دور الكُرد في ظل التطورات الجارية في المنطقة
فؤاد عليكو.
في مقالنا السابق المنشور في جريدة يكيتي العدد ٣٢٥ تحت عنوان (العلاقات الامريكية/الإيرانية بين المد والجزر) توّصّلنا إلى خلاصةٍ مفادها ( إن قواعد اللعبة السياسية في المنطقة قد تغيّرت ،وإننا أمام تغييرات كبيرة غير مألوفةمنذ زمن بعيد).
والسؤال المطروح : أين نحن[ككُرد في الأجزاء الأربعة] مما يحصل الآن في المنطقة؟.
للإجابة على هذا السؤال، بدايةً لابدّ من الوقوف على نقاط ضعفنا وكيفية تلافيها أو معالجعتها ومن ثم الانطلاق منها بعد ذلك في رسم استراتيجية شاملة تاخذ مصلحة الشعب الكُردستاني الأساسية بعين الاعتبار في التعامل مع المتغيرات الإقليمية الجديدةوالحادة،
وبنظرةٍ موضوعية لتشخيص واقع القوى السياسية الكُردستانية على الساحة اليوم نلاحظ أنّ هناك ثلاثة أحزاب كُردستانية مؤثرة تتنازعهم خلافات حادة وهم الحزب الديمقراطي الكُردستاني-العراقpdk
والاتحاد الوطني الكُردستاني-العراقpuk
وحزب العمال الكُردستاني-تركياpkk ،كما أنّ لهذه الأحزاب الثلاثة امتدادات أو حلفاء في أجزاء كُردستان الأربعة ودول الشتات، وإذا ما أخذنا في الاعتبار التقارب الحاصل بين puk وpkk حالياً في مواجهة pdk فهذا يعني أننا أمام محورين كبيرين في الساحة الكُردستانية يؤثران سلباً على بلورة تفاهم كُردستاني مشترك مأمول في المدى المنظور.
ولتشيخص موقع كل محور راهناً نلاحظ مايلي:
– إن pdk وحلفائها من الأحزاب الكُردستانية في تركيا وإيران والمجلس الوطني الكُردي في سوريا لم يدخلوا مباشرة في المحاور الإقليمية ضد المحور الثاني ويحاول جاهداً الحفاظ على استقلاليته في التعامل مع القوى الإقليمية ويدفع احياناً اثماناً باهظة مقابل ذلك ،لأن الدول الإقليمية وخاصةّ التي تقتسم كُردستان لاتحبّذ مثل هذه العلاقة الندية بينها وبين أية قوة كُردستانية، بل كل ما تبتغيه هو علاقة تبعية مرهونة لسياستها وتخدم أجنداتها السياسية الظرفية لتتخلّى عنها فيما بعد بسهولة عندما تنتفي الحاجة لهذه العلاقة، ولنا تجارب تاريخية مريرة في هذا الشأن منذ قرن من الزمان.
– أما (pnkو pkk )فقد دخلا علناً في المحور الايراني في كلٍ من سوريا والعراق وإيران وقد تجلّى ذلك بوضوح في إقليم كُردستان العراق من خلال تحالف puk مع الإطار التنسيقي في مواجهة pdk في البرلمان والمحكمة الاتحادية، حيث تحوّل إلى أداة تنفيذية للإطار التنسيقي في تقديم الدعاوى الكيدية بحق الحزب مثل إقصاء السيد هوشيار زيباري من الترشح لرئاسة الجمهورية بدعوى مرفوعة من الاتحاد الوطني إلى المحكمة الاتحاديه، وكذلك رفع دعاوي إلى المحكمة الاتحادية بغية تقليص صلاحيات الإقليم مثل قرار توطين الرواتب وقرار إلغاء الكوتة للأقليات في برلمان الإقليم، وكذلك إشراف المركز(بغداد) على انتخابات الإقليم، إضافة إلى إطلاق الصواريخ من قبل الحشد الشيعي على الإقليم بين حين وآخر، وشاركت إيران في ذلك أيضاً في بعض المحطات وكذلك ضغطها بإبعاد القوات العسكرية للأحزاب الكُردستانية الإيرانية عن الحدود الإيرانية لشل حركتها نهائيا والتهديد بالدخول العسكري المباشر في حال لم ينفّذ ذلك، كذلك عطّلت pkk تنفيذ اتفاقية شنكال الموقعة مع الحكومة العراقية 2020 بدعم مباشر من الحشد الشعبي (الشيعي) وبذلك منع عودة 150 ألف شنكالي من العودة الى بيوتهم.
– وهكذا شهدت الأعوام الثلاثة المنصرمة أقصى سياسة للضغط على الإقليم بقيادة pdk بغية إنهاء دوره أو تفريغه من مضمونه لكن صمود قيادة الديمقراطي الكُردستاني والدعم الأمريكي المؤثر أفشل المخطط كثيراً.
– أما في سوريا وايران فقد مارس pkk من خلال أذرعها pyd و pjk ممارسة أقصى الضغوط. على الأحزاب الكُردستانية في البلدين للحدّ من نشاطها الجماهيري ولازال مستمراً.
– من خلال هذا الاستعراض المكثف ندرك عمق الخلافات بين المحورين، لكن المعالجة ليست بالمستحيلة أو مستعصية، خاصةً وأنّ عوامل جديدة طرأت على الساحة منذ حرب غزة 2023 عنوانها الأبرز تحجيم دور إيران،خاصةً في لبنان و سوريا والعراق، وهذا يعني إنهاء دعمها لأذرعها في هذه الدول وهذا ما يوفّر فرصةً مناسبة للمحور الكُردي الموالي لإيران التخلص من التزاماتها تجاه إيران وحلفائها في المنطقة.
– كما ظهرت مؤخراً تطورات غير متوقعة من إيران وتركيا الدولتان المؤثرتان بقوة على ملف القضية الكُردية، إذ لأول مرة يخرج الرئيس الإيراني (بزيشكيان) بالتحدث بطلاقة باللغة الكُردية أثناء حملته الانتخابية، كما زار بعد فوزه بأيام إقليم كُردستان العراق ولقائه مع قيادات الحزب الديمقراطي الكُردستاني وفي مقدمتهم الرئيس مسعود البارزاني، وهذا مؤشر قوي على فتحه صفحة جديدة مع الإقليم وهذا أيضاً عامل مساعد في التقارب دون اعتراضات ايرانية حادة.
– والتطور الثاني جاء من تركيا وعلى لسان زعيم الحركة القومية التركية ( بغجلي) والمعروف برؤيته المعادية لأي حل ديمقراطي للقضية الكُردية بالإعلان عن استعداده لاستقبال أوجلان في البرلمان التركي والتفاهم معه حول حل للقضية الكُردية ، شرط تخليه علناً عن السلاح،وقد دعم الرئيس التركي أردوغان هذا التوجه، ثمّ تبع ذلك تأييد أيضاً من زعيم حزب الشعب المعارض chp، كما لاقى هذا التوجه ترحيباً من اوجلان واعرب عن استعداده للتفاهم مع الدولة التركية، وهذا مؤشر قوى بأنّ هناك تحولاً ملفتاً لدى تركيا تجاه القضية الكُردية وأن هذا التحول لم يأتِ من فراغ وإنما مرتبط بالتغييرات التي تحدث في المنطقة ومحاولة جادة من تركيا لترتيب بيتها الداخلي (كُردياً) منعاً لأي استغلال من قبل قوى إقليمية أخرى ،خاصةً وإنّ إسرائيل قد أعلنت صراحةً وعلى لسان وزير خارجيتها الجديد جدعان ساعر بأننا سندعم الشعب الكُردي في تحقيق طموحاته وحقه في الحرية،وهذه رسالة واضحة موجهة لتركيا وإيران بالدرجة الأساس.
– من كل ما سبق نستنتج بأنّ القضية الكُردية خرجت من دائرتها الضيقة بين الدول التي تقتسم كُردستان إلى دائرة تجاذب بين عدة قوى إقليمية تتصارع على ساحة الشرق الأوسط حالياً، وهذا ما يتطلّب من القوى الكُردستانية المؤثرة الخروج أيضاً من دوائرهم الضيقة وخنادقها الحزبية والتفاعل مع المستجدات الجديدة بعقلية تغليب المصلحة القومية على الاعتبارات الحزبية والجلوس معاً على طاولة حوار ذي مروحة واسعة بغية الاتفاق على إستراتيجية كُردستانية موحدة تاخذ في الاعتبار خصوصية كل إقليم والانطلاق منها في التعامل مع القوى الإقليمية والدولية وفق تلك الاستراتيجية المتفقة عليها من قبل الجميع، ولعل العودة الى مشروع الرئيس مسعود البارزاني الذي أطلقه 2013 لتوحيد الطاقات الكُردستانية أكثر الحاحاً اليوم من اي وقت مضى ،كما أنه يوفّر الكثير من الجهد والوقت بدعوة نفس القوى السابقة لهذه الطاولة، لأنّ الظرف الدولي مناسب لإحراز تقدم ملموس والتقاط اللحظة التاريخية المناسبة مسؤولية الجميع .
المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “326”