كرد سورية في خلاف تركي أميركي
خورشيد دلي
لم تكن دعوة وزير الخارجية التركي، فريدون سينير أوغلو، على الهواء مباشرة، في المؤتمر الصحافي المشترك مع نظيره السعودي، عادل الجبير، في أنقرة يوم 15 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي صالح مسلم إلى التعقل، إلا تعبيراً عن بلوغ العلاقة التركية بكرد سورية، وتحديدا حزب الاتحاد الديمقراطي، بجناحيه السياسي والعسكري، مرحلة حساسة وحرجة، فتركيا ترى أن الحزب المذكور، مستفيداً من الدعم الدولي، وتحت عنوان الحرب على داعش، بات يسيطر على مناطق واسعة من شمال سورية وشرقها، ويخطط للتوسع أكثر نحو جرابلس ومارع، استعدادا لإقامة إقليم كردي، يمتد من قنديل إلى عفرين، مرورا بمدن القامشلي والحسكة وتل أبيض وكوباني. وفي العمق، ترى تركيا أن هذا المشروع هو مشروع عدوها اللدود، حزب العمال الكردستاني، الذي يخطط لإقامة حكم ذاتي في جنوب شرق تركيا، حيث الحرب المستعرة بين الجانبين.
في ظل هواجسها من الصعود الكردي على حدودها الجنوبية، باتت أنقرة ترى أن مشكلتها الأساسية، في هذا الخصوص، تتعلق بسياسة الإدارة الأميركية إزاء حزب الاتحاد الديمقراطي، فهذه الإدارة رفضت مراراً طلب تركيا اعتبار هذا الحزب حزباً إرهابياً، على اعتبار أنه الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني المصنف في قائمة الإرهاب الأميركية، فيما تقول واشنطن إن الحزب المذكور هو أكثر القوى فعالية على الأرض في محاربة داعش، وإنه ينبغي التمييز بينه وبين حزب العمال الكردستاني، إلا أن تركيا لا تبدو مقتنعة بالموقف الأميركي هذا، خصوصاً أن لديها قناعة كبيرة بأن الأسلحة التي تصل إلى حزب الاتحاد الديمقراطي يتم تسريب بعضها إلى حزب العمال الكردستاني، وهكذا تحول الحزب إلى نقطة خلاف دائمة في المحادثات التركية – السورية بشأن الأزمة السورية.
على وقع هذا الخلاف، استدعت تركيا، أخيراً، السفير الأميركي، وأبلغته رفضها تزويد كرد سورية بالأسلحة، لكن المفاجأة أن واشنطن ألقت، في اليوم التالي، 50 طناً من الأسلحة والمعدات والذخائر لوحدات الحماية الكردية. وقبل ذلك، فعلت الموقف نفسه، عندما زودت فجراً المقاتلين الكرد في كوباني بالسلاح في مواجهة هجوم تنظيم داعش، بل وقامت بعمليات جوية مكثفة ضد التنظيم، كانت سبباً في إلحاق أول هزيمة به، وشكل حافزاً لتقدم القوات الكردية لاحقاً باتجاه تل أبيض، وربما استكمالا في الاستعداد لمعركة الرقة، لاستعادتها من التنظيم. يأخذ الخلاف الأميركي – التركي شكل الاختلاف على الأولويات، فواشنطن تقول إن أولويتها محاربة داعش، فيما ترى أنقرة أن الحرب ضد داعش يجب أن تكون بالتوازي مع التخلص من النظام السوري، وهي، في خضم هذا الجدل، حاولت في الفترة الماضية دفع كرد سورية إلى الانخراط في الحرب ضد النظام، لكنها وجدت مع الزمن أن الكرد تحولوا إلى ما يشبه كيانا قوميا على حدودها الجنوبية، بل وتتهم حزب الاتحاد بالتحالف سراً مع النظام السوري لإفشال استراتيجية تركيا تجاه الأزمة السورية.
في الواقع، من الواضح أن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي هو المستفيد الأكبر من الخلاف الأميركي – التركي هذا، ولعل ما قد يفاقمه، في المرحلة المقبلة، هو استمرار الدعم الأميركي للقوات الكردية، بما يشجع هذه القوات على التقدم شمالاً، على الرغم من التحذيرات التركية المتتالية، بل وتهديد أنقرة أكثر من مرة بأنها لن تسكت عما يهدد أمنها القومي، في إشارة إلى إمكانية ضرب الحزب المذكور، ولا سيما مخازن أسلحته. مقابل التهديدات التركية القوية هذه، تنتهج واشنطن لغة دبلوماسية تجاه أنقرة على شكل إبداء التفهم لمخاوفها، والحرص على عدم تفجر الخلاف معها، لكن الثابت أن كرد سورية باتوا مادة خلاف أساسية في مسار العلاقات التركية – الأميركية.