آراء

قراءة في مآلات التطبيع التركي – السوري

هيئة التحرير..
بقلم: إسماعيل رشيد

منذ بداية الأزمة السورية في عام 2011، وما رافقتها من تدخلات ومناطق نفوذ وتعدد الجولات الأممية حولها، فإنّ أكثر دولةٍ متأثرة بالملف السوري هي تركيا؛ نتيجة طول حدودها ومشكلة تدفق اللاجئين، ودعم التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لقسد التي تعتبرها تركيا جزءاً من منظومة العمال الكُردستاني، حيث تدرّجت العلاقات التركية – السورية من البحث أولاً عن الحل الدبلوماسي مروراً بمرحلة التصادم والتدخل، والبحث في الآونة الأخيرة عن التفاهم والتطبيع بعد ثلاثة عشر عاماً من الإخفاق الدولي والأممي لإيجاد حل للوضع السوري، حيث تعتبر تركيا أنّ جهود التطبيع مع سوريا هو للحفاظ على الأمن القومي التركي و ليس موجهاً ضد أي طرف بقدر ما هو ترتيب للأوراق مع أي طارئ أو تبدل في السياسة العالمية وبناء تحالفات جديدة .

ففي منتصف الشهر الجاري (سبتمبر) نشطت الدبلوماسية التركية وكثفت من مباحثاتها مع الجانب الأمريكي في العاصمة أنقرة، وأيضاً مع هيئة التفاوض السورية.

إنّ عملية التطبيع مع النظام السوري ليست بالأمر السهل، وتواجه تحديات وتعقيدات عدة، فما يطلبه النظام من تركيا هو الانسحاب من كامل الأراضي السورية، كشرط مسبق لأي حوار ، بالمقابل فإنّ تركيا تشترط على النظام إخراج قسد ومسميات أذرع ب ك ك من المنطقة، والطرفان مدركان تماماً صعوبة تنفيذ شرطيهما، كون تركيا تعرف تماماً أنّ النظام غير مؤهل وغير قادر لإخراج قسد المدعومة أمريكياً، حيث المنطقة هي منطقة النفوذ الأمريكية، والنظام يدرك أنّ تركيا لن تنسحب بدون التوصل لاتفاق أممي حول الوضع السوري.

تفيد المعلومات بأن النظام تخلّى مؤخراً عن شرط الانسحاب التركي لبدء الحوار، وأخذ يستخدم مصطلح (جدولة الانسحاب).

وإيران تخشى، من جانبها، من أنّ أي تطبيع بين دمشق وأنقرة قد يقوض النفوذ الإيراني في سوريا والمنطقة، لذا تتخوّف من أي عملية تقارب أو صيغة إعادة ترتيب أوضاع النظام السوري، حيث ترى فيها تهديداً لمصالحها الاستراتيجية التي عملت عليها منذ 13 عاماً، وخاصةً بعد التصعيد الإسرائيلي الأخير وتقويض قدرات حزب الله، ولهذا تفضّل إيران استمرار الأزمة التي تمنحها التدخل وزعزعة الاستقرار كخيار مفضل لديها وفق المنظور الحالي للمشهد السياسي السوري.

أما روسيا التي تلعب دور الوسيط بين النظام وتركيا، فهي تتخوّف كثيراً من فشل مساعيها للتطبيع بسبب الشروط التي تضعها تركيا، التي تراها روسيا بأنها صعبة منها، أمن الحدود و اللاجئين، ولازال الروس من أكثر داعمي النظام ويصفونه بالمنتصر خاصةً بعد الانفتاح العربي والأوربي عليه، بالمقابل فإنّ أمريكا أيضاً لديها مخاوف حول التقارب بين تركيا والنظام، وليس لديها جديد حول الملف السوري، فما يهمّها في هذه المرحلة ثلاث قضايا أساسية: الانتخابات الأمريكية، ملف أوكرانيا، حرب غزة وإسرائيل.

إنّ عملية التطبيع بين تركيا والنظام تواجهها عقبات عديدة، أهمها الموقف الأمريكي غير المتحمس والمتخوف من خلط الأوراق، ومفاجآت ميدانية، وخلخلة التوازن في المنطقة، في ظلّ الحماس التركي للقاء بين أردوغان والأسد والوصول لتفاهمات معينة، برغم أنّ بعض المراقبين يرون بأنّ الحوار بين تركيا والنظام لا يتعدّى حدود التفاهمات والتنسيق الأمني، ولا اتفاقات سياسية خارج العملية السياسية الأممية وخاصة القرار 2254.

ويبقى السؤال:
على ماذا تراهن تركيا في إصرارها على التطبيع؟ .

هل على تورط وضعف روسيا في أوكرانيا؟.

أم على بوادر خلخلة المنظومة الإيرانية في المنطقة، وربما فقدان بوصلتها، بعد استهداف وشلّ قدرات أكبر ميليشياتها تمرساً (حزب الله)؟.

أم المراهنة على الرئيس القادم للبيت الأبيض؟.

المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “324”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى