الحزام العربي أكبر تحدي للسلطة الجديدة في دمشق.
نقلاً عن كتاب (الحزام العربي في الجزيرة – سوريا)، للكاتب الراحل عبد الصمد داوود-
ما هو الحزام العربي؟
يُطلق اسم الحزام العربي على عمليّة التغيير الديموغرافي وعملية التّعريب التي نفّذتها الحكومة السورية في الجزيرة العليا (محافظة الحسكة) سنة 1974، عبر الاستيلاء على أراض زراعيّة تعود ملكيتها لعشائر وآغوات وفلّاحين من الكُرد، على طول الشّريط الحدوديّ بين سوريا وتركيا في محافظةِ الحسكة، ذات الأغلبيّة السّكانيّة الكُرديّة، ومَنحها لفلّاحين من العرب، تمّ جلبهم من محافظَتي الرّقة وحلب، بعد أن غُمِرَت أراضيهم بمياه بحيرة سد الفرات. الذين عُرِفوا لاحقاً باسم “المغمورين”.
يصلُ طول الحزام العربيّ إلى (275) كيلو متر، وبعمق يصل في أقصى نقطةٍ له إلى (15) كيلو متر، ممتدّاً من مدينة ديرك/ المالكيّة إلى مدينة سري كانيه/ رأس العين، وهي المناطق الّتي تُعرف محليّاً بأراضي خطّ العشرة، وتعتبر من الأراضي الخصبة زراعيّاً، وكلّ القُرى فيها للعشائر الكُرديّة الّتي تربطهم صلات قُربى مع العشائر الكُرديّة في الجهة الثّانية ضمن الحدود التركيّة.
كيف نُفِّذ المشروع؟
في شهر حزيران/ يونيو من عام 1974، بدأت الحكومة السّوريّة بإعداد قوائم، سجّلت من خلالها أسماء الفلاحين العرب الذين سيتمّ نقلهم إلى محافظة الحسكة من مدينة الطبقة. بعد ذلك، بدأت عمليات نقل الفلاحين بموجب القرار (521) الصادر عن القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي.
تكفّلت الحكومة السورية بكامل مصاريف نقل الفلاحين العرب إلى محافظة الحسكة، وبتكاليف بناء القرى لهم على الشريط الحدودي، كما قامت الحكومة السورية بتوفير الحراسة المشددة لهم عبر الأفرع الأمنية التابعة لها في محافظة الحسكة، تحسباً لأي هجمةٍ محتملة من العشائر الكُردية الذين استُولِيَ على أراضيهم.
اتّخذ جابر بجبوج وعبد الله الأحمد، عضوي القيادة القطرية لحزب البعث، والمشرفان المباشران عن تطبيق مشروع الحزام العربي في محافظة الحسكة، مركز البحوث العلمية الزراعية في قرية هيمو بريف مدينة قامشلو/ القامشلي، مقرّاً لهم، وبدأوا بتوجيه عناصر الأمن والأجهزة الحكوميّة في المحافظة بتطبيق كافّة الإجراءات المترتّبة على نقل وتثبيت أماكن “المغمورين”.
في بادئ الأمر، وضعت الحكومة السورية المغمورين في خيم تمّ نصبها حول الأراضي الزراعية التي استولت عليها، وجّهّزت لهم كامل المعدات والمستلزمات الضرورية لاستكمال عملية بناء القرى. ومن العشائر التي وصلت إلى محافظة الحسكة خلال هذه العملية كانت: البوشعبان وعجيل والجعابات والناصر والعامر والبوسرة والحويوان والمغلظان، وكلها تنتمي إلى عشائر الوِلدَة، وكانت تملك قُرى على طرفي نهر الفُرات في محافظة الرقة.
منحت الحكومة السورية الأراضي إلى تلك العشائر العربية القادمة إلى محافظة الحسكة اعتماداً على النسبة المطرية. حيث منحت مساحات وصلت إلى (150) دونماً بدءاً من مدينة ديرك/ المالكية، وتصاعدت حتّى وصلت إلى مدينة سري كانيه/ رأس العين، الّتي مُنح فيها المغمورين (300) دونماً.
بلغ مجموع الأراضي الزراعيّة التي سُلبت من الفلاحين الكُرد ومنحت للمغمورين، أكثر من ثلاثة ملايين دونم على طول الشريط الحدودي. فيما بلغت عدد العوائل العربية التي استفادت من هذه الأراضي الزراعية أكثر من (4000) آلاف عائلة، بمجموعٍ بشري وصل إلى أكثر من (40) ألف نسمة. شكّلت هذه العوائل، في وقته، حوالي (6%) من مجموع سكان محافظة الحسكة.
ما هو دور محمد طلب هلال؟
محمد طلب هلال، ضابط في وزارة الداخلية السورية، أنهى خدمته برتبة عميد متقاعد. تخرّج برتبة ملازم أول عام 1961 في عهد الانفصال. واستلم منصب رئيس شعبة الأمن السياسي في محافظة الحسكة. تولّى مناصب عسكرية وسياسية مهمة في سوريا، واستلم العضوية المؤقتة للقيادة القطرية في حزب البعث العربي الاشتراكي.
تقلّد منصب نائب رئيس مجلس الوزراء ووزيراً للزراعة في عام 1970. كما تولّى منصب رئيس مجلس الوزراء ووزيراً للصناعة عام 1971، كما كان سفيراً لسوريا في بولندا بين عامي 1972 و1979.
أعدّ محمد طلب هلال، دراسة بعنوان: “دراسة عن محافظة الجزيرة من النواحي القومية، الاجتماعية، السياسية”. خلال هذه الدراسة تحدّث عن التحولات التي طرأت على القضية الكُردية خلال قرن من الزمن، والتأثيرات الإقليمية على القضية، وأوضاع وأحوال الكُرد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، والمسؤولين البارزين لدى الكُرد، وعلاقات الكُرد مع الدول الأوروبية، واستخلص في نهاية دراسته إلى اقتراح مجموعة من المقترحات، تحدّثت بعض هذه المقترحات بشكلٍ واضح عن ضرورة تطبيق مشروع الحزام العربي، وهي:
1. إسكان عناصر عربية وقومية في المناطق الكُردية على الحدود، فهم حصن المستقبل، ورقابة بنفس الوقت على الأكراد، ريثما يتمّ تهجيرهم، ونقترح أن تكونَ هذه من القبائل العربية المضمونة قومياً مئة بالمئة.
2. جعل الشريط الشمالي للجزيرة منطقة عسكرية كمنطقة الجبهة، بحيث توضع فيها قطعات عسكرية مهمتها إسكان العرب، وإجلاء الأكراد، وفق ماترسم الدولة من خطة.
3. إنشاء مزارع جماعية للعرب الذين تسكنهم الدولة في الشريط الشمالي، على أن تكون هذه المزارع مدرّبة ومسلحة عسكرياً.
قانون الإصلاح الزراعي؟
أصدرت الحكومة السورية في يوم 11 من الشهر السادس عام 1958، قانون الإصلام الزراعي، الذي حمل الرقم (161)، وتألّف من (33) مادة.
جاء في المادة الأولى من القانون فيما يخصّ محافظة الحسكة، ما يلي: تحديد المساحات البعلية والمروية، للملاكين الكُرد وحسب الخطوط المطرية.
كما منح القانون في المادة الثّانية الحقّ لصاحب الأرض من التنازل لكلٍّ من أزواجه وأولاده بما يعادل 8% فقط من المساحة التي يحقّ له الاحتفاظ بها.
تقول المادة الخامسة من القانون:
(تستولي الدولة خلال السنوات العشرة التالية لتاريخ العمل بهذا القانون على ما يجاوز الحد الأعلى المبين في المادتين الأولى والثانية وتعتبر الدولة مالكة للأرض المستولى عليها المحددة بقرار الاستيلاء النهائي وذلك من تاريخ قرار الاستيلاء الأولي ويصبح العقار خالصاً من جميع الحقوق العينية والإشارات والحجوز وحقوق المستأجرين وكلّ منازعة بين أصحاب العلاقة تنقل إلى التعويض المستحق عن الأراضي المستولى عليها وتفصل بها الجهات المختصة).
كما ذكرت المادة التّاسعة من القانون، أنّ كلّ مَن تستولي الدولة على أرضه، وفقاً لأحكام المادة الأولى الحق في الحصول على التعويض، ويحسب التعويض على أساس عشرة أمثال متوسط، بدل إيجار الأرض لدورة زراعيّة لا تتجاوز ثلاث سنوات أو حصة المالك منها. (لم يحصل أصحاب الأراضي المستولى عليها على التعويض).
في عام 1963، أصدرت الحكومة السورية المرسوم التشريعي رقم (1109)، والّذي ضمّ اللائحة التنفيذية لقانون الإصلاح الزراعي الصادر عام 1958، ووضعت آلية تنفيذه.
جاء في المادة الأولى للمرسوم:
“على كلّ مالكٍ لأرض زراعية أينما كان موقعها ومهما كان سبب ملكيته لها أن يتقدّم بالبيانات المشار إليها رقم 161 لعام 1958 المعدل بالرسوم التشريعي رقم 88 تاريخ 23/6/1963، وتحدّد المدد التي يجب خلالها تقديم هذه البيانات كما يلي:
1- شهران اعتباراً من تاريخ صدور هذا المرسوم سواءً بالنسبة للأراضي المشار إليها في المادة الأولى من المرسوم التشريعي رقم 88 لعام 1963 التي لا تحتاج في تحديد مناطقها إلى قرارات من مجلس إدارة مؤسسة الإصلاح الزراعي أم الأراضي التي سبق تحديدها بمثل هذه القرارات.
2- شهران اعتباراً من تاريخ صدور قرارات مجلس إدارة مؤسسة الإصلاح الزراعي للأراضي المبينة في البند ثانياً من المادة الأولى من المرسوم التشريعي رقم 88 لعام 1963 والتي لم تحدد مناطقها بعد”.
لم يتمّ تطبيق قانون الإصلاح الزراعي في محافظة الحسكة، كما جاء في بنوده، فعمليات الاستيلاء على الأراضي كانت تقوم على أساس سلب أراضي الكُرد ومنحها للعرب وخصوصاً على الشريط الحدودي، ولم تقم الحكومة السورية بتقديم أي تعويض للفلاحين، كما أنها لم تمنح أي قطعة أرض لفلاحي محافظة الحسكة الذين لا يملكون أراضي زراعية، وإنما تمّ منحها لعوائل خارج المحافظة.
في عددٍ من القرى استولت الحكومة السورية على أراضي زراعية أكثر مما ينصّ عليه القانون، واستولت على أراضي زراعية لفلاحين كُرد لا يشملهم القانون.
ما هي قُرى الغمر في محافظة الحسكة؟
أولاً: في مدينة قامشلو/ القامشلي، قامت الحكومة السورية ببناء 12 قرية. تبدأ هذه القرى من بلدة تربه سبيه/ القحطانية، وصولاً لقرية غزالة على طريق عامودا. هذه القرى هي:
قرية المناذرة: (24750 دونم)، (لكل عائلة 150 دونم)، (165 عائلة مستفيدة).
قرية الحرمون: (21600 دونم)، (لكل عائلة 150 دونم)، (144 عائلة مستفيدة).
قرية القحطانية: (16950 دونم)، (لكل عائلة 150 دونم)، (113 عائلة مستفيدة).
قرية حلوة: (25200 دونم)، (لكل عائلة 150 دونم)، (126 عائلة مستفيدة).
قرية التنورية: (30600 دونم)، (لكل عائلة 200 دونم)، (153 عائلة مستفيدة).
قرية أم الفرسان: (31000 دونم)، (لكل عائلة 200 دونم)، (124 عائلة مستفيدة).
قرية هيمو: (30600 دونم)، (لكل عائلة 200 دونم)، (124 عائلة مستفيدة).
قرية الثورة: (6800 دونم)، (لكل عائلة 200 دونم)، (34 عائلة مستفيدة).
قرية الحاتمية: (22400 دونم)، (لكل عائلة 200 دونم)، (112 عائلة مستفيدة).
قرية أم الربيع: (12400 دونم)، (لكل عائلة 200 دونم)، (62 عائلة مستفيدة).
قرية البهيرة: (21800 دونم)، (لكل عائلة 200 دونم)، (109 عائلة مستفيدة).
مستوطنة/الجابرية: (20800 دونم)، (لكل عائلة 200 دونم)، (104 عائلة مستفيدة).
ثانياً: في مدينة ديرك/ المالكية. تمّ بناء (12) قرية، ابتداءً من الضفة الشرقية لنهر دجلة، إلى الغرب من ريف المدينة. القرى هي:
– قرية عين الخضراء: (23847 دونم)، (لكل عائلة 150 دونم)، (159 عائلة مستفيدة).
– قرية تل الصدق: (15823 دونم)، (لكل عائلة 150 دونم)، (105 عائلة مستفيدة).
– قرية الصحية: (14855 دونم)، (لكل عائلة 150 دونم)، (99 عائلة مستفيدة)
– قرية المصطفاوية: (25676 دونم)، (لكل عائلة 150 دونم)، (171 عائلة مستفيدة).
– قرية تل آعور: (27750 دونم)، (لكل عائلة 150 دونم)، (185 عائلة مستفيدة).
– قرية الحمراء: (15735 دونم)، (لكل عائلة 150 دونم)، (105 عائلة مستفيدة).
– قرية الجوادية: (3327 دونم)، (لكل عائلة 56 دونم)، (60 عائلة مستفيدة).
– قرية شبك: (8120 دونم)، (لكل عائلة 56 دونم)، (145 عائلة مستفيدة).
– قرية تل علو1: (6788 دونم)، (لكل عائلة 54 دونم)، (125 عائلة مستفيدة).
– قرية تل علو 2: (9288 دونم)، (لكل عائلة 54 دونم)، (172 عائلة مستفيدة).
– قرية توكل: (21540 دونم)، (لكل عائلة 150 دونم)، (143 عائلة مستفيدة).
– قرية معشوق: (16696 دونم)، (لكل عائلة 150 دونم)، (111 عائلة مستفيدة).
ثالثاً: في منطقة سري كانيه/ رأس العين. قامت الحكومة السورية ببناء (15) قرية. هي:
قرية تل تشرين: (27500 دونم)، (لكل عائلة 200 دونم)، (120 عائلة مستفيدة).
قرية القنيطرة: (21500 دونم)، (لكل عائلة 200 دونم)، (106 عائلة مستفيدة).
قرية القيروان: (21500 دونم)، (لكل عائلة 200 دونم)، (135 عائلة مستفيدة).
قرية ظهر العرب: (20500 دونم)، (لكل عائلة 200 دونم)، (102 عائلة مستفيدة).
قرية الأسدية: (23750 دونم)، (لكل عائلة 250 دونم)، (95 عائلة مستفيدة).
قرية برقة: (13570 دونم)، (لكل عائلة 250 دونم)، (56 عائلة مستفيدة).
قرية تل الحضارة “1-2”: (16800 دونم)، (لكل عائلة 300 دونم)، (55 عائلة مستفيدة).
قرية تل الأرقم: (7160 دونم)، (لكل عائلة 300 دونم)، (22 عائلة مستفيدة).
قرية المتنبي: (11700 دونم)، (لكل عائلة 300 دونم)، (39 عائلة مستفيدة).
قرية أم عظام: (7000 دونم)، (لكل عائلة 300 دونم)، (19 عائلة مستفيدة).
قرية العنادية: (18206 دونم)، (لكل عائلة 300 دونم)، (23 عائلة مستفيدة).
قرية الزاوية: (27000 دونم)، (لكل عائلة 300 دونم)، (87 عائلة مستفيدة).
قرية الدهماء: (24900 دونم)، (لكل عائلة 300 دونم)، (83 عائلة مستفيدة).
قرية هنادي: (26100 دونم)، (لكل عائلة 300 دونم)، (85 عائلة مستفيدة).
بعد ذلك، أسّست العوائل التي سكنت في هذه القرى، قرى جديدة في الأراضي الزراعية التي استولت عليها، ومن هذه القرى تفرّعت عشرات القرى التي أصبحت تغطّي مساحات واسعة من الأراضي الزراعية للعشائر الكُردية، واليوم لا يمكن إحصاء عدد القُرى الموجودة بشكلٍ دقيق، ولا توجد إحصائية حولها.
المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “328“