آراء

انتخابات برلمان الاتحاد الأوروبي وصعود اليمين المتطرف

محمد إقبال داود

شهدت الانتخابات الأخيرة للبرلمان الأوروبي تقدماً كبيراً للأحزاب اليمينية المتطرفة والمشككة في الاتحاد الأوروبي، مما قد يؤدّي إلى سيطرة تحالف يميني شعبوي على البرلمان لأول مرة في تاريخه. جاءت هذه المكاسب في ظل موجةٍ من الاستياء العام تجاه القضايا الاقتصادية والهجرة والسياسات البيئية الصارمة وسياسات دول الاتحاد في الحرب الأوكرانية الروسية التي شكّلت استياءً شعبياً.

تأتي هذه الأحزاب بقوة في دول مثل فرنسا وإيطاليا وألمانيا، حيث تتصدّر الأحزاب اليمينية المتطرفة النتائج الانتخابية في هذه الدول الهامة داخل الاتحاد الأوروبي. هذا التصاعد يعكس تحولًا أكبر في الاتجاه السياسي داخل الاتحاد الأوروبي، حيث يعبّر الناخبون عن استيائهم من الوضع الراهن والسياسات التقليدية للأحزاب الحاكمة.

إنّ صعود اليمين المتطرف في أوروبا يمثّل تحدياً كبيراً لمستقبل الاتحاد الأوروبي، حيث يؤثّر على الوحدة والسياسات الداخلية والخارجية للدول الأعضاء. ومن أبرز التحديات التي قد تنجم عن هذه السيطرة هو التأثير المحتمل على سياسات الاتحاد الأوروبي المتعلّقة بالمناخ والهجرة. فقد تعارض هذه الأحزاب تنفيذ الصفقة الخضراء الأوروبية وتطالب بسياسات هجرة أكثر صرامة. وهناك عدة نقاط رئيسية يجب النظر إليها لفهم تأثير هذا الصعود:

١. *السياسات القومية والهجرة*

– اليمين المتطرف غالباً ما يتبنّى مواقف متشددة ضد الهجرة، مما يؤدّي إلى سياسات أكثر صرامة تجاه المهاجرين واللاجئين. وهذا يمكن أن يتسبّب في توترات بين الدول الأعضاء التي تتبنّى سياسات مختلفة بشأن الهجرة.

– النهج القومي المتشدد يمكن أن يؤدّي إلى تفكك الاتحاد، حيث تركّز الدول على مصالحها الوطنية بدلًا من التعاون الجماعي.

٢. *الشعبوية والاتحاد الأوروبي*

– الأحزاب اليمينية المتطرفة غالباً ما تكون مشكّكة في الاتحاد الأوروبي، حيث تدعو إلى تقليل صلاحياته أو حتى الانسحاب منه. وهذا ما يعقّد الجهود لتعزيز التكامل الأوروبي.

– كما أنّ الشعبوية تزيد من الاستقطاب السياسي داخل دول الأعضاء، مما يجعل من الصعب تحقيق توافق حول السياسات الأوروبية المشتركة.

٣. *الاقتصاد والسياسات الاجتماعية*

– السياسات الاقتصادية لليمين المتطرف قد تشمل تدابير حماية للصناعات الوطنية ورفض العولمة، مما يمكن أن يؤدّي إلى نزاعات تجارية داخل وخارج الاتحاد.

– التأثير على السياسات الاجتماعية يمكن أن يكون كبيراً، حيث قد تتبنّى هذه الأحزاب سياسات تقييدية بحقوق الأقليات والمهاجرين، مما يؤثّر على التماسك الاجتماعي داخل الدول الأعضاء.

٤. *السياسة الخارجية والدفاع*

– مواقف متشددة بشأن العلاقات الخارجية يمكن أن تؤدّي إلى تباينات في السياسة الخارجية بين الدول الأعضاء، مما يضعف موقف الاتحاد على الساحة الدولية.

– التعاون الدفاعي يمكن أن يتأثر إذا رفضت بعض الدول السياسات الدفاعية المشتركة التي يقترحها الاتحاد الأوروبي.

٥. *المستقبل السياسي للاتحاد الأوروبي*

– استمرار صعود اليمين المتطرف قد يؤدّي إلى زيادة الدعوات للاستفتاءات حول العضوية في الاتحاد، مثل ما حدث مع بريطانيا.

– إضافةً إلى أنّ تعزيز التيارات الشعبوية والقومية يمكن أن يضعف المؤسسات الأوروبية ويؤدّي إلى تغيرات هيكلية في كيفية عمل الاتحاد.

بصفةٍ عامة، فإنّ صعود اليمين المتطرف يشكّل تحدياً كبيراً للاتحاد الأوروبي، حيث يضعف الوحدة ويعقّد الجهود المشتركة للتعامل مع القضايا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

تيارات اليمين المتطرف في أوروبا تتنوّع في أفكارها وأساليبها، لكنها تتشارك في بعض السمات العامة مثل القومية المتشددة، معاداة الهجرة، والانتقادات الشديدة للعولمة. فيما يلي بعض الأمثلة البارزة على تيارات اليمين المتطرف في أوروبا:

١. *الجبهة الوطنية (فرنسا)*: بقيادة مارين لوبان، تعارض الجبهة الوطنية الهجرة وتدعو إلى تعزيز السيادة الوطنية والخروج من بعض التزامات الاتحاد الأوروبي.

٢. *حزب الحرية (النمسا)*: حزب يميني متطرف يدعو إلى سياسات صارمة ضد الهجرة واللجوء، وقد شارك في الحكومة النمساوية عدة مرات.

٣. *حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD)*: حزب يميني شعبوي ينتقد الاتحاد الأوروبي والسياسات المتعلقة بالهجرة، ويدعو إلى تعزيز القيم التقليدية الألمانية.

٤. *حزب رابطة الشمال (إيطاليا)*: بقيادة ماتيو سالفيني، يعارض هذا الحزب الهجرة ويدعو إلى تعزيز السلطات المحلية وتقليص صلاحيات الاتحاد الأوروبي.

٥. *حزب الفجر الذهبي (اليونان)*: حزب قومي يميني متطرف يمتاز بخطابه العنصري والمعادي للأجانب، وقد تمّ تصنيفه كمنظمة إجرامية من قبل القضاء اليوناني.

٦. *حزب الشعب الدنماركي (الدنمارك)*: حزب يميني يدعو إلى سياسات صارمة ضد الهجرة والحفاظ على الهوية الوطنية الدنماركية.

٧. *حزب فيدس (المجر)*: بقيادة فيكتور أوربان، يتبنّى سياسات قومية ويعادي الهجرة بشدة، ويعمل على تقليص تأثير الاتحاد الأوروبي على السياسات الوطنية.

٨. *حزب الديمقراطيين السويديين (السويد)*: حزب يميني متطرف يعارض الهجرة ويطالب بسياسات صارمة لحماية الهوية السويدية.

هذه الأحزاب والتيارات تتميّز بقدرتها على جذب الناخبين غير الراضين عن الوضع الراهن، سواء بسبب الأوضاع الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية، وغالبًا ما تستغلّ مشاعر الخوف والقلق لتحقيق مكاسب سياسية.

المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “322”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى