تصاعد الدور الروسي مجدداً في المنطقة وسط تخاذل الحلفاء
عبدالعزيز مشو
لقد تحمل الاتحاد السوفياتي العبء الأساسي للحرب العالمية الثانية ولعب دوراً بارزاً من الأهمية بالنسبة لإلحاق الهزيمة بالفاشية وهذا النصر أحرزه الاتحاد السوفياتي لقاء خسائر بشرية ومادية هائلة وتوجب على البلاد بذل جهود مضاعفة لإزالة هذه الأضرار واستعادة مستواها السابق قبل الحرب والتي امتدت إلى أواخر الثمانينات من القرن المنصرم إلى حين استلام الرئيس ميخائيل غورباتشوف زمام السلطة والذي طرح سياسة البروتسترايكا داعياً في الوقت ذاته إلى المزيد من الإصلاحات داخل الدولة السوفيتية والذي كان يحكمه الحزب الشيوعي بقبضة من الحديد والنار ودون هوادة تجاه شعبها .ولكن بمجرد طرح الرئيس ميخائيل غورباتشوف للمشروع الإصلاحي أدى ذلك إلى سرعة انهيار الاتحاد السوفياتي وتفككه إلى عدة دول مجزئة وضعيفة اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً وهذا بدوره ما أضعف الدولة الروسية الوريث الشرعي للدولة السوفيتية لتنهار اقتصاديا وعسكريا وأيضا سياسيا ودبلوماسياً خلال عهد الرئيس بوريس يلتسن الذي لم يتمكن من تجاوز الأزمة التي مرت بها روسيا وبقيت مرهونةٍ بتقاليدها البالية والتي ورثتها من براثن العصر السوفيتي السابق إلى أن أستلم منه زمام الأمور الرئيس الحالي فلاديمير بوتين والوزير السابق لدى يلتسن والذي أستطاع من تنامي هذا الدور يوما بعد أخر وخصوصا لقدرته من إخماد وطمس المنافسين والمعارضين له والقضاء على بعض الثورات المطالبة بالانفصال عن روسيا ليخلق من روسيا الضعيفة والمنهارة اقتصاديا دولة متطورة اقتصاديا وقوة متفوقة عسكريا وتنامى هذا الدور رويدا رويدا حتى أستلم رئيس وزرائه الحالي ولكن بتبادل الادوار بينه وبين رئيس وزرائه وبالالتفاف على الدستور الروسي والذي تغير لصالح عودة فلاديمير بوتين مرة أخرى إلى الرئاسة الروسية ليجعل من روسيا قوة متقدمة اقتصاديا و عسكرياً لا يستهان به خصوصاً لكسب قدرات قتالية عالية وتجارب مريرة في جبهات مختلفة من بقاع روسيا ودول العالم وهذا ما جعلتها تثق بتلك القدرات والإمكانات المتوفرة لديها جيداً ولكن مقابل كل تحدي من جانب الأمريكان وحلفائها كان يجب على الروس أن يتخذوا إجراءات وقائية إضافية ليستطيع من خلق توازن عسكري في المنطقة وظل هذا غير ملاحظ للعيان وظلت روسيا أسيرة بيد القرارات الأوربية والمتحكمين فعليا بالاقتصاد الروسي الضعيف ولكن لدى استلام باراك أوباما للسلطة في الولايات المتحدة وتردده المثير والبطيء جداً باتخاذ القرارات السليمة لصالح الشعوب المؤيدة لها والتي بدورها صبت لصالح الروس والذي استفاد من هذه الفرصة تماما فتحين الفرص لصالح الدولة الروسية أولاً ومن ثم لصالح تثبيت حلفائها ثانياً , هذه السياسة التي أدخلت الروس في تجارب عديدة في مختلف مناطق العالم وبنتيجتها برهنت على إنها المارد الجديد والقوة التي لا يستهان بها بل ودخلت في عدة صراعات جانبية ومع أطراف مختلفة انتهت لصالحها والتي شاهدناها في شبه جزيرة القرم وفي أوكرانيا وحتى في سوريا أو من خلال العمل الدبلوماسي لصالح حلفائها سواءٍ في كوبا أو إيران وغيرها ودون أن تتجاوز الخطوط الممنوعة أو المناهضة لدولة إسرائيل ورأس مالها القوي لتبقى روسيا صاحبة عدة امتيازات مكتسبة بأوروبا وبعضٍ من الدول العالمية والتي باتت تنتظر الرأي الروسي وتحركاته خوفاً من قطع إمدادات الغاز عن أوروبا بالإضافة إلى مواد أخرى أصبحت روسيا الممول الرئيسي لمعظم الدول الأوربية . ولكن التدخل الروسي المباشر في مناطق الشرق الأوسط هي من لفت الأنظار أكثر فسوريا تعتبر المعقل الأخير لها وهي المعبر الأساسي لبقائها في بحر المتوسط والأحمر ومحط ضغط على الأوربيين والأمريكان ولهذا نرى بأنها تدافع بكل قوة عن النظام السوري ولا أعتقد بأنها ستخرج من سوريا في الوقت القريب والراهن وما نراه من تثبيت وترسيخ قواتها العسكرية في منطقة الساحل السوري لهو اعتراف رسمي من الآخرين بضمان الحقوق الروسية بالمنطقة وكل ذلك بخبرة وحنكة الرئيس فلاديمير بوتين هذا الرجل الذي برهن على خلط الأوراق الدولية والإقليمية في منطقة الشرق الأوسط ونيل الاعتراف بالقوة الروسية العسكرية من جديد والصعود بها إلى الواجهة مرةٍ أخرى كقوة منافسة حقيقية للأمريكان والأوربيين وورقة ضغط مربحة تجاه الدول العربية والخليجية وتركيا حصراً.