هيئة تحرير الشام” وفصائل سورية مسلحة تفتح جبهة شمال غربي سورية
بدأت “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) وفصائل المعارضة السورية، أمس الأربعاء، معركة واسعة النطاق غربي حلب، عقب تصعيد كبير من قبل قوات النظام السوري ومليشيات إيرانية ومحلية تساندها، من خلال قصف مدفعي وصاروخي على مدن وبلدات في محافظة إدلب، وأخرى في ريف حلب الغربي، أدّى إلى مقتل أطفال.
اشتعال جبهات غربي حلب
وتوالت التطورات الميدانية، أمس، مع إعلان غرفة عمليات “الفتح المبين” التي تضم “هيئة تحرير الشام” وفصائل المعارضة، بدء معركة “ردع العدوان”، عبر ضرب مواقع النظام السوري في محاور القتال في شمال غربي سورية. وعلى الرغم من التكتم على مجريات المعركة، إلا أن مصادر ميدانية غربي حلب أكدت لـ”العربي الجديد”، أن فصائل المعارضة تحقق تقدماً في منطقة قتبان الجبل بريف حلب الغربي، مشيرة إلى أن المنطقة شهدت اشتباكات عنيفة بين المتقاتلين منذ صباح أمس. وبيّنت المصادر أن هناك حالة استنفار في صفوف المقاتلين والتشكيلات العسكرية في شمال غربي سورية، مشيرة إلى أن القتال الآن يدور على محورين غربي حلب. وبيّنت أن الهيئة “تتخوف من رد فعل من الجانب الروسي يدفع ثمنها المدنيون وهو ما يفسّر ترددها في شنّ عمل عسكري تلوّح به منذ عدة أشهر”.
وذكرت مصادر في وحدات الرصد والمتابعة التابعة للمعارضة السورية لـ”العربي الجديد” أن فصائل المعارضة والهيئة سيطرت على عدد من البلدات في ريف حلب الغربي هي: قبتان الجبل، الشيخ عقيل، بالا، القاسمية، حور، جمعية العمري، السلوم، كربسين، حير دركل. كما أعلنت إدارة العمليات المشتركة عبر تطبيق تليغرام عن تمكن المقاتلين المشاركين في المعركة من السيطرة على بلدة عنجارة الاستراتيجية في ريف حلب الغربي بعد معارك عنيفة. كما تمكنوا من أسر خمسة عناصر لقوات النظام. ووفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، قُتل 57 مقاتلاً من الطرفين على الأقل وفق حصيلة أصدرها مساء أمس الأربعاء.
وقالت وسائل إعلامية مقربة من “هيئة تحرير الشام”، إن الهجوم جاء رداً على قصف النظام مناطق شمال غربي سورية. ونقلت عن مصادر عسكرية قولها: “الحشود العسكرية للنظام المجرم تهدّد أمن المناطق المحررة، وواجبنا الدفاع عن أهلنا في وجه هذا الخطر الوشيك الذي يستهدف وجودهم وأمانهم”.
من جهتها، واصلت قوات النظام السوري قصف مدن وبلدات في شمال غربي سورية، مستهدفة مدنيين، وفق الدفاع المدني التابع للمعارضة السورية الذي أفاد، أمس الاربعاء، بأن قوات النظام استهدفت أمس أحياء سكنية في مدينة إدلب، ما دفع السلطات المحلية إلى إغلاق المدارس والجامعات، خشية تعرّضها لقصف من قوات النظام. وقصفت هذه القوات أيضاً بلدة دارة عزة والأتارب ومناطق أخرى في ريف حلب، ما أدى إلى حركة نزوح واسعة النطاق. وأعلنت إدارة مستشفى باب الهوى توقف العمليات الباردة والعيادات الخارجية واستمرار عمل قسم الإسعاف حتى إشعار آخر نتيجة للظروف الميدانية الجارية.
وتعليقاً على معركة “رد العدوان”، رأى المحلل العسكري في مركز جسور للدراسات، رشيد حوراني، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “الساعات الأولى للمعركة تدل على تخطيط عسكري وإعلامي في الوقت نفسه”، مضيفاً: “هناك نتائج ميدانية سريعة حققتها الفصائل غربي حلب من خلال السيطرة على العديد من القرى، وأسر العديد من قوات النظام”. وتابع: “من الواضح أن الفصائل حدّدت محاور الهجوم بعد استطلاع قوات الخصم فيها، والتجهيز لها بما يتناسب مع هذه القوات وتوسيع المحاور في محاور لاحقة، وإدخال القوات على مراحل بالتعاون مع فصائل ريف حلب الشمالي، وكذلك تجهيز خطوط الإمداد والإخلاء”. كما رأى أنه “من الناحية الإعلامية، هناك خطاب متوازن موجه للداخل ولحاضنة الخصم من خلال دعوة جنود النظام إلى الانشقاق، واعتماد المركزية في النشر بما يخدم الأعمال القتالية الناشبة وللحفاظ على سلامة القوات المهاجمة”. وأعرب عن اعتقاده بأن أهمية المعركة “تتأتى من قدرة الفصائل على رفع جاهزيتها وقدراتها القتالية خلال الفترة الماضية، وإظهار نفسها أنها رقم لا يمكن تجاوزه في ما يدور في الساحة السورية خصوصاً، وما يدور على الساحة الإقليمية بشكل عام”.
هيئة تحرير الشام” تستغل تطورات المنطقة
من جهته، اعتبر الخبير العسكري ضياء قدور، في حديث مع “العربي الجديد”، أن المعركة هي التجلي الواضح للتغير الكبير الذي شهدته المنطقة في ميزان القوى والمعادلات الإقليمية في أعقاب اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ صباح أمس الأربعاء في جنوب لبنان. وتابع: شهدت المنطقة خلال عام ونيف الكثير من التطورات الحاسمة والخطيرة وتم إلحاق هزيمة استراتيجية بحزب الله، وتحول من جيش منظم إلى مجموعات مبعثرة من دون قيادة واضحة، ومن المهم بالنسبة للفصائل العسكرية أن تضمن ألا تتحول جبهات شمال سورية إلى جغرافيا بديلة لانتشار حزب الله وتحويلها لمواقع تهدد أمن واستقرار المناطق المحررة (شمال سورية)، لا سيما في أعقاب موجة مكثفة هي الأضخم من هجمات المسيرات الانتحارية ضد المدنيين الآمنين.
وحول رد الفعل الروسي المتوقع، رأى قدور أن “الطيران الروسي يشارك في عمليات القصف التي شهدتها المنطقة في أعقاب بدء عملية “رد العدوان” وهو ما سيفرض عقبات ميدانية وتكاليف بشرية، خصوصاً أن الطيران الروسي سيركز على استهداف الحواضن الشعبية خلف الجبهات العسكرية. وتابع: لكن في ظل غرق الروس في المستنقع الأوكراني، أعتقد أن الإجراءات العسكرية التي سيتخذونها من خلال سلاح الجو سيكون تأثيرها محدودا، وفي حال استمر الهجوم على نطاق مكثف وواسع ستحقق الفصائل مكاسب على الأرض، خصوصاً أن هناك دعما شعبيا خلف الجبهات.
ويحكم الشمال الغربي من سورية، حتى اللحظة، ما يُعرف باتفاق موسكو الذي أبرم بين الروس والأتراك في مارس 2020، والذي ثبّت وقفا لإطلاق النار، حيث لم تشهد جبهات القتال وخطوط التماس منذ ذلك الحين اشتباكات واسعة النطاق أو تحركاً من قبل أي طرف على الأرض. وكانت قوات النظام عزّزت نقاطها في الشمال الغربي من سورية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تحسباً لأي هجوم ربما يُشن عليها من قبل فصائل غرفة عمليات “الفتح المبين”، التي تضم “هيئة تحرير الشام” وفصائل معارضة تنشط في شمال غربي سورية.
وللجانبين، النظام السوري وفصائل المعارضة، مصلحة في تحريك الجبهات الباردة منذ نحو خمس سنوات، لتغيير خريطة السيطرة في المنطقة، فالنظام يريد التوغل شمالا لوضع يده على الطريق الدولي أم 4 بشكل كامل، بينما الفصائل تريد التوغل جنوبا وشرقا لاستعادة ثلاث مدن مهمة في ريف إدلب هي: سراقب، معرة النعمان، وخان شيخون، لإعادة أكثر من مليون نازح إلى ديارهم.
العربي الجديد