهم لمخاطر جديدة و انتهاكات محتملة لحقوقهم”. ولفت إلى أن “على المجتمع الدولي ودول الاتحاد الأوروبي تبني حلول عادلة ودائمة تتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، وضمان حماية اللاجئين من أي سياسات قد تعرّض حياتهم للخطر، وعلاوة على ذلك، نرى من الضروري أن تساهم دول الاتحاد الأوروبي في تقديم مبادرات تساهم في حل مشكلة اللاجئين السوريين في دول الجوار مثل لبنان وتركيا”.
وأشار إلى أن اللاجئين السوريين في تلك المناطق “يعانون من ظروف صعبة تهدد إعادتهم قسراً إلى سورية، ما يشكّل خطراً على حياتهم، إذ ينبغي العمل على تفعيل برامج إعادة التوطين ومنح حق اللجوء من خلال برامج المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، واستقبال اللاجئين السوريين من لبنان وتركيا إلى دول أوروبية لضمان حياة كريمة لهم وإبعادهم عن خطر الترحيل إلى سورية، البلد غير الآمن”.
وقرع اللاجئون في أوروبا ناقوس الخطر بشكل أكبر، حين أصدرت وكالة الاتحاد الأوروبي للجوء بداية العام الماضي تقريراً تضمّن تقييمات أشارت إلى أن محافظتي دمشق وطرطوس “لا يوجد فيهما خطر حقيقي لتعرض مدنيين لتأثر بشكل شخصي بالعنف العشوائي”، ما شجع قبرص، على سبيل المثال، على الطلب من الوكالة شمل محافظات أخرى ضمن هذا التصنيف.
وقبل مبادرة المناطق الآمنة في سورية دعت ثماني دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي (النمسا والتشيك وقبرص والدنمارك واليونان وإيطاليا ومالطا وبولندا)، في مايو الماضي، إلى إعادة تقييم الأوضاع في سورية، مما يسمح بإعادة اللاجئين إليها، على أساس أن الوضع في سورية شهد تطورات نحو الأفضل أخيراً. وفي اجتماع استضافته قبرص حينها، قال وزراء الخارجية في الدول الثماني، إنهم اتفقوا على عملية إعادة تقييم تفضي إلى “طرق أكثر فعالية للتعامل” مع اللاجئين السوريين، سواء بالنسبة إلى دولهم أو دول الاتحاد الأوروبي الأخرى.
وفي ظل الحديث عن مبادرة المناطق الآمنة في سورية تحدثت “العربي الجديد” مع العديد من اللاجئين السوريين في جزيرة قبرص، جميعهم رفضوا الإفصاح عن هويتهم لخوفهم من التأثير على وضعهم وأملهم بالحصول على فرصة اللجوء إلى دولة أخرى داخل الاتحاد. ومعظم من تحدثت إليهم “العربي الجديد”، إما خرجوا من لبنان أو من سورية أخيراً، بعد أن ضاقت بهم سبل الحياة في البلدين، فيما أشاروا جميعاً إلى أن الوضع الاقتصادي والاجتماعي والأمني في سورية في أسوأ حالاته منذ اندلاع الحرب، في حين أن العنصرية في لبنان، دفعت الكثير للبحث عن وجهة أخرى.
وصل مهند عبد المجيد، براً إلى اليونان عبر تركيا، قبل نحو 25 يوماً، حيث لا يختلف الحال كثيراً هناك عن حال اللاجئين في قبرص، فجميعهم هدفهم الوصول إلى عمق الاتحاد الأوروبي، لا سيما ألمانيا أو هولندا أو بلجيكا، والتوجه شمالاً نحو النرويج أو السويد. وقال عبد المجيد، في حديث لـ”العربي الجديد”: “خاطرت بنفسي ودفعت كل ما أملك حتى هربت من شبح الترحيل في تركيا إلى ما تصفه الحكومة التركية مناطق آمنة، ولن أقبل أن يقول لي أحد سنعيدك إلى منطقة آمنة في البلاد، طالما أن الحل السوري لم يكتمل، وطالما النظام الذي يقوده بشار الأسد لا يزال في الحكم”.
كما تواصلت “العربي الجديد” مع مجموعة من الشبان السوريين، الذين يلتقون بشكل شبه يومي بعد أن جمعهم اللجوء في هولندا، حيث باتت الوجهة المفضلة لطالبي اللجوء السوريين بعد ألمانيا، منهم أبو عثمان من عفرين بريف حلب، وحسن أبو محمود من ريف إدلب، وأحمد من حي القابون الدمشقي. ومن بين هؤلاء من حصل على الإقامة هناك ومنهم من ينتظر للتمكن من لم شمل العائلة، وجميعهم أصروا على أن البلاد لن تكون آمنة إلا بإقرار حل سياسي شامل. وقالوا إنهم يفضلون ركوب البحر مجدداً بحثاً عن وجهة أخرى في حال فرضت عليهم إعادتهم إلى مناطق يسيطر عليها النظام السوري.
العربي الجديد