آراء

أزمة الطاقة في الجزيرة، هل هي مسألة تقنية أم سياسية؟

فرحان مرعي

نعني بالجزيرة السورية، المناطق الغنية بالنفط والغاز، وببلاد ما بين النهرين الدجلة والفرات، والمناطق الغنية بشعوبها، الكُردية والعربية والآشورية والسريانية وطوائفها الدينية المتنوعة، حيث لا مبرّر لسوء الأوضاع المعيشية، وإنهيار مقومات الحياة والخدمات والإدارة، إلا لسوء الإدارات والسلطات، وتفشي الفساد والنهب في صفوفها.

منذ بداية الثورة السورية، ومع تأزمها ، بدأت الأوضاع الاقتصادية بالإنهيار تدريجياً ، وتدنّت مستويات المعيشة إلى حد الجوع، وكان لمصادر الطاقة النصيب الأكبر من الإنهيار في مجالات الكهرباء والمحروقات، مثل المازوت والغاز وغيرها،و التي تشكّل عصب الحياة لدى الناس ، فكان لضرب هذا العصب زعزعة للوضع الاجتماعي، والعودة بالمجتمع إلى ما قبل عصر الكهرباء ، إلى عصر الحطب وروث البقر ومصابيح الكاز، رغم أنّ المنطقة، وخاصةً مواقع ومنشآت النفط والغاز والكهرباء، لم تتعرّض لأحداث الحرب والقصف والتدمير التي جرت في سوريا عموماً، لأنّ حمايتها أوكلت منذ البداية إلى قوات الحماية الشعبية العائدة إلى حزب الاتحاد الديمقراطي pyd ، وفيما بعد بسبب التواجد الأمريكي ضمن التحالف الدولي لمحاربة داعش، وكأنّ هناك – كما يبدو- اتفاق ضمني بين الدول المعنية بالأزمة السورية لمنع تعرض المنشآت النفطية لأعمال التخريب والقصف، باستثناء الخطوط البرية لنقل النفط من الحقول الأساسية إلى مصافي الدولة في الساحل السوري التي تعرّضت إلى أعمال القرصنة والتخريب، فلجأت السلطات المحلية بالتنسيق مع النظام إلى الوسائل الأخرى لنقل النفط عن طريق أساطيل من الصهاريج، والحرّاقات البدائية لتكرير النفط، ومع ذلك دخلت المنطقة في أزمة طاقة خانقة، فقطع الكهرباء عن مناطق واسعة، وتقنينها في مناطق أخرى، وتوفيرها في المربعات الأمنية، والمناطق ذات النفوذ، فعاد المواطنون إلى استخدام الوسائل البدائية للتدفئة واستخدام المولدات، واستمرّ الوضع بهذا الشكل إلى أعوام ٢٠٢٢، و٢٠٢٣، حيث تعرّضت المنشآت النفطية والكهربائية لعمليات قصف ممنهحة من قبل القوات التركية، فدخلت المنطقة في ظلامٍ دامس، دون أن يكون هناك رغبة حقيقية من قبل السلطات المحلية في إيجاد حلول لهذه الأزمة والتخفيف من معاناة الناس، وكأنهم يعاقبون أولئك الذين تشبّثوا بأرضهم ووطنهم، وفي ذات الوقت تمّت تغذية آبار النفط ومحطات التجميع بالكهرباء لاستمرار عمليات بيع النفط، بينما حرم البشر منها، في مفارقة غريبة، عندما يصبح النفط أغلى من الإنسان!!!!

يستنتج، من خلال الوقائع اليومية، أنّ المرحلة الأولى لخلق أزمة الطاقة بدأت مع بدايات الأزمة السورية، ومع تنفيذ مشروع التهجير والتغيير الديمغرافي في المنطقة، وكإحدى الوسائل التي تجبر الناس على ترك البلاد وهجرها إلى مناطق أخرى تتوفّر فيها متطلبات الحياة اليومية، أما المرحلة الثانية كان لها أهداف اقتصادية وصفقات تجارية، بدأت مع عمليات القصف التركي في عام ٢٠٢٣ على منشآت النفط ومراكز توليد الطاقة الكهربائية، وكان وراءها صفقات تجارية مشتركة بين أطراف متعددة، غايتها الإثراء غير المشروع لمجموعات المافيا الاقتصادية، فنشطت مباشرة أسواق الطاقة الشمسية والمولدات، كلّفت المواطنين أموالاً باهظة، كانوا بغنى عنها، لو أعيد ترميم وإصلاح آثار القصف.

في النهاية، مازالت أزمة الطاقة مستمرة، في كافة مصادرها، الكهرباء والمحروقات، رغم تشغيل معمل الغاز بمعظم طاقته، كما أنّ معظم آبار النفط تحت الخدمة، وأجريت صيانة على العنفات الغازية، والمواطن يسأل أين تذهب الكهرباء والمازوت، ولماذا تستمرّ الأزمة؟.

المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “323

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى