القضية السورية بين الايديولوجيا والواقعية
عبد الله كدو
إنّ المتتبع لمواقف المعارضين الوطنيين السوريين حول حلّ القضية السورية وكيفية تحقيق الانتقال السياسي في سوريا، ربطاً بالمستجدات الإقليمية والدولية، ومنها نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة، يلاحظ بأنّ هناك تضخيم كبير من قبل البعض من أولئك، أفراداً و تجمعات، لمهمة السياسيين السوريين الذين يُناط بهم الدفع لتحقيق الانتقال السياسي، وفق القرارات الدولية ذات الشأن.
فهناك تيارات سياسية سورية معارضة، ليست فقط ميؤوسة ومحبَطة من دول الغرب ، إنما لا تخفي رفضها واستنكارها لها وعلى الملأ، فكراً وسياسةً ، كجزء من مبادئها الايديولوجية، ذلك في خطاب مفادهُ أنّ تلك الدول تقف إلى جانب النظام الحاكم ضد الشعب السوري وإنّ الثورة السورية مستهدَفة منها ، وعليه فهي، أي تلك التيارات، ترى أنّ تحقيق عملية الانتقال السياسي، في سوريا، تتطلّب التعبئة العامة والاستعداد لصراع طويل الأمد، للتغلب على كلّ تلك القوى المذكورة، وهذه – عملياً – ليست رؤية عامة الشعب السوري الذي انتفض ضد النظام لتحقيق الحرية والمساواة، ولو كانت لدى المنتفضين هكذا رؤية أو انطباع إزاء تلك القوى، لما أعلنوا ثورتهم، لأنّ الانتصار على هكذا كم ونوع من الأعداء المزعومين، ضمن ظروف الشعب السوري وإمكاناته، ضرب من الخيال.
وهنا لا بدّ من التأكيد على أنّ التوسيع المبالغ في أهداف الثورة ، وتضخيم عدد وتنوع أعدائها، إنما يستند على غاية أساسية ، وهي التحضير لتجيير الثورة السورية لمآرب أيديولوجية خاصة، ليس لعامة الشعب السوري فيها لا ناقة ولا جمل .
فالثورة التي بدأت جماهيرية واقعية سلمية لتحقيق الأهداف الوطنية المشتركة لعموم السوريات و السوريين، من شأن ربط مصيرها واحتمالات نجاحها، بقضايا خارج الحدود الوطنية لسوريا، تحت عناوين دينية أو قومية أو غيرها ، يعدُّ ربطاً خاطئاً وضاراً بالثورة ويصيب منها المقتل، حيث هو سعي جلي لاستثمار نضال الشعب السوري في سبيل تحقيق الديمقراطية والتعددية السياسية والقومية والدينية على الجغرافيا السورية، لصالح أجندات لا تصبّ في خانة المصالح و الأهداف التي رفعها ملايين المتظاهرين السلميين في الثورة ، إنما هي لغايات حزبية أو فئوية خاصة ، على حساب المصلحة الوطنية العامة المتمثلة بترسيخ الانتماء الوطني السوري الجامع لدى جميع السوريين و إقامة دولتهم الوطنية الديمقراطية الحيادية تجاه الأديان والقوميات، لتتسع لجميع بناتها وأبنائها، على قاعدة احترام مبادئ حقوق الإنسان والمواطنة المتساوية الحقوق والواجبات، وإيجاد الحلول المناسبة لجميع القضايا الوطنية، ومنها القضية الكُردية، كقضية وطنية بامتياز، وصيانة وحدة البلاد واستقلالها.
إنّ المبادئ التي انطلق منها الشعب السوري لإعلان ثورته في سياق ثورات الربيع العربي تستدعي السعي الحثيث لاستثمار التغييرات السياسية الآنية الجارية إقليمياً ودوليا ًفي خدمة تحقيق الانتقال السياسي، و تعزيز النشاط الديبلوماسي والعلاقات السياسية مع جميع الأطراف الإقليمية والدولية المعنية والفاعلة، وطمأنتها على أنّ سوريا الجديدة المنشودة ستكون إضافة مميزة لتحقيق المصالح المشتركة لشعبها مع شعوب الدول التي يمكنها أن تكون صديقة و شريكة في تحقيق الاستقرار والتنمية ونشر السلام لجميع شعوبها.
المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “326”