
حتى تكون حكومة جامعة لكل المواطنين
عبدالله كدو
في ظلّ استمرار إغفال “الديمقراطية” لفظاً وممارسةً ، وتهميش دور المرأة ،وتغييب دور الأحزاب والأطر السياسية السورية ، تحت مبرر أولوية الأمن والخدمات الأساسية للشعب السوري ، منذ سقوط نظام الأسد ، وبعد تثبيت شيطنة ” العلمانية” التي تشكّل مع الديمقراطية الركيزتين الأساسيتين اللتين تستند عليهما دساتير الدول المتقدمة ، هل يدرك العقائديون الإيديولوجيون، ومنهم الجهاديون ، أنّ التمسك بالانتماء إلى أرض الوطن و اعتماد نتائج البحث العِلْمي وحدهما – فقط – يحظيان بإجماع كلّ الوطنيات و الوطنيين السوريين ؟.
أما بقية الانتماءات فلا إجماع عليها ، تبقى نسبية وخاصة بأفرادٍ أو شرائحَ أو جماعات معينة ، ذلك لأنّ أرض الوطن و نتائج البحث العِلمي موضوعان قابلان للقياس بمقاييس موحدة متفق عليها وطنياً و عالمياً، بينما لا إجماع على مختلف الأفكار والمعتقدات والإيديولوجيات. إذ لكلّ طرفٍ زاوية رؤيته الخاصة التي يجب أن تُحترم ، حتى لو رآها الآخر أوهاماً .
وكما قال أحدهم ما معناه : ” حتى لو كنا واهمين ، علينا أن نحترم أوهام بعضنا ” طالما لا تسيء إلى الآخرين ولا تحمل العنف.
وعليه فإنّ الشعوب المتقدمة – التي أخذت بالعِلم – أنتجت الآلة والكهرباء وأخيراً الإنترنت ، هي تعتمد مبدأ المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات ، في دساتيرها، دون اشتراطات دينية أو غيرها مما تعتبرها جماعات أو أفراد مقدسة .
وهؤلاء المتقدمون لا يقولون بأننا سنتبنّى مبادئ حقوق الإنسان والمساواة في دساتيرنا ؛ بما يتوافق مع أدياننا ، حيث هذه الاشتراطات ليست إلا دعوات لإعادة العالم إلى سيطرة الحكومات الدينية التي يتعذّر عليها تحقيق الشراكة العادلة لمختلف أطياف المجتمعات الفسيفسائية المتعددة كالمجتمع السوري ، ذلك مهما بلغ روادها من مستويات عالية في فن الخطابة والبلاغة لإخفاء اللامساواة الحتمية في ثنايا تصريحاتهم التطمينية العامة ، فالحكومات الدينية قضت عليها الشعوب المتحضرة تباعاً، ابتداءً من الثورة الفرنسية، و رفضت تلك الشعوب اعتبار العقائد الدينية وفقهها مقاييس للاحتكام إليها في شؤون حياتها ، بل ثبتت مبدأ فصل الدين عن الدولة ، لتقول :
” الدين لأصحابه والدولة للجميع “.
وقبل قرنٍ من الزمن أطلق أجدادنا السوريون شعارهم الوطني الحكيم : ” الدين لله و الوطن للجميع ” .
لقد أثبتت تجارب الحياة العصرية أنّ أفضل الحكومات هي تلك التي تقوم على حيادية الدولة تجاه الدين والقومية ، ليبقى الانتماءين المذكورين لأصحابهما ، أما الدولة فهي للجميع.
وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الشعارات والخطابات التي يسمعها السوريون من المحسوبين على مسؤولي الإدارة الجديدة للبلاد يجب أولاً أن تكون متجانسة ، لا ان تكون متناقضة ، وثانياً ، أن تقترن بالفعل ، فلا يستقيم التغني بالمساواة ، ودعمها بترداد الشعار الذي يقول : الشعب السوري واحد ، ثم يأتي الإعلان الدستوري بنتائج هي من نمط ” ديمقراطية الأخ الأكبر ” المبني على الاستئثار بالحصة الكبرى للأخ الأكبر..ففي الحالة السورية الراهنة نجد أنّ حصة المكون الديني والقومي الأكبر عدداً هي الأكبر و الأساسي، ذلك قبل الاحتكام إلى صناديق الاقتراع ، فلها – دستورياً – حصة الرئاسة ، حيث ثُبت الشرط القائل بأنّ دين رئيس الدولة هو الإسلام ، والفقه الإسلامي هو المصدر الرئيسي للتشريع ، واسم الدولة ” الجمهورية العربية السورية “، واللغة الرسمية – فقط – العربية. أي أنّ المواطن السوري العربي المسلم ، و عملياً العربي المسلم السني ، هو مواطن من الدرجة الأولى ، أما بقية المواطنين من أتباع بقية الأديان والقوميات ، مثل المسيحيين والإيزيديين و الكُرد والتركمان والسريان الآشوريين وغيرهم فهم ليسوا مواطنين من الدرجة الأولى ، والأنكى من ذلك عندما يقول المدافعون عن هذه اللامساواة بأنّ الدساتير السابقة – أيضاً – كانت تورد هذه الشروط التي أوردها الإعلان الدستوري الحالي ، وعندما يقال لهم ، إنّ الثورة السورية التي قدّمت مئات آلاف الشهداء إنما قامت لتصحيح كل أخطاء المراحل السابقة ودساتيرها ، يقولون: لكن مَن الذي قدّم أكبر عدد من الشهداء والخسائر، أليس السنّة العرب ؟…ثم تأتي العبارة الاِنقلابية المقيتة ( من يحرّر يقرّر) .
هذا إضافة إلى أنه في سياق دفاع المحسوبين على الحكومة الجديدة ضد مبدأ حيادية الدولة تجاه الدين والقومية ، تجد هناك من يذهب إلى دساتير دول معينة ، بشكل انتقائي ، ذلك عندما يعثر فيها على إشارة إلى معتقد أو مذهب محدد دون غيره ، ليأخذه بشكل مجتزأ ويجعله مسوغاً له ، لتثبيت إسلامية الدولة و عروبتها، ذلك دون تقدير سياقات وظروف تلك الدول التي ربما لا شبه لأوضاعها بما عليه الأمر في سوريا حالياً ولا تاريخياً ، وكذلك دون اهتمام ببقية بنود دستور تلك الدولة المنتقاة التي ربما تحقّق التوازن المطلوب، وأهمها البنود التي تؤكّد على الديمقراطية وحقوق الإنسان.
حريٌ بالقول أنه بعد أن جاء الإعلان الدستوري غير المتوازن المستند إلى ما سُمي بالحوار الوطني الذي كان شكلياً ، ولم يحقّق الشراكة العادلة لمكونات و أطياف الشعب السوري ، حدثت هوة واضحة بين نسبة لا يستهان بها من الشعب السوري والحكومة الانتقالية ، و عليه فإنّ الحكومة الحالية ليس أمامها إلا أن تكرّر طريقة النظام السابق في تنصيب مسؤولين مقرّبين منها، من شتى الأوساط و المكونات ممن لا يمثّلون إرادة مكوناتهم ، حيث في ظلّ استمرار تغييب الديمقراطية لا يمكن للمسؤول المعيَّن من قبل الحكومة الجمع ما بين إرادة مكونه وإرادة السلطة غير التشاركية في آن واحد ، ولنا ككُرد سوريا فصول مع النظام السابق الذي كان يعيّن مسؤولين من الكُرد الذين أطلق عليهم الشارع السياسي الكُردي تسمية ” كُرد النظام ” حيث لم يكونوا يمثلون إرادة الشعب الكُردي ، و ربما نفس الأمر ينسحب على بقية المكونات القومية والدينية والمذهبية السورية.
ختاماً أعتقد أنّ لا بديل في سوريا الجديدة عن الاحتكام – بدون تأخير- لحكم صناديق الاقتراع – الحقيقية – بدءاً من البلديات، اعتماداً على دستور مدني عصري يحقّق التشاركية العادلة، والشفافية التي تمكّّن سلطة الشعب من الرقابة و المحاسبة.
المقالة منشورة في جريدة يكيتي العدد 331