آراء

فصول العنصرية التركية و العربية تجاه الكُرد

مروان سليمان
إن طبيعة الأنظمة المستبدة و أهلها الخائفين من الغضب الشعبي سواء في الداخل التركي أو على الحدود الجنوبية يثير الكثير من الريبة و القلق لمضاجع المسؤولين الأتراك الذين بنوا أمجادهم على استباحة دم الآخرين و إنتهاكاتهم لحق حياة الآخرين و سرقتهم للسلطة بين ليلة و ضحاها لكي ينعموا هم بالراحة و يستعبدوا الآخرين، إن مثل هذا السلوك العنصري الذي يمجد الدم التركي و يعطي الحق لنفسه في كل شئ و يحرمه على الآخرين سوف تقضي على ما تبقى من الثقة المفقودة أصلاً و تجعل من اتفاقيات السلام التي يدعي أردوغان بمتابعتها للمصالحة مع الكرد في تركيا في مهب الريح.
في فصل جديد من السلوك الذي يمارسه الأتراك من فظائع و جرائم بحق الكرد تصل إلى الإبادة الجماعية و حد جرائم الحرب يستمر الأتراك في دعمهم للحركات الإرهابية ضد المنطقة الكردية في سوريا و ها هم يدعمون المتشددين من الدواعش بالمال و السلاح لمهاجمة القرى و البلدات الكردية الآمنة ليرتكبوا المجازر بحقهم التي ذهب ضحيتها المئات من أبناء الشعب الكردي بين شهيد و جريح الذين كتب لهم القدر أن يكونوا لاجئين و متنقلين من منطقة إلى أخرى بحثاً عن الأمان، و بعد الإنتصارات الكردية في معظم الجبهات يبدو ان الأمر لم يرق للساسة الأتراك الذين ينعدم لديهم العقل و الحكمة و الوجدان السليم و الضمير الحي باحثين في دفاترهم القديمة عن إستعلائهم العنصري و غيهم و ضلالهم و كذبهم فبعثوا المجرمين لكي يعيثوا فساداً و خوفاً و رعباً في المنطقة الكردية بدلاً من دعم الذين يحاربون الإرهاب و هاهم يحركون قواتهم العسكرية على الحدود خوفاً من تحركات الكرد في سوريا.
سارعت القوى الإقليمية منهم الترك و العرب إلى إتهام الكرد القيام بالتطهير العرقي في المنطقة الكردية ناسين أعمالهم التي قاموا بها من مجازر و تتريك و تعريب للمنطقة منذ نشوء تلك الدويلات اللقيطة التي نشأت بعد الحرب العالمية الأولى بمساعدة غربية فرنسية و إنكليزية و لولا هاتين القوتين لكان العرب حتى الآن يرزحون تحت الحكم العثماني ، و ما على العرب إلا أن يبوسوا أيادي الفرنسيين و الأنكليز محرري العرب من تحت نير الترك وان يدعوا لهم ليلاً و نهاراً بأنه كان يستعمرهم استعمار رحيم و رؤوف يبحث عن مصالحه و يهتم برعياه من الذين كان يستعمرهم ، فكم من العرب قتل بأيدي الجنود الترك و كم من المدنيين الكرد سقطوا ضحايا للإجرام العربي و كم من قرية تم تغيير اسمها من الكردية إلى العربية و كم من مولود منع من أن يسجل باسم كردي و كم هي مساحات الأراضي التي صودرت من الكرد و تم توزيعها على العرب الذين جئ بهم من الرقة و مناطق حلب و ذلك بهدف التعريب فقط التعريب ، نحن الكرد و بكل صراحة و شفافية نحسد العرب على شئ واحد و هو عدوهم الإسرائيلي الديمقراطي الذي يقم العدل حتى على رؤسائهم و يتميزون باستقلالية المحاكم و يدرس العرب بلغتهم الأم في الجامعات الإسرائيلية و منهم الوزراء و البرلمانيين و يهاجمون الدولة الإسرائيلية و حكومتها في عقر دارها، فتخيل أحد نواب العرب في الكنيست الإسرائيلي واحد من الكرد وهو ينتقد العرب أو النظام السوري في مجلس الشعب السوري مذا يكون مصيره أو إذا رمينا الأحجار على العسكر التركي أو العربي ماذا سيكون مصيرنا ، في الوقت الذي كانت طائرات أردوغان يقصف المدنيين في قرية حدودية بين كردستان العراق و كردستان تركيا التي راح ضحيتها حينذاك أكثر من 35 شهيداً مدنياً كردياً كان المجرم أردوغان يتهم شمعون بيريز بقاتل الأطفال الفلسطينيين و لكنه نسي سهوة كم من أطفال الكرد قتل بقذائف أردوغان الحاقدة.
إن ما يفاقم الوضع أكثر هو أن حكومة أردوغان لم تكلف عناء نفسها بالتحقيق من أين دخلوا حلفائه الإرهابيين أصحاب المجازر إلى كوباني و لم يسارع بنشر التحقيقات التي من المفروض تصون الحقوق و تحكم بالقانون و لم يؤدي واجب العزاء فإنطمرت الحادثة و قيدت ضد مجهول حتى تختفي تحت رمال التجاهل و النسيان التركية كما في السابق.
إن أنظمة الدول القائمة في المنطقة التي لا تبدي أية قيمة رفيعة للإنسان ، الأنظمة التي تتبرأ منها صانعوها و يحبس و يعتقل الذين خدموها و يضعهم في السجون و يتم تصفيتهم بهدف الخلاص منهم لا تستحق أن تتركها الذين ذاقوا المر منها على سدة الحكم و العمل على بناء نظام مدني ديموقراطي يضع حداً لآلة القتل و أيضاً يعمل على محاسبة القتلة و المجرمين حتى و لو تبوؤا مناصب سيادية و يعطي كل ذي حق حقه.
الغريب في الأمر أن تُمارس مثل هكذا سياسات من قبل حكومة تركية منتخبة عبر عملية ديمقراطية، أنعشت الآمال بأن تركيا مقبلة على عهد جديد ومختلف عما سبقه، يتم فيه إنصاف القومية الكردية ، ومحاسبة المسؤولين عن ارتكاب جرائم التطهير العرقي والتحريض عليها، إلا أن الحكومة التركية خيبت كل الآمال التي عُقدت عليها، بانتهاجها السياسات ذاتها التي سارت عليها الحكومات العسكرية طوال أكثر من قرن، بعدم إبداء أي مرونة تجاه القضية الكردية و حقوقها التي حرم أبنائها من ممارسة حقوقهم القومية و السياسية و حتى الإنسانية وصودرت ممتلكاتهم، وذاقوا الأمرين من محاولات إجبارهم على الذوبان في المجتمع التركي، فهل تدخل المنطقة في فصول عنصرية جديدة .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى