
الإعلان الدستوري للجمهورية العربية السورية والمكونات – الكرد مثالا ..
د. محمد جمعان
التضحيات الجسام التي قدمها الشعب السوري منذ اجيال في سبيل الحرية والكرامة يعجز اللسان عن وصفها ، فجاء سقوط النظام البعثي المجرم حيث تأمل الشعب السوري عموما من السلطة الجديدة نتائج افضل ؛ من دستور شامل يرضي اغلبية الشعب السوري وبالتالي مشاركة الجميع في بناء سوريا الجديدة
الشعب الكردي هو مكون رئيسي في سوري . حيث عانى الكثير من البطش والارهاب منذ سيطرة البعث على زمام الأمور في سوريا والتي تمثلت بأبشع أنواع الظلم و القهر وتدمير الكرد ككيان فنفذ بذلك مشاريع عنصرية بحقه و سخر النفوس الضعيفة لتمرير تلك المشاريع .
ولكن الكرد كشعب وقيادات صمدوا واستطاعوا الوقوف بوجه مشاريعهم المختلفة . لقد جاءت تلك المشاريع والهجمات تحت رايات متنوعة ، فمنها كانت مغلفة بطابع امني او قومي، عنصري او ديني – متطرف ولكن الكرد بقوا ولازالوا يدافعون بالغالي والنفيس لحماية مناطقهم وطابعهم القومي والثقافي.
و بعد كل هذه التضحيات من الدماء الذكية و الوفاء والإخلاص للأرض ر والوطن والمشاركة الفعالة في النشاط الجماهيري اثناء الحرب الداخلية و تفاعلها الايجابي مع المعارضة السورية كانوا يتأملون من السلطة الجديدة بان يعترفوا بهذه العطاءات و حقوقهم العادلة والمستحقة. بشكل واضح ودستوري لا غبار عليه .
ولكن وللأسف جاء الاعلان الدستوري من السلطة الجديدة مخيبا للامال.
فالدستور هو ورقة سياسية يجمع عليها الشعب من خلال ممثليه السياسيين والمجتمع المدني ومن ثم القانونيين وبعدها يصوت عليه الشعب.
ولكن الدستور الحالي والمطروح لم يجمع عليه الشعب ولا ممثليه، ولذا جاء ببنود ليس مقبولا من مجتمعنا عموما. لهذا و للإثبات ، لا بد هنا المرور وبسرعة على بعض البنود التي جاءت في هذا الاعلان الدستوري :
⁃ اسم الجمهورية : الجمهورية العربية السورية
سوريا مؤلفة من قوميات و كيانات عدة غير عربية ، منها الكرد و التركمان والآشوريين والخ.
فاذا كانت النية بناء سوريا جديدة بعيدة عن الاضطهاد و تغييب اطراف هامة من الشعب السوري لابد من تغيير ذلك الاسم، إلى اسم جامع للكل.
دين رئيس الدولة ؛ جاء بان يكون دين رئيس الدولة هو الإسلام ، احتراما للأديان الأخرى من الخطأ ان تحدد ديانة ر ئيس الدولة. اي يجب ان يكون محايدا، كما هو في اغلبية دول العالم فإن دين رئيس الدولة لا يحدد حتى إذا كان الرئيس/ الرئيسة من حزب ديني .
جاء ان الفقه الإسلامي هو المصدر الرئيسي للتشريع والقوانين.. كان يمكن ان يذكر ان الفقه الاسلامي هو احد المصادر الرئيسية للتشريع و كذلك ان تكون القوانين والأعراف الدولية من المصادر الرئيسية ( وليس تحديد مصدر بعينه ..). ة.
نحن نعيش في عصر يسيطر عليه القوانين الدولية الانسانية والتي تراعي حقوق الإنسان وحرية الرأي ومبادي الديموقراطية والتي تثمن القيم العليا للإنسان وتضع الإنسان وقيمه في اولوية الأولويات، بهذا الشكل الحالي فقد الدستور معناه الجامع للمكونات والديانات الأخرى، ليس هناك اي دور ظاهر للمكونات والديانات الأخرى في الدستور الجديد .
يظهر من هذا الدستور ان كل المهام الرئيسية مركزة والأمر الآخر الهام والذي لا بد من ذكره هو : صلاحيات الرئيس ؛ فمثلا وليس في سبيل الحصر:
الرئيس هو من يعين اعضاء المحكمة الدستورية
الرئيس من يعين ثلث اعضاء مجلس الشعب وبيده قرار السلم والحرب والخ من صلاحيات لا تعد ولا تحصى ، فالرئيس هنا له مطلق الصلاحية في جميع المجالات : القضائية والتشريعية و التنفيذية.
الشعب السوري له تجارب مريرة مع هكذا سلطات للرئاسة.
أمور هامة تجاهلها الدستور:
ان الالتزام بالفقه الإسلامي يعني وقف تطور القوانين. لان احكام الشريعة و قوانينها ثابتة فهي مستمدة من القرآن الكريم وهي أوامر وانظمة إلهية لا تتغير حسب الزمان والمكان ولكن قوانين الدول الحديثة هي قابلة للتطور وهي تتطور حسب العصر والبشرية.
ويستشف من ان الإعلان الدستوري وان اعتمد في بعض مواده على الدساتير السورية السابقة ولكنه اغفل في الاعتماد على قوانين حقوق الانسان لمنظمات الامم المتحدة والمنظمات الدولية والانسانية .
الدستور كان لا بد ان يكون وضعي – مدني – علماني .
الدستور يجب ان يكون محايدا اتجاه جميع الاديان .
اما ان يتعامل و ينظر الدستور إلى المرأة كنظرة الاسلام وهي ان تكون ربة منزل وتربية الاطفال فهذا يخالف روح العصر وبعيدا عن علمانية الشعب السوري عموما.
ماذا يجب ان يعمل السوريون حيال هذا الوضع:
سوريا وبهذا الدستور قد تتحول إلى دولة استبدادية ، واضح فيها هيمنة الخاص على العام.
اما عن القضية الكردية في سوريا وبعد هذه الكوارث والتضحيات الجسام فمن حق الكرد الطبيعي هو الاتفاق على نظام ديموقراطي تعددي لا مركزي. ⁃ برلماني.
عمليا الشعب السوري بممثليه السياسيين ونشطاءه هو خارج التحول السياسي الذي نلمسه من الاجراءات التي قامت بها السلطة الجديدة باعتبار ان الدستور ألغى دورهم في بناء ذلك الدستور من الناحية السياسية والقانونية فلا بد من الوقوف ضد هذا الدستور وذلك بالطرق السلمية ، من مظاهرات ، اعتصامات ، نقاشات بناءة ، إعلام حر والخ .. ولكن ممكن ان تكون الاجراءات قاسية مستقبلا فقد تضرب وقد يخونك النظام ويعتبرونك كافرا وبالتالي العقوبات يمكن تكون صارمةً.
لا بد من المطالبة بفصل السلطات و ليس من الحكمة ان يدخل الشارع السوري في معركة الهجوم على الاسلام او محاربة الاسلام ، ولكن ان نعطي شيء من صراع ثقافي
. ولا بد من العمل على اصدار ” قانون الاحزاب ” وبالتالي ما على السوريين إلا الانخراط في هذا التوجه الديموقراطي ، اي بناء احزاب وطنية سورية والذهاب إلى تشكيل تحالفات سياسية جديدة تعطي زخما جماهيرا للشارع السوري ولكي تصدر
ملاحظاتها على الإعلان الدستوري و كذلك الضغط المجتمعي في سبيل النضال لتطوير المجتمع الى رحاب الحرية والكرامة وحقوق الإنسان.
وارى انه ستحدث في سوريا اصطفافات جديدة و لا بد من الحداثة السياسية بعيدة عن القتل والتشبيح.
وفي الاخير لا بد لي من ذكر بعض الملاحظات والتي لا بد منها : بنود ومواد الإعلان الدستوري وشكل إصداره بأغلبيته غير واضحة . و مؤتمر النصر والخ من الاجراءات كلها تسير لمستقبل دكتاتوري في سوريا. إعلان الدستور جاء تحت وطأة الغلبة للقوة وفرض الإستبداد و التدخل الخارجي.
ويظهر للقاصي والداني اننا امام بناء دولة دينية- متطرفة و جميع السلطات بيد شخص واحد وهو اراه شيئا كارثيا ، وقد تؤدي إلى مستقبل سوداوي – مجهول.
بكلمة اخرى . هذا الدستور يعتبر ضد جميع المكونات السورية ما عدا مسلمي – السنة – المتطرفين . أي ان الدولة الجديدة تتشكل على مقاسات او لمصلحة عرب السنة انه نظام -ديني – سلفي .
وفي النهاية لا بد من ذكر : اذا كان هناك من يريد وحدة سوريا فلا بد له ان يعمل على ما يلي: العمل على بناء دستور يعبر عن المكونات السورية ويجب ان يكون تشاركيا مع جميع مكونات الشعب السوري.
و لابد من تغيير هذا الدستور إلى دستور لدولة تعددية لا مركزية ان ارادوا لسوريا مستقبلا موحدا ومشرقا ولابد ان يرى كل مكون سوري نفسه في الدستور الجديد والنشيد الوطني والعلم الجديد .