آراء

توحيد الصف الكردي… أين الخطر الذي تتحدث عنه يا أحمد الشرع؟

عاكف حسن

في قلب مدينة قامشلو، اجتمع الكرد في مؤتمر لوحدة الصف الكردي في 26 نيسان 2025، ليعلنوا عن خطوة مهمة نحو بناء سوريا جديدة. لكن هذا المؤتمر لم يمر دون أن يثير الجدل، حيث خرج علينا أحمد الشرع مهاجمًا المخرجات والبيان الختامي، محذرًا من ما أسماه “تهديدًا للوحدة السورية”. لكن هل حقًا هناك خطر في هذا التوحيد؟ وهل أن مطالب الكرد هي حقًا تهديد للبلاد أم مجرد رد فعل طبيعي في وجه سنوات من الإقصاء؟

إذا كانت الوحدة السورية تعني التعايش والمساواة والعدالة بين كافة مكونات المجتمع السوري، فلماذا يعتبر البعض أن اتحاد الكرد وتوحيد صفوفهم يشكل خطرًا على هذه الوحدة؟ هل أصبح مجرد الحوار حول حقوق الكرد وحقهم في الإدارة الذاتية، تهمة في حد ذاته؟

نسأل أحمد الشرع ببساطة:

• أين العيب في أن يتحد أبناء الوطن الواحد، من الكرد والعرب والسريان والآشوريين؟
• أين يكمن الخطر في أن يجتمع الكرد على مبدأ المساواة والتعايش السلمي، ويعملوا على تنظيم شؤونهم بطريقة تتماشى مع حقوقهم المشروعة؟
• ألم تطلع على البيان الختامي لهذا المؤتمر؟ ألم تجد فيه دعوة صادقة إلى وحدة سوريا الحقيقية، التي تضمن لكل مكون حقه في العيش بكرامة؟

منذ عقود طويلة، والكرد في سوريا يسعون للعيش بسلام إلى جانب جيرانهم، بعيدًا عن مشاريع التقسيم التي قد تُسهم في إشعال الصراعات. إلا أن ما يُراد لهم ليس فقط تجاهل حقوقهم، بل تهديدهم في كل مرة يطالبون فيها بالمساواة. لقد كان هذا التوجه هو الذي أدى إلى العديد من المآسي في تاريخ سوريا الحديث.

لكن، هل هذه الذهنية التي تروج لها اليوم هي جديدة؟

أم أنها مجرد تكرار لعزف قديم على أسطوانة جوفاء، اعتادت شعوب المنطقة على سماعها؟ عزف لم يكن يومًا سبيلًا لإقامة “عرس وطني”، بل ساعد في بناء مآتم جديدة، في كل مرة استُبعِدت فيها شعوب من نسيج هذا الوطن.
هذه الذهنية لم تولد من فراغ، بل تم تغذيتها ودعمها عبر عقود من قبل قوى إقليمية لا تريد لسوريا الاستقرار ولا لشعوبها الحرية.

• تركيا، على سبيل المثال، التي لم تتوقف عن معاداة أي شكل من أشكال الإدارة الذاتية التي ينادي بها الكرد.
• الأنظمة القومية المتشددة التي رأت في التنوع خطرًا، وفي كل خطوة نحو العدالة تهديدًا.
• ومن خلف الستار، هناك دائمًا مصالح خارجية تفضل إبقاء سوريا مقسمة بالذهنية والخوف، بدل أن تكون موحدة بالتعددية والعدالة.

المطلب الكردي اليوم هو مطلب بسيط، يضاف إلى قائمة المطالب المشروعة التي يجب أن تكون جزءًا من أي بناء سياسي حقيقي في سوريا المستقبل:

• حق إدارة مناطقهم عبر أبنائهم.
• تأسيس قوى أمنية محلية تحمي المجتمع وتخدمه.
• توزيع عادل للثروات يضمن لكل مكون حقه، ويعزز الاستقرار الاجتماعي.
• وأيضًا، لا يمكن إغفال الحق في الثقافة واللغة، إذ لا يمكن لأي مجتمع أن يكون كاملًا دون أن يتمكن من التعبير عن نفسه ثقافيًا ولغويًا. الحقوق الثقافية للكرد، بما في ذلك تدريس لغتهم وتعليم تاريخهم، هي جزء أساسي من هويتهم التي يجب أن تُحترم وتُصان.

هل في هذا من تهديد لوحدة سوريا؟

أم أن التهديد يكمن في استمرار نفس السياسات التي جلبت الخراب إلى البلاد، وتسببت في تدمير العلاقات بين مكوناتها؟
هل من العدل أن تُصَور مطالب الكرد كمؤامرة ضد الوطن بينما تبقى الحقائق المُرة والتاريخ السيئ في طي النسيان؟

سوريا بحاجة اليوم إلى حوار مفتوح وصريح بين جميع مكوناتها. سوريا المستقبل لا تبنى بالخوف ولا بالقهر، بل بالشراكة الحقيقية والعدالة التي تحفظ لكل مكون حقوقه دون استثناء.

ومن ينادي بضرورة إصلاح البلاد لا يمكن أن يكون هو من يروج لفكرة الإقصاء ورفض حقوق الآخرين في المشاركة الحقيقية في بناء الدولة.

اليوم، كلما رفض البعض الاستماع إلى هذه المطالب، وجدنا أنفسنا بعيدين أكثر عن مشروع الوحدة الذي نريده لسوريا. فالوحدة لا تكون بالإجبار، ولا بالقمع، بل بالاعتراف بالتعددية والاحترام المتبادل.

سوريا المستقبل ستكون دولة تسع الجميع، حيث تُحترم الحقوق وتُصان كرامات البشر. ومن لا يفهم هذه الحقيقة، سيظل معزولًا عن نبض الحياة الذي يدق في شرايين هذا الوطن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى