مؤامرة “الأمة الديموقراطية!”
جان كورد
النمط الذي لابد من تجاوزه بشكل كامل في كوردستان، هو هذا النمط الحقير والتافه جداً، الذي يقف في طريق النقد الثوري…” (عبد الله أوجالان – مسألة الشخصية في كوردستان – ص 97)
كلام جميل حقاً، لكنه لا يطبق على أرض الواقع الأوجلاني مطلقاً، فأي نقدٍ توجهه لأدعياء “الأمة الفانتازية” سيعود عليك باللعنات والإهانات والسباب والشتائم والتخوين على مختلف المستويات، وكأن هؤلاء “المرتدين” عن صراط الأوجلانية التي أعلنوها ديناً لهم لا يستوعبون أو لا يقرأون ما كتبه لهم زعيمهم الذي يكادوا يعبدونه بمراسيم خاصة تحذف أمامها كل مراسيم وطقوس الأديان السماوية والأرضية التي اعتنقها شعبنا الكوردي في تاريخه الطويل الأمد.
في الحقيقة تحتاج مناقشة أفكار السيد أوجالان وحزبه وكذلك تظيمه السوري حزب الاتحاد الديموقراطي أكثر من أربعين صفحة وليس عدة صفحاتٍ فقط، ولكن المجال لا يتسع لذلك، واضطررت لاختصار الموضوع…
أقولها في البداية بصوتٍ عالٍ: إن فكرة “الأمة الديموقراطية!” استمرارية للمؤامرة الكبرى على شعبنا، منذ أن انهارت الإمبراطورية العثمانية وتكونت “الجمهورية التركية”، فإن أوّل وأخطر ما دعا إليها النظام الجمهوري الأتاتوركي الطوراني المعادي لطموحات أمتنا المظلومة في الحرية والحياة هو إلغاء ومحو كل ما له ب”الكورد” و “كوردستان”، إذ تم على الفور إزالة جميع الأسماء والصور والأشكال التي لها علاقة بتاريخ شعبنا وعشائره ورجالاته ولغته، لدرجة أن الطورانيين سلبوا منا معظم ألفاظنا اللغوية الخاصة، واستخدموا الخيزرانات والسياط لانتزاع الكلمات الكوردية من الفلاحين والرعاة في سبيل تدوينها على أنها كلمات “تركية قديمة” وحذفوا أسماء العوائل الكوردية من سجلات النفوس، في محاولة تطهيرٍ ثقافي لامثيل له في التاريخ. ورسم أحدهم في جريدة تركية على أثر القضاء على ثورة خويبون (الاستقلال) الكوردية (1927-1930) مقبرة كاريكاتورية بشاهدٍ تعلوه عمامة كوردية، على ذرى جبلٍ يرمز إلى جبل آغري (أرارات) مركز قيادة الثورة، كتب عليه بالتركية: ((هنا يرقد كوردستان الخيالي)) …
ظلت صورة إنكار الوجود القومي الكوردي سائدة في الأدبيات السياسية والإعلام التركي عقوداً طويلة من الزمن، حتى أن أجيالاً من الكورد ولدوا وعاشوا وماتوا وهم يتنكرون لوطنهم كوردستان ولا يتكلمون لغتهم الأم ويفتخرون بمصطفى كمال كأبٍ لهم وهو الذي قاد أشرس المعارك لتحطيم إرادة الشعب الكوردي وقطع رؤوس رجالاته وإعدامهم بالجملة وتتريك الكورد وإذابة شعورهم القومي في بوتقة أمة “الذئب الأغبر” حيث يعتقد الطورانيون الترك أنهم من سلالة هذا الحيوان المفترس حتى اليوم. وانتشر بين الكورد اسم “كمال” بشكل واسع، وأسماء عائلات مثل “التركي الأصيل” و “روح الترك” و”طوران” و”التركي الصافي”… الخ. بل إن مجرّد لفظ كلمة “كورد” أو “كوردستان” كان يعرّض الصحافيين الترك وغير الترك إلى عقوبات قاسية… حتى قبل سنواتٍ قلائل.
انتقلت عدوى “العداء التام” للشعب الكوردي إلى البعثيين الشوفينيين العرب أيضاً، فمنهم من زعم بأن الكورد قد نزحوا إلى المنطقة (التي تبدو وكأنها لم تكن مأهولة من قبل!) من صحارى تركستان أو منغوليا، ومنهم من حافظ على مزاعم المسعودي بأن الكورد “أبناء الجن”، أو أنهم “يهود” و “عبدة النار والشيطان”، واختلقوا كل الذرائع لمنع استخدام لفظتي “الكورد ” و”كوردستان” في التعليم والنشر والآداب، حتى أن مدرساً للأدب العربي (جورج طرابيشي) وهو مسيحي من حلب، غير الكاتب المعروف على نطاق العالم العربي، اعترف بعد اتفاقية الحكم الذاتي بين الحكومة المركزية في بغداد وقيادة الثورة الكوردية في عام 1970 أنه أصيب بالصدمة عندما حضر ما يقارب الخمسين كاتباً كوردياً مؤتمراً ثقافياُ شارك هو فيه ببغداد لأنه لم يكن يعرف أصلاً أن ثمة أدب كوردي أو لغة تتم الكتابة بها.
والشيوعيون في المنطقة معروفون بأنهم أرادوا على الدوام، طيلة عقودٍ من الزمن، طمس الشخصية الكوردية من خلال عبارتهم الشهيرة “الأممية البروليتارية” وزعمهم أن “الدولة القومية رجعية وتقوقع وخطوة إلى الوراء!” في حين أنهم كانوا يمجدون الادب الروسي ويركزون على حق الأمة العربية في الوحدة والحرية…
أما الإخوان فقد ظلوا على الدوام ضد “الدولة القومية” ونادوا باستمرار لتحقيق “الأخوة الإيمانية”، كلما تناقشوا مع كوردي من بين صفوفهم أو من صفوف من هو خارج تنظيمهم، ولكنهم كانوا ولا يزالون على حد وصف بعض علماء الكورد المسلمين “قوميين” مثل البعثيين في خطابهم ودعوتهم وفي دينهم أيضاً… ولذا كان “الكورد” و “كوردستان” من الألفاظ الشاذة والنادرة في تاريخهم السياسي والإعلامي والثقافي… وها هو التاريخ بين أيادينا بفضل الله تعالى الذي أخرج من بين الكفار من ابتكر لنا الكومبيوتر والغوغل وتخزين الوثائق والكتب…
ثمة من كتب مؤخراً بأن أفكار السيد عبد الله أوجالان بصدد “الأمة الديموقراطية” لن تتحقق على أرض الواقع الكوردي السوري فحسب، بل سيأخذ بها العالم كله، وأنا أقول بأن هذه الفكرة بالذات هي “مؤامرة على الكورد وكوردستان” بهدف الاستمرار في سياسة محوهما من أذهان شباب الشعب الكوردي، وهي من املاءات “الأرغنكون” الذي فرض هذه الفكرة على زعيم حزب العمال الكوردستاني بشكلٍ ما، بعد اختطافه واعتقاله، لأن الفكرة تلائم سياسة انكارهم لوجود أمتنا وحقها في الحرية والحياة. وإن تطرّق السيد أوجالان إلى عرض هذه الفكرة من قبل اعتقاله أحياناً، فهذا عائد إلى تواجده تحت قبضة نظامٍ بعثي سوري لم يقل يوماً في عدائه ومحاربته لطموحات شعبنا في الحرية والاستقلال.
الزعيم العمالي عبد الله أوجالان يقول في كتابه (مسألة الشخصية في كوردستان) على الصفحة (88) وهو كتاب كان قد ألفه في الحرية:” هناك اليوم إنكار لوجود مثل هذا الوطن ورفض لحقيقة وجود وطنٍ باسم كوردستان في ظل الضغوط الاستعمارية الشديدة…” وعلى الصفحة التالية (89): ” إن زيادة الوحشية والبربرية المفروضة على كوردستان من قبل المستعمرين الأتراك أكثر فأكثر وتحقيق الغلبة يقدمان للرأي العام بوصفهما الحقيقة الوحيدة، ويقال: ليست هناك أية حقيقة أخرى ومن العبث البحث عن مثلها!” بمعنى أنه اعتبر كوردستان مستَعمَرَة من قبل الأتراك وهو يعمل على إظهار حقيقتها التي هي مثل حقيقة وجود تركيا وسواها… ثم ينتقل بعد ذلك إلى ضرورة ممارسة المقاومة من أجل إظهار هذه الحقيقة، فيقول على الصفحة (95):” وبدأت البذور الأولى (ويقصد ضمن حزبه) لفكرة التحرر الوطني لأن تجد نفسها في قلب النضال السياسي وللشروع بالمقاومة وهي ما تزال تمارس الصراع الفكري فقط خير تعبير عن هذه الحقيقة. فالذين يعرفون الحقيقة الكوردستانية عن كثب ويعرفون إلى حدٍ ما طبيعة القوى الاستعمارية وسماتها يستطيعون أن يفهموا لماذا يكون حملة الفكر الأوائل مضطرين لأن يظهروا على المسرح أمامنا بوصفهم رجال مقاومة.” ويستمر هكذا في توضيح الحقيقة الكوردستانية وموقفه منها إلى أن يبين موقف حزبه وبرنامجه السياسي من ذلك، فيقول: ” ينطلق برنامج حزب العمال الكوردستاني في موضوع الأهداف من التقويم التاريخي والاجتماعي الصحيح لكوردستان. إنه يهدف إلى إلى (اقتلاع) الاستعمار من (الأرض الكوردستانية) وتصفية البقايا الاقطاعية الموروثة من العصر الوسيط، أما البديل الذي يرمي إلى تحقيقه فهو (خلق أمة مستقلة) ومجتمع ديموقراطي والوصول تدريجياً إلى الاشتراكية.” (المصدر نفسه – ص 151) فالسيد أوجالان في الحرية قبل اختطافه واعتقاله واضح تماماً بصدد القضية الكوردستانية وحرية الأمة الكوردية، كما أنه يصف نضال شعب كوردستان كالتالي: “هناك في كوردستان نضال يجري خوضه في سبيل التحرر القومي والوطني.” (المصدر نفسه – ص 28)
إلا أنه بعد اعتقاله يتبنى فكرة “الأمة الديموقراطية!” عوضاً عن ” الأمة الكوردية” ويدعو حزبه وأتباعه ومعتنقي فكره إلى النضال من أجل بناء مثل هذه الأمة الفانتازية، وكأن السجن جعله أعمق حكمةً وطور أفكاره السياسية تطويراً كبيراً أو أن الأوضاع الكوردية والإقليمية والدولية كلها تشقلبت بمجرد دخوله في ذلك النفق التركي المظلم. يقول أحدهم بأن السيد أوجالان قرأ أكثر من ألفي كتاب بعد اعتقاله، ولا أدري هل سمحت له الحكومة التركية بأن يدخل بذلك في كتاب الجينيسس أم أنها كانت تسمح له بالكتب التي هي تريد له أن يقرأها دون غيرها من الكتب التي تتحدث عن الحرية وعن تضحيات قادة الثورات الكبرى في التاريخ البشري، ففي دفاعه المرفوع إلى المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان، المعروف باسم ” من دولة الكنهوتية السومرية إلى الحضارة الحديثة” يقول على الصفحة (326) بأن “صعوبات الوصول إلى الأمة والدولة القومية على أساس قومي، ومن جهة أخرى فإن فقدان القومية والدولة القومية لأهميتها كخيار حديث ووحيد وبروز الديمقراطية كنمط للسياسة والدولة والمجتمع، يظهر أن طريق الحل الديمقراطي سيكون مجدياً أكثر من غيره، ويكون العيش كمجموعة قومية حرة في إطار الدولة الديمقراطية دون التحول إلى دولة قومية حلاً مناسباً وأكثر غنىً…” ويبرر ذلك بأن “كثيراً من الدول القومية تتوجه نحو اتحادات فيدرالية، كما تبرز الصفة الفيدرالية للولايات المتحدة الأمريكية كأقوى دولة في العالم، والتوجه الجديد لأوروبا باتجاه فيدرالية على شكل الاتحاد الأوروبي يظهر مدى أهمية هذا التوجه، إن هذا الوضع العالمي يتيح إمكانية طرق الحل للقضية الكردية استناداً إلى الوحدة الديمقراطية مع الدول التي يقطن فيها الكرد، ويمكن لوسائل السياسة الديمقراطية أن تشكل مشروعاً مجتمعياً مدنياً واسعاً يستهدف الوصول إلى الحل بالسبل السلمية، دون إعطاء الفرصة للحكم المسبق للقومية أو اللجوء إلى أساليب العنف، إن هذه الطريقة التي تتطور بعيداً عن العنف القومي والانفصال، تعطي جميع المجموعات الأثنية فرصة الحفاظ على كياناتهم الثقافية وحياتهم الحرة، وهذا هو الحل الذي سيتخذه العالم أساساً له مع مرور الزمن. ” (المصدر نفسه – الصفحة ذاتها). وعلى الصفحة (334) يقول في تناقض تام مع كل ما قاله عن حق الشعب الكوردي في الحرية والاستقلال: “إن جعل القضية الوطنية الكردية متوازية مع إنشاء دولة، هو أحد الأخطاء المنهجية المهمة…”، ولا يعقل أنه لم تمر هذه القضايا المصيرية، وهذه الحقائق النظرية والآيديولوجية والسياسية، على السيد أوجالان في اثناء تمتعه بالحرية واكتشفها في السجن التركي!
ومن أجل تحويرٍ تام لنضالات الشعب الكوردي فإن السيد أوجالان يشنها حرباً شعواء على القوى الكوردية المناضلة وفي مقدمتها الحزب الديموقراطي الكوردستاني، في مرافعته إلى محكمة حقوق الإنسان لتحريره من سجنه، فيقول: “إن الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يعد التعبير الحزبي عن النزعة القومية البدائية، يمثل آخر وأقوى المخربين الذين يعبرون عن هذا الموقف، ينتمي (الحزب الديمقراطي الكردستاني) إلى نوع من التشكيلات التي تعد أداة مثالية بأيدي القوى الخارجية لاستخدامها في سياسات المنطقة، حيث لم يتردد أية لحظة في تبني الأدوار الخطيرة ضد قوى الجماهير، وذلك بسبب بنيته الإقطاعية العشائرية الطبقية والبرجوازية غير المتطورة…” (المصدر ذاته – ص 386) ويتهمه كالتالي: “إن الأضرار التي ألحقتها كافة الأحزاب التي تنطوي تحت اسم “الحزب الديمقراطي الكردستاني” في كافة الدول بالشعب الكردي لا يمكن مقارنتها بأي ضرر تعرض له هذا الشعب في أي مرحلة من مراحل تاريخه، إن تحولهم إلى مؤسسات ولجوئهم إلى أسياد أقوياء كان عاملاً في توسيع نطاق الأخطار والسلبيات…” (المصدر نفسه – الصفحة ذاتها)
ويتحرك السيد أوجالان حثيثاً نحو التأقلم مع المجتمع القديم الذي ثار عليه من قبل، فيقول: “حقيقة كردستان تفضل موقف الوحدة الديمقراطية، فالإيجابيات والمنافع المحدودة حتى التي ستنجم عن الوحدة الديمقراطية، أفضل أضعافاً مضاعفة إذا ما قيست بكردستان المعزولة، وستلعب دور الحافز للصداقة وللتحول الديمقراطي في المنطقة وفي الشرق الأوسط برمته وعلى كافة الصعد السياسية والاستراتيجية والاقتصادية والدبلوماسية والثقافية. أما النقطة الهامة الأخرى، فهي اعتماد البرنامج على المجتمع الديمقراطي، حيث لا يلجأ إلى العنف والمواجهات في مواقفه نحو الدولة والمجتمع القديم أثناء التوجه إلى الحل…” (المصدر ذاته، ص 402) فلماذا لم ينتبه السيد أوجالان إلى “الإيجابيات والمنافع!” التي ستنجم عن “الوحدة الديموقراطية!” طوال سنوات الثورة؟ ولماذا فشل في تلك الفترة الدموية الطويلة في التعرّف على الحل الأفضل للقضية الكبرى التي قدّم لها الآلاف من شبابنا حياتهم في سبيلها؟
ويركز السيد أوجالان على ضرورة أن يتخذ العمل السياسي الكوردي في سوريا طابعاً سلمياً ديموقراطياً، ولكنه يقول في هذا الكتاب أيضاً جملة مثيرة للشكوك، حيث يتحدث عن “الوطن الذي جاؤوا منه!” فيقول: “وتوجد في هذه الساحة مجموعة كبيرة من الجماهير المؤيدة لحزب العمال الكردستاني، والمهمة الأساسية لهؤلاء هو توحيد التنظيم والنضال القانوني الديمقراطي مع حملات سورية الديمقراطية والوطنية العامة، من خلال برنامج يتم وضعه ضمن إطار هذه الحقوق القانونية من خلال الدعم والتضامن مع نضال الحرية في الوطن الذي جاؤوا منه.”، وكان قد قال في أثناء اقامته في سوريا ضمن مقابلته مع نبيل الملحم (أنظر كتاب: سبعة أيام مع القائد آبو) بأن الكورد السوريين ليسوا إلا مواطنين أتراك نزحوا من تركيا إلى سوريا وأنه جاء ليعيدهم إلى وطنهم الذي جاؤوا منه…! فغفر له أنصاره من الكورد السوريين ذلك لأنه كان بعيش في كنف النظام البعثي، ولكنه يردد جزءاً من الكلام ذاته وهو خارج سوريا في مرفعته لمحكمة حقوق الإنسان الأوربية، فماذا يقولون اليوم عن زعيمهم؟ وهل يطرحون “الأمة الديموقراطية” للتنكر مثله للوجود القومي الكوردي في شمال سوريا منذ أيام الميتانيين؟
يصارح السيد أوجالان المحكمة المذكورة أعلاه بكل تفاصيل “المؤامرات” على شخصه وحزبه، ثم يقول حقيقة ما كان يريده من المسألة الكوردية، فيقول: ” كنت أنوي الوصول بالمسألة الكردية إلى محفل ديمقراطي، ولو تم دعم ذلك لما كان صعباً على تركيا الانصياع لهذا الموقف، وقد أتضح أن أوروبا لا تقف إلى جانب إيجاد حل جدي للمسألة الكردية، لأن انشغال تركيا بهذه المسألة كان يناسب مصالحهم، وقد تبين ذلك من موقف اليونان، وكان بإمكان السياسة الأوروبية أن تنهي الحرب، ولكن هذا لم يكن مناسباً للإستراتيجية الغربية بما فيها الولايات المتحدة…” (المصدر نفسه – ص 486)، فالغاية كما يبدو هي إقامة “المحفل الديموقراطي” وليس “حرية الكورد واستقلال كوردستان”.
يقول السيد أوجالان في (مكانة حزب العمال الكوردستاني في الأمة الديموقراطية) ما يلي: “فالمرحلةُ المقبلةُ ستَكُونُ في النتيجةِ عصرَ إنشاءِ الأممِ الديمقراطية، سواء سُجِّلُ النجاحُ فيها للحربِ أم السِّلم. وعليه، فمن بين أحشاءِ ثقافةِ الحضارةِ الشرقِ أوسطية، التي صيَّرَتها الحضارةُ الطبقيةُ والمدينيةُ والدولتيةُ حمَّامَ دمٍ بألاعيبِها ومكائدِها المستمرةِ مدى آلاف السنين، والتي تعارَكَت فيها القبائلُ والأديانُ والمذاهبُ والأممُ وتصارعت؛ سوف يسطعُ عصرُ العصرانيةِ الديمقراطيةِ مرتفعاً على أرضيةِ وحدةِ وتكامُلِ الأممِ الديمقراطية.”
أنظر الرابط الالكتروني للحزب: http://www.pkkonline.com/arabic/index.php?sys=article&artID=685
وحسب النظرة المتطورة لحال الشعوب والأقوام، التي تشكلت لدى السيد أوجالان، وبالتالي لدى أتباعه وأنصاره، بعد اعتقاله، فإن حزب العمال قد وضع قدمه قبل أي حزبٍ لآخر في العالم على عتبة فكرة الأمة الديموقراطية التي ستتأثر بها سائر الأمم في العالم وستتخلى بها عن أعلامها القومية وأناشيدها وحدودها وإقتصادياتها الوطنية وستنخرط كلها في المشروع الأوجلاني الذي سيأتي بالحرية لها، دون حروبٍ ونزاعات وسيسود السلام العالمي في ظل “الأمم الديموقراطية” هذه، وستتحقق أحلام الأمة الكوردية، لذا لا حاجة للقتال في ظل شعارات قومية “متخلفة” و “رجعية” و”عشائرية” و “تابعة للامبريالية والصهيونية والرجعية الكومبرادورية…”، أفلا يذكرنا هذا بالأحلام الوردية للماركسية واللينينية والماوية…؟
ولا أدري هل سيقتنع الشعب الفلسطيني بهذه الفكرة أيضاً فيتخلى عن مشروعه القومي مثلنا نحن الكورد أم لا.
منذ بداية تاريخ البشرية وإلى يومنا هذا لم تقم “أمة ديموقراطية” على وجه هذا الكوكب، ولذا هذا المصطلح المصطنع ليس إلا أداة إنكار جديدة لوجود الكورد وكوردستان وفي خدمة أعداء أمتنا التي لن تشعر بحريتها إلا ضمن دولتها الوطنية المستقلة على أرض وطنها كوردستان، ولهذا قدمت قوافل الشهداء في كل عصر، وستقدم المزيد من خيرة رجالاتها حتى تشرق شمس الحرية والاستقلال على كل أرض ميديا وميتان وكاردوخ وهوري ولولو وسائر الأقوام التي انبثق من تمازجها وبقائها عبر التاريخ شعب “الكورد” الذي قال عنه الشاعر العراقي الكبير محمد مهدي الجواهري.
شعبٌ دعائمه الجماجم والدم تتحطم الدنيا ولا يتحطم
وقال الشاعر الفلسطيني عن الكورد:
يا حارسين الشمس من أصفاد أشباه الرجالِ
إن خرّ منكم فارسٌ شدّا على عنقي حبالي