جنود فرنسيون سابقون يقررون القتال في صفوف “البيشمركة” بالعراق
بمبادرة شخصية، قرر عدد من الجنود الفرنسيين السابقين الالتحاق بصفوف قوات”البيشمركة” في العراق في حربها ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”. وتحمل المجموعة اسم “تاسك فورس لافيت” نسبة إلى اسم الكتيبة الفرنسية التي قاتلت طالبان في أفغانستان من 2009 إلى 2012، حسب ما كشف عدد من وسائل الإعلام الفرنسية الأسبوع الماضي.
تتراوح أعمار أفراد هذه المجموعة ما بين 25 و55 اشتغلوا جميعهم في مناطق حرب سواء في العراق أو أفغانستان أو حتى في عمليات ضد القراصنة بالصومال وينحدرون من مناطق فرنسية مختلفة، وكانوا ينتمون إلى جيش المشاة أو سلاح الجو وبعضهم من الجنود الأجانب الذين قاتلوا إلى جانب القوات الفرنسية.
وأعلن هؤلاء الجنود الفرنسيون أنهم يضعون تجربتهم العسكرية في خدمة المقاتلين الأكراد للاستفادة منها عبر تدريبات تقنية وأخرى تتعلق بالخطط العسكرية، حسب ما صرح أحدهم لصحيفة “لوفيغارو” الفرنسية، والذي فضل عدم الكشف عن هويته ولا من كان وراء هذه المبادرة.
وأوردت صحيفة “لوفيغارو” تصريحاً لأحد هؤلاء الجنود قال فيه: إن “الدافع وراء انخراطه في العملية يعود إلى سنوات عمله في الجيش الفرنسي”، حيث أفاد أنه اطلع على شرائط فيديو لجهاديين قبل الإعلان عن تأسيس تنظيم “الدولة الإسلامية” تحمل الكثير من الجرائم، وكانت تلك هي اللحظة التي قرر فيها “ألا يبقى مكتوف اليدين”، على حد تعبيره.
وظلت فكرة موضوع القتال ضد المتطرفين، بحسبه، متداولة بين زمرة من زملائه إلى شهر حزيران 2015 تاريخ تجسيد “مشروعهم” على أرض الواقع، وذلك عندما التقى أحد هؤلاء الذي أنهى الخدمة العسكرية، وكان موجوداً في العراق في إطار بعثة إنسانية في كردستان، بمسؤول عن وحدة عسكرية كردية تتكون من 120 جندياً.
ويتابع هذا الجندي الفرنسي السابق، الذي لا يتجاوز عمره 25 عاماً، أن النقاش مع هذا المسؤول العسكري الكردي كان عبر موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” في البداية، طرح فيه كل جوانب وشروط التعاون بينهما، وأثارا خلاله كل ما يتعلق بتجربة الجنود الفرنسيين السابقين، وكيفية الالتحاق.
وبسط الجندي الفرنسي للمسؤول الكردي دواعي هذه الخطوة حيث اعتبر “بلاده مستهدفة، بالنظر لما حصل من اعتداءات إرهابية في فرنسا، وعلى أن هؤلاء الجنود الفرنسيين السابقين يريدون أن يقولوا للعالم إن مواطنيهم ليسوا من طينة هؤلاء الجهاديين الفرنسيين الذين التحقوا بتنظيم الدولة والبالغ عددهم ما بين 1000 و1200″، حسب تقديراته.
وقال جندي آخر ليومية “لوفيغارو”: إن “هؤلاء الجنود السابقين لا تحركهم أي دوافع دينية أو سياسية”، مشيراً إلى أن المجموعة تتكون من “مسيحيين ويهود ومسلمين وملحدين”، وبين “المتطوعين آباء سيتركون خلفهم أبناءهم”.
وهناك منهم من سيتخلى عن عمله لمدة من الزمن في إطار عطلة بدون أجر، بل أكثر من ذلك، بعضهم سيستقيل من عمله “للتفرغ لهذه المهمة” التي قد تمتد لعدة أشهر.
وقامت المجموعة بإطلاق حملة على الإنترنت لجمع تبرعات لتغطية مصاريف مهمتها، وخلال أيام قليلة، جمعوا أكثر من 25 ألف يورو، كما أن طلبات الالتحاق بهذه المهمة كانت كثيرة.
وانتقل ثلاثة من المجموعة في مرحلة أولى إلى كردستان للتحضير لاستقبال بقية الجنود في الأسابيع المقبلة. وليس هناك في القانون الفرنسي ما يمنع هؤلاء من القتال خارج الأراضي الفرنسية، إلا أنه ابتداء من عام 2013، صدر قانون يمنع ذلك إن كان وراءه مقابل مادي، فيما يشدد هؤلاء على أن مهمتهم يقومون بها كمتطوعين.
وحول اختيار هؤلاء الجنود الفرنسيين السابقين التوجه إلى كردستان العراق، بدل سورية للمشاركة في الحرب ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”، يرى “براء ميخائيل”، الباحث في قضايا الشرق الأوسط في جامعة “سان لويس” في مدريد، أن “فرنسا عرفت بعلاقات متميزة مع أكراد العراق منذ زمن طويل، وساعد ذلك في تطوير محاور مشتركة للتعاون”.
وقال “ميخائيل”: إن “باريس تتعاون مع أكراد العراق نظراً لقدراتهم ومعرفتهم بجغرافية منطقتهم، بينما يسعى أكراد العراق إلى مشاركة بلد كفرنسا في إستراتيجيته ضد تنظيم الدولة الإسلامية، ظناً منهم بأن مكافأتهم قد تأتي يوماً بدفاعها عن خصوصية كردستان العراق السياسية والإدارية بل وتدعم هذه الفكرة عبر سلك الأمم المتحدة مثلاً”.
في سياق متصل، يبدو أن الحكومة الفرنسية، اليوم وجدت نفسها تحت ضغط كبير لرأي العام يدفع في اتجاه شن حرب برية ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”، كما أكد ذلك استطلاع للرأي أجرته مؤخراً صحيفة “لوجورنال دو ديمونش”.
وفي هذا الإطار، يعتبر الباحث “براء ميخائيل” أن الرأي العام الفرنسي قد يؤثر على تموضع الحكومة الفرنسية إزاء “تنظيم الدولة، والملف السوري خاصة، ولكن بشكل مبني على اعتبارات وحسابات تتعلق بالشأن السياسي الداخلي قبل كل شيء، فلولا مسألة تدفق اللاجئين على الاتحاد الأوروبي، لما قررت فرنسا العدول عن سياستها الرسمية السابقة في الأمر أو على الأقل ليس بهذا الشكل السريع بل المتسرع والذي تريد أيضاً فرنسا أن تثبت من خلاله أنها قوة فعالة ورغبتها في اللعب في حلبة الكبار التي تقودها الولايات المتحدة.
ويفسر التحول الذي بدأ يلمس في مجموعة من المواقف الغربية بكون أغلبها آمنت إلى الآن بأن “تنظيم الدولة” قد يساعد على إضعاف النظام في سورية مثله مثل الكثير من المجموعات المسلحة، غير أن هذه النظرية انقلبت عليهم وخصوصاً في ظرف عدلت فيه قواعد اللعبة الدخول الروسي الصريح في الساحة السورية.
وكالات