آراء

أحد عشر يوماً هزّت سوريا والمنطقة

هيئة التحرير..

بقلم: فؤاد عليكو

هذا العنوان مقتبس من عنوان كتاب “عشرة أيام هزّت العالم” للأمريكي جون ريد، الذي يصف فيه سقوط الإمبراطورية القيصرية الروسية المترامية الأطراف على يد البلاشفة بقيادة لينين، وكيف أنّ هذا السقوط قد غيّر وجه العالم السياسي برمّته. ومن هنا، يمكن القول إنّ سقوط دمشق وهروب الطاغية والمليشيات الإيرانية والعراقية وحزب الله والقوات الروسية دون مقاومة تُذكر من قبل منظمة مصنفة إرهابية من قبل المجتمع الدولي، وتقع في زاوية مهملة من الجغرافيا السورية، أذهل العالم أجمع، وقد يغيّر وجه الخارطة السياسية في الشرق الأوسط نظراً للأهمية الكبيرة للجغرافيا السورية بين اللاعبين الإقليميين والدوليين، كما تنبّأ بذلك نتنياهو أثناء حرب غزة 2023. وهذا ما يضعنا أمام تساؤلات كبيرة: كيف حصل ذلك؟ وكيف تمّ القضاء على أسوأ نظام دكتاتوري، مارس أسوأ الموبقات طيلة أكثر من نصف قرن، وحوّل سوريا إلى دولة أمنية بامتياز، ودمّر الحياة السياسية، وأحرق الأخضر واليابس طيلة أربعة عشر عاماً، وذهب ضحية هذا القمع العاري أكثر من نصف مليون شهيد، ناهيك عن الآلاف الذين قُتلوا تحت التعذيب في السجون المرعبة.

قد لا نستطيع الإجابة عن هذا السؤال اليوم. ولكن بالعودة إلى منطق التحليل الموضوعي، فإنّ حرب غزة في 7 تشرين الأول 2023 قد وضعت النظام أمام مفترقات طرق معقدة كان من الصعب الخروج منها معافى. فقد تعرّض النظام إلى ضغوط كبيرة من عدة أطراف متناقضة في مطالبها ورؤاها. فحليفه إيران طلب منه فتح جبهة الجولان أسوةً بحزب الله وانسجاماً مع مبدأ “وحدة الساحات”، لكنه لم يحرّك ساكناً وبقي متفرجاً تحت ضغوط عربية ودولية. كما أنّ الدول العربية مدّت له يد العون بإعادة العلاقات معه مقابل القيام بإصلاحات حقيقية تؤدّي إلى إنهاء الصراع الداخلي واستقرار الوضع في سوريا. لكنه وعد وماطل وأخلف بسبب ضغوط إيران، ولم يحرّك ساكناً. كذلك قامت روسيا بمبادرةٍ لتقريب وجهات النظر بينه وبين تركيا أملاً في حصول اختراق إيجابي في الملف السوري لما لتركيا من ثقل وتأثير على تيارات المعارضة السورية، لكنه أيضاً تهرّب من الموضوع وأفشل المساعي الروسية-التركية. وهكذا أغضب النظام حلفاءه من الإيرانيين والروس، ولم يتجاوب مع المبادرة العربية. وبالتالي نفض الجميع أيديهم من دعمه للبقاء، ناهيك عن الانهيار التام لمعنويات الجيش وعدم رغبته في الاستمرار في حرب عبثية لا نهاية لها ودون هدف سوى الدفاع عن بقاء الطاغية.

لكن كيف تمّ الاتفاق على أن تكون “هيئة تحرير الشام” هي المحرر والبديل؟ ومن هم أطراف هذا الاتفاق؟ هذا ما زال غامضاً، وقد يبقى كذلك لفترة طويلة دون معرفة حقيقة ما جرى. لكن الواقع والحقيقة أنّ الجولاني (أحمد الشرع) قد أصبح الحاكم الفعلي لسوريا. وعلينا تقبّل هذه الحقيقة، والعمل وفق هذا الواقع الجديد، وما يفرضه علينا من متطلبات جديدة في التعامل مع هذا الواقع، وما هي التحديات التي نواجهها كسوريين أولاً، وككُرد ثانياً؟

في الواقع النظري، هناك ترحيب كبير من معظم دول العالم ومن الشعب السوري بهذا التغيير الكبير، ما عدا أنصار النظام البائد وحلفاءه الدوليين، وخاصةً إيران. وفي الجانب الآخر، هناك خطاب دقيق ومتقن الإعداد من قبل قائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، يعِد بمستقبل واعد ومطمئن لكل المكونات السورية بالمشاركة في صناعة القرار السوري. لكن على الأرض، نلاحظ أنّ الأفعال والممارسات من قبل فريقه لا تسير بما ينسجم مع هذا الخطاب المريح. كذلك، فإنّ منح رتب عسكرية كبيرة لأنصاره دون أن يكونوا من العاملين في الجيش سابقاً أثار حفيظة وغضب معظم الفصائل الموجودة على الأرض شمالاً وجنوباً وشرقاً. كما أثار حفيظة آلاف الضباط المنشقين عن الجيش، الذين أحجموا عن الالتحاق بالجيش الجديد. كذلك، فإنّ الذهاب في أولى خطواته باتجاه تغيير بعض فقرات المناهج الدراسية بما يواكب النزعة الدينية التي يتبنّاها، أثار أيضاً حفيظة التيار الوطني الديمقراطي، الذي يحلم بدولة وطنية ديمقراطية، وشعر بأنّ هذه الأحلام قد تتبدّد من خلال بسط سيطرة هذا التيار المتشدد. ولهم مثال سيئ في تجربتهم مع إدلب، وينقلونها اليوم إلى كلّ سوريا. وهذا يعني أنّ السيد أحمد الشرع بخطابه المرن يلعب على عامل الوقت، بينما على الأرض يمارس سياسة التمكين الدينية العقائدية الإخوانية، وتهميش كلّ القوى السياسية السورية الديمقراطية، بل وتجاوزها مستقبلاً كما فعلوا ذلك في إدلب. وتبدأ سياسة التمكين في السيطرة على الجيش وقوى الأمن الداخلي والجهاز الأمني والقضاء والتعليم، يقيناً منهم بأنّ هذه هي المفاصل الأساسية في الدولة التي من خلالها تتحقق سياسة التمكين.

لذلك، يتوجّب على القوى الديمقراطية التنبه لهذا الوضع الخطير ، والتحرك بالضغط على السلطة الجديدة ، ومطالبتها بتحقيق جملة من الإجراءات التي من شأنها تحقيق أماني السوريين في الحرية والكرامة والدولة الوطنية، وفق معايير منهجية علمية واضحة تشمل جميع السوريين. ومن هذه الإجراءات:

  1. حيادية الجيش والشرطة والأمن والقضاء، وعدم السماح لهم بممارسة العمل السياسي وهم على رأس عملهم.
  2. عدم السماح بأدلجة التعليم في كل مراحله على أسس عقائدية.
  3. التأكيد أنّ الانتقال من الفوضى إلى الاستقرار لا يعني أن تحضّر السلطة المؤقتة نفسها كسلطة دائمة، وإنما يتطلّب منها العمل الجاد نحو التشاركية مع جميع أطياف ومكونات الشعب السوري في المرحلة المقبلة.
  4. التحضير الجيد لمؤتمر وطني جامع يشارك في إعداده جميع المكونات السورية دون إقصاء أحد، وينبثق عنه مجلس تأسيسي لإعداد دستور جديد لسوريا الجديدة.
  5. إلى حين إنجاز الدستور الجديد، يحتاج الأمر إلى حكومة مرحلية شاملة وإعلان دستوري مؤقت للعمل به منعاً للفوضى في ظلّ الفراغ الدستوري.

أما كُردياً:

فقد دخلنا مرحلة استحقاق الحقوق القومية، وهذا ما يتطلّب من الحركة الكُردية التحضير الجيد لها. ولن يتمّ ذلك إلا بالإعداد لوفد كُردي موحد ، ووفق رؤية كُردية موحدة، تعبّّر بوضوح عن تطلعات الشعب الكُردي. وبدون ذلك، قد تضيع فرصة تاريخية قد لا تتكرّر.

المقالة منشورة في جريدة يكيتي العدد 328

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى