ما هي مواقف الدول الرئيسة في القضية السورية قبل مؤتمر جنيف؟
تشهد مدينة جنيف السويسرية، في 29 يناير/ كانون الثاني الحالي، انطلاقة لمفاوضات مرتقبة بين النظام والمعارضة السورية، بهدف إيجاد حل سياسي للقضية السورية، التي بدأت منذ نحو 5 سنوات.
وفي الوقت الذي تشهد فيه وتيرة الحراك الدبلوماسي تسارعا، تكتسب مواقف الأطراف الدولية الفاعلة أهمية، حيث تطالب تركيا والسعودية وقطر، بجلوس المعارضة السورية الحقيقية على الطاولة، ووضع برنامج زمني لرحيل رأس النظام، بشار الأسد عن السلطة، بينما تفضل الولايات المتحدة، التي قدمت تنازلات لروسيا، رحيله على المدى المتوسط، في حين أن روسيا وإيران، رغم اختلاف مصالحها في سورية، تبذلان الجهود من أجل حماية النظام من السقوط.
ومن المقرر أن يشارك في المفاوضات السورية، التي تبدأ يوم الجمعة المقبلة، ممثلين عن الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والجامعة العربية، ومجموعة الدعم الدولية الخاصة بسورية، التي تضم17 دولة هي، تركيا والولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة، وروسيا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والصين ومصر وإيران والعراق وإيطاليا والأردن ولبنان وسلطنة عمان.
ويحدد أجندة اللقاءات، وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2254، الذي يشكل خارطة طريق لحل القضية السورية، حيث ينص القرار على؛ تأسيس حكومة انتقالية عقب مفاوضات بين ممثلين عن النظام والمعارضة، خلال مدة أقصاها 6 أشهر، على أن تبدأ المفاوضات، في شهر يناير/ كانون الثاني 2016، وفي ذات الوقت، إعلان وقف إطلاق النار الشامل في سورية، يعقبه وضع دستور جديد للبلاد، وبناء عليه تنظيم انتخابات في البلاد.
وتحاول روسيا تمييع وفد المعارضة المشارك في مفاوضات جنيف، من خلال فرض أسماء موالية لها بزعم أنها معارضة، بينها “حزب الاتحاد الديمقراطي”، الذي يعد امتداداً لمنظمة بي كا كا الإرهابية في سورية، لكن مصادر دبلوماسية تركية، أكدت، أن أنقرة مارست ضغوطاً مكثفة على واشنطن، من أجل عدم توجيه دعوة إلى حزب الاتحاد الديمقراطي، مما أدى إلى عدم إرسال دعوة للحزب، لحضور مفاوضات جنيف.
وترى تركيا أن حل القضية السورية، يكون عبر مفاوضات تنتهي بوضع خطة واقعية قابلة للتطبيق. وتصر أنقرة على وضع جدول زمني، يحدد تاريخ رحيل بشار الأسد عن السلطة، باعتباره المسؤول عن مقتل مئات الآلاف وتشريد الملايين من الشعب السوري، مؤكدة أن المجتمع السوري والمعارضة لا تقبل بقاءه في السلطة.
ويتطابق موقف تركيا مع مواقف السعودية وقطر، اللتين تعارضان أيضاً، إضعاف فصائل المعارضة التي لا صلة لها بالإرهاب. وتؤكد الدول الثلاث على دعمها مطالب المعارضة المشروعة المتمثلة، في إيقاف قصف المدنيين، ورفع الحصار والممارسات غير الإنسانية الأخرى عنهم.
من جهتها ترى روسيا أن الحفاظ على نظام الأسد في سورية أولوية، بوصفه حليفاً تقليدياً لها. وتهدف، من خلال قصفها المكثف للمعارضة السورية منذ أربعة أشهر، إلى تأمين دخول الأسد في المفاوضات بنفسية المتفوق.
ولم تدعم روسيا أي مقترح، لا يضمن بقاء الأسد في السلطة، ومن غير المنتظر أن تغير موسكو موقفها مادامت امتيازاتها العسكرية في سورية مستمرة، وتتوافق المواقف الروسية هذه، مع المواقف الإيرانية.
واتخذت الولايات المتحدة الأمريكية منذ البداية، موقفاً مؤيداً لـ”سورية بدون الأسد”، ودعمت المعارضة في بداية القضية السورية، إلا أنها تراجعت شيئاً فشيئاً.
وكان عدم استخدام الولايات المتحدة، القوة العسكرية ضد نظام الأسد بعد استخدامه السلاح الكيميائي عام 2013، نقطة تحول، أدت إلى تعزيز الموقف الروسي، كما استفادت روسيا من المخاوف المتعلقة بإمكانية انتقال السلطة إلى قوى إسلامية أو إلى “تنظيم الدولة” في حال سقوط نظام الأسد.
وبدأت روسيا تدخلها العسكري المباشر في سورية في سبتمبر/ أيلول 2015، وأدى احتدام سباق الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، إلى تصاعد الحساسية في واشنطن بشأن ضرورة عدم الدخول في صراع مع روسيا.
وأدت تلك العوامل إلى تقوية الثقل العسكري والسياسي الروسي. ولا يتوقع أن تشهد السياسات الأمريكية تجاه سورية، تغيراً جذرياً، في العام الأخير من حكم أوباما.
ومن جهة أخرى، تدعم الولايات المتحدة بقوة حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) منذ ظهور تهديد “تنظيم الدولة” الإرهابي. حيث تعتبر الإدارة الأمريكية أن الحزب هو الفاعل الأقوى في المنطقة القريبة من منطقة سيطرة التنظيم، لذلك ترغب في أن يصبح الحزب أكثر فعالية، وأن يحتل مكاناً في مستقبل سورية.
وترغب الإدارة الأمريكية في أن يشارك “حزب الاتحاد الديمقراطي”، في محادثات جنيف، ولكن يبدو أنها تراجعت عن هذه الرغبة حالياً نتيجة الموقف التركي.
دول أخرى
تتخذ الدول الأخرى الفعالة في مجموعة الدعم الدولية الخاصة بسورية، مثل ألمانيا، وفرنسا، وبريطانيا، وإيطاليا، والأردن، مواقف قريبة إلى حد كبير من مواقف الولايات المتحدة وتركيا.
وتتخذ الصين، العضو في مجلس الأمن الدولي، منذ بداية الحرب السورية، موقفاً غير فعال ، كما هي عادتها مع المسائل الدولية، حيث ترى ضرورة حل القضية بالطرق السياسية ووفقاً لإرادة الشعب، وتعارض التدخل الخارجي.
أما بالنسبة للبنان فلا يستطيع أن يصبح طرفاً كاملاً في المسألة السورية، لكون حزب الله جزءاً من الحكومة اللبنانية. ويمارس لبنان سياسة حذرة مع القضية السورية، للحيلولة دون انتقال الفوضى في الدولة الجارة، إلى أراضيه.
من جهتها ترغب مصر في بقاء الأسد في السلطة، وفي نفس الوقت تبقى علاقاتها مع إيران على مستواها الضعيف، الذي استمرت عليه منذ الإطاحة بالشاه في الثورة الإيرانية عام 1979. وشهدت العلاقات بين مصر والسعودية تطوراً في الآونة الأخيرة، إلا أنه لم ينعكس بعد على الموقف المصري من القضية السورية.
وقد اجتمعت المعارضة السورية، التي تسعى للمشاركة في المباحثات ككيان واحد، في الرياض الشهر الماضي، وكونت الهيئة العليا للمفاوضات لقوى الثورة والمعارضة السورية، التي حصلت على دعم واسع من فصائل المعارضة المسلحة، وأوصلت رسالة للمجتمع الدولي تفيد، بأن الهيئة يمكنها المشاركة في المباحثات، باعتبارها ممثلاً شرعياً عن المعارضة.
إلا أن بعض التطورات تسببت في جعل مشاركة المعارضة في المباحثات أكثر صعوبة، ومنها قرار مجلس الأمن الدولي الذي فتح الباب لبقاء الأسد في الحكم، والقصف الروسي الذي يتسبب في مقتل أعداد كبيرة من المدنيين، واستمرار الحصار الذي يفرضه النظام على المدنيين في بعض المناطق.
وعلى الرغم من ذلك، تركت المعارضة، التي تبدو مستعدة لدعم حل سياسي واقعي، الباب مفتوحاً أمام المشاركة في المباحثات.
وأرسلت الهيئة العليا للمفاوضات، التي يرأسها رياض حجاب، رسالة إلى دي ميستورا، تقول فيها إنها تنظر بشكل إيجابي للمشاركة في المباحثات من حيث المبدأ، إلا أنها ترغب في الحصول على ضمانات فيما يتعلق بإجراءات بناء الثقة، ومنها وقف الهجمات على المدنيين، ورفع الحصار الذي يفرضه النظام على بعض المناطق، وإطلاق سراح المعتقلين بشكل تعسفي.
كما لا توافق المعارضة، على بعض الأسماء التي قام دي ميستورا بدعوتها للمشاركة في المباحثات، باعتبارها في صفوف المعارضة.
ومن المتوقع أن تعلن المعارضة السورية، قريباً، موقفها بخصوص المشاركة في المباحثات.
الأناضول