
سلسلة مقالات 1/3 تطور الذكاء الاصطناعي: من المفهوم إلى الواقع
المهندس فنر حمدو
لقد تحوّل الذكاء الاصطناعي من مفهوم نظري إلى جزءٍ لا يتجزّأ من الحياة الحديثة. تميّزت رحلته بإنجازات مهمة وأبحاث رائدة وتقدم تكنولوجي شكّل المشهد الحالي.
قبل أن نستكشف التاريخ، دعونا أولاً نفهم ما هو الذكاء الاصطناعي في الواقع . تخيّل أنّ لديك روبوت لعبة يمكنه التحدّث إليك والإجابة على أسئلتك، وحتى مساعدتك في واجباتك المنزلية. الآن، هذا الروبوت ليس شخصاً حقيقياً، لكنه لا يزال قادراً على التفكير واتخاذ القرارات مثل الإنسان – وإن كان بطريقة أبسط بكثير. كيف يفعل ذلك؟ إنه يستخدم شيئاً يسمّى الذكاء الاصطناعي.
الذكاء الاصطناعي يشبه إعطاء الكمبيوتر دماغاً، لكنّ هذا الدماغ مصنوع من أسطر من التعليمات البرمجية والبيانات. إنه يساعد الكمبيوتر على التعلم من التجارب، وحلّ المشكلات – تقريباً مثل كيفية تعلّمنا نحن البشر من الممارسة.
على سبيل المثال؛ عندما تسأل مساعد هاتفك، “كيف هو الطقس اليوم؟” ويعطيك الإجابة – هذا هو الذكاء الاصطناعي.
عندما يقترح موقع YouTube مقاطع فيديو قد تعجبك بناءً على ما شاهدته من قبل – فهذا هو الذكاء الاصطناعي.
عندما تعرف السيارة ذاتية القيادة متى تتوقف أو تدور أو تبطئ – فهذا هو الذكاء الاصطناعي أيضاً.
إذن، الذكاء الاصطناعي هو عندما يتمّ برمجة أجهزة الكمبيوتر والآلات للتفكير والتصرف مثل البشر – أو على الأقل محاولة ذلك!
الآن؛ دعونا نلقي نظرةً على تاريخ الذكاء الاصطناعي؛ كانت فكرة الآلات القادرة على التفكير موجودة منذ فترة طويلة. تحدّثت القصص القديمة من اليونان والصين عن تماثيل أو آلات تنبض بالحياة. ولكن لم يكن إلا في عام 1950 عندما طرح عالم رياضيات بريطاني يدعى آلان تورينج سؤالاً جاداً: هل يمكن للآلات أن تفكّر؟ اقترح اختباراً – يُسمّى الآن اختبار تورينج – لمعرفة ما إذا كانت الآلة قادرة على التصرف مثل الإنسان إلى الحد الذي لا يمكنك فيه معرفة الفرق.
بعد بضع سنوات، في عام 1956، اجتمعت مجموعة من العلماء في مكان يسمّى كلية دارتموث في الولايات المتحدة. أطلقوا على هذه الفكرة الجديدة اسماً: الذكاء الاصطناعي. اعتقد علماء مثل جون مكارثي ومارفن مينسكي أنّ أجهزة الكمبيوتر ستصبح قريباً ذكية مثل البشر.كان الذكاء الاصطناعي في بداياته أشبه بتعليم طفل صغير – حيث أعطى العلماء لأجهزة الكمبيوتر قواعد وأخبروها بالضبط ما يجب القيام به. يمكن لهذه الأجهزة لعب الشطرنج أو حلّ مسائل رياضية بسيطة. ولكن، تماماً مثل الأطفال، كانت بطيئة في تعلم أشياء جديدة.
إنّ الحديث عن تحديات وتقدم الذكاء الاصطناعي يعطي فكرة عن الجهود العظيمة التي بذلها العلماء والمهندسون من أجل تطوير قطاع الذكاء الاصطناعي؛ في السبعينيات والثمانينيات، أصبحت الأمور صعبة. اعتقد العلماء أنّ الذكاء الاصطناعي سينمو بسرعة،لكن أجهزة الكمبيوتر في ذلك الوقت لم تكن قوية بما يكفي. لم يكن هناك ما يكفي من البيانات أو السرعة لصنع آلات ذكية. أطلق على هذه الفترة “شتاء الذكاء الاصطناعي” لأنّ العمل على الذكاء الاصطناعي تباطأ، مثل الشتاء البارد حيث لا ينمو شيء.
لكن الأمور تغيّرت في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. أصبحت أجهزة الكمبيوتر أسرع بكثير، وأعطى الإنترنت الذكاء الاصطناعي شيئاً قوياً: البيانات الضخمة – الكثير والكثير من المعلومات. الآن، أصبح الذكاء الاصطناعي قادراً على التعلم من هذه البيانات، تماماً كما نتعلّم من خلال رؤية الأشياء وتجربتها كلّ يوم.
أصبح نوع خاص من الذكاء الاصطناعي يسمّى التعلم الآلي شائعاً. فبدلاً من إعطاء أجهزة الكمبيوتر كلّ قاعدةٍ على حدى، أظهر العلماء لها البيانات وتركوها تكتشف الأنماط بنفسها. وهكذا أصبح الذكاء الاصطناعي جيداً جداً في التعرف على الوجوه وترجمة اللغات وحتى التغلب على البشر في ألعاب مثل الشطرنج.
رحلة الذكاء الاصطناعي هي قصة صعود وهبوط، من الأساطير القديمة إلى العجائب الحديثة. بدأت بسؤال: هل يمكن للآلات أن تفكّر؟
اليوم، أصبح الذكاء الاصطناعي في كلّ مكان – يساعد الأطباء، ويقود السيارات، ويجعل هواتفنا أكثر ذكاءً. لا يزال ينمو، ومستقبله مليء بالاحتمالات التي لا نهاية لها.
المراجع:
آلان تورينج واختبار تورينج، بي بي سي1 : https://www.bbc.co.uk/bitesize/guides/z9k9kqt/revision/
التعلم الآلي، آي بي إم: https://www.ibm.com/cloud/learn/machine-learning
كُردستان- هولير
17 شباط 2025
المقال منشور في جريدة يكيتي العدد”329″