لماذا تعتبر الفيدرالية تقسيما لسوريا
زارا إبراهيم صالح – لندن
فيدرالية روج أفا وشمال سوريا التي أعلنها حزب الاتحاد الديمقراطي قبل أيام، أثارت جدلا و ردودا سياسية بين مختلف التيارات في سوريا معارضة ونظاما، ووضعت القضية الكردية مرة أخرى ضمن أولوية المداولات، ليس في سوريا وحسب، بل في المحيط الإقليمي نظرا للبعد القومي والكردستاني لها، وكذلك على مفهوم الشراكة وصيغة العلاقة بين المكونات التي يتعايش معهم الكرد. وبات الحديث عن ( خطر التقسيم وفوبيا الانفصال) مجددا كمتلازمة الأمن القومي للدول التي ألحقت بها أجزاء من جغرافية كردستان. لكن لماذا هذا التهويل والخوف من مجرد اعلان فيدرالية هي في لغة الاصطلاح والممارسة تعني الاتحاد، في حين لم نشهد هذا الغضب لدى ( الحريصين على وحدة البلاد) عندما أعلنت داعش عن خلافة إسلامية ضمن حدود سوريا والعراق، ولم تأخذ هذا الحيز من الاهتمام ! بل يمكن القول إن البعض من الشخصيات القيادية في المعارضة فضّلت داعش على النظام فيما إذا عُرض عليهم الاختيار فيما بين الإثنين.
يمكن القول بأن منظومة الاستبداد وعبر الدولة الأمنية-القمعية لحزب البعث قد نجحت في تفكيك بنية المجتمع السوري، ليس فقط الرأي الجمعي، بل حتى النخب السياسية والثقافية مازالت تعيش تبعات ذلك الإرث بجوانبها السلبية التي ألغت الثقة بين المكونات، وصوّرت ( الآخر ) كعدو وخطر خارجي، خاصة في الحالة الكردية ( إسرائيل ثانية- خنجر في خاصرة الأمة وغيرها) كي يكون هناك عدو خارجي وداخلي يستطيع النظام تمرير سياساته وتأجيل الاستحقاقات، وكذلك ضرب المكونات بعضها ببعض. ورغم أن سوريا لم تشهد قيام الدولة الوطنية الجامعة بمعناه الحقيقي حتى بعد الاستقلال، بعد أن اغتصبها البعث باسم الشعارات، ليكون بعدها ثورات الربيع العربي التي عبّرت عن توق شديد للحرية، وكذلك كشفت عن زيف الماضي وهشاشة الأنظمة التي حكمت باسم الدولة المركزية بقوة الاستبداد، وظهرت للعلن كل الحقيقة في احتقان مذهبي-طائفي، وكذلك قومي وديني، في ظل انقسام كان قائما في الأصل. واليوم بدأت تأخذ اطارها الطبيعي لمناطق وامارات تحكمها ميليشيات أغلبها جهادية-قاعدية ومنها سلفية، هذا عدا عن داعش، وكذلك مناطق سيطرة النظام، وتحديدا ترسيم ملامح الدولة العلوية المفترضة بعد رسمها بمساعدة ايران وحزب الله وروسيا مؤخرا، إلى جانب منطقة الدروز والمناطق الكردية في الشمال والشمال الشرقي من سوريا. ا
في ظل هذا الانقسام الموجود على الأرض، وصراع الأجندات الإقليمية والدولية التي تمتلك مفاتيح إدارة الحل لسوريا المستقبل، نجد الطرح الروسي للفيدرالية الذي جاء على لسان نائب وزير الخارجية، وبعدها تهديدات الوزيرالأمريكي كيري بالتقسيم اذا فشلت المفاوضات،أفضل صيغة لادارة سوريا والتوافق بين مكوناتها وحماية الأقليات القومية والدينية، ومنع إعادة انتاج لديكتاتورية جديدة سواء باسم الدين، أو المذهب، أو الأغلبية، او حتى الحزب الواحد)،لأنها ستكون المدخل لتجنب التقسيم. عندما ترفض المعارضة السورية( الائتلاف الوطني السوري) حتى فكرة الفيدرالية، وتفسرّه تقسيما على خلاف كل المعاجم والدول المتطورة التي تطبّقه عمليا، ثم يأتي النظام ويهدد كل من تسول له نفسه تقسيم البلاد باسم الفيدرالية، وأنه من الأفضل له الاستعاضة عنه بحبة بانادول، فإن هذا التفسير عمليا يسير بالبلاد نحو ترسيخ ذلك الانقسام القائم على الأرض.
وإذا كانت الحجة في الرفض هي بسبب الجهة التي أعلنته ” حزب الاتحاد الديمقراطي”، فإن الائتلاف الوطني السوري يعلم جيدا بأن المجلس الوطني الكردي الذي هو عضو ضمن الائتلاف قد طرحه منذ بداية الثورة عام 2011 تحت بند ( الفيدرالية لعموم سوريا )، وليس مناطقيا فقط، ورغم ذلك فقد رفضه الائتلاف وفسّره بالتقسيم. النظام من جانبه يدّعي ويُعلن بأنه ينسّق مع حزب الاتحاد الديمقراطي،و يدعمه عسكريا، وضمن مجلس سوريا الديمقراطي هناك جميع المكونات من الكورد والعرب والمسيحيين، لكنه رغم ذلك يرفض الفكرة أساسا ويعتبرها مساسا بوحدة الأراضي السورية. حقيقة الموضوع لا يتعلق بالجهة التي طرحت المشروع، بل أن الفكرة غيرة مقبولة سلفا من قبل الجهتين. فالنظام أمر طبيعي رفضه لأي بديل عنه في حكم سوريا، ولكن أن تدخل المعارضة في هذا النفق وتتقاطع رؤيتها مع النظام في مسألة مفصلية تحدد مستقبل وشكل الدولة القادمة، فهذا يدعو للحيرة والسؤال عن ماهيتها، وكذلك طبيعة التغيير الذي تريده، فهي تضع الأقليات الدينية والمذهبية والقومية في حالة الشك من إعادة انتاج الاستبداد بمسميات أخرى، وتحت يافطة دولة المواطنة، أو الدولة المدنية. كذلك معظم الكتائب العسكرية وحتى نخبها السياسية ترفض فكرة الفيديرالية، وتقول بانها ستحاربه حتى بقوة السلاح.
فدرلة سوريا،أو أقليم فيدرالي كردي هو مطلب جماهيري كردي ،رغم اختلاف الآراء السياسية بين التيارات الكردية ،و كان على الاتحاد الديمقراطي القيام بمحاولة اشراك بقية القوى السياسية في هذا المشروع وعرضها عليهم ( منها القوى الرئيسية مثل المجلس الكردي ) لمناقشته، كي يأخذ بعدا عاما لكافة مناطق كردستان-سوريا ومكوناتها. وهنا لابد من التأكيد على نقطة مهمة حول أهمية أن يكون الاستفتاء على هكذا قرار مصيري متعلق بالكرد، يقررون مصيرهم كما هو مدون وفق العهد الدولي وقوانين الأمم المتحدة لجهة حق تقرير المصير.
رغم نواقص هذا الإعلان عن ” فيدرالية الشمال السوري”، إلا أنه يضع الجميع أمام أكثر القضايا حيوية، وهو معالجة قضية الكرد التي باتت على سلّم أولويات مشروع التغيير القادم في اطار الجغرافية والخرائط الجديدة، وهو اختبار للمعارضة السورية ومشروعها المستقبلي حول البديل القادم بعد رحيل الأسد، فالذين يرفضون توقيت الإعلان، هم في الأصل يرفضونه حتى لو طُرح بعد عشر سنوات أخرى، فالقضية لا تتعلق بالزمن، ولا بالجهة التي أعلنته، بل بقبول فكرة المشروع من أساسه، وهذا بكل تأكيد سيحدد مصير العلاقة الكردية-العربية، وكذلك مصير العقد الاجتماعي المستقبلي بين مختلف المكوّنات السورية.
الحقيقة الثابتة أن أعلان المشروع الفيدرالي الكردي، عكس فجوة هائلة ،وجهل سوري بماهية القضية الكردية ، ونزعة الكرد بتأمين مظلة حامية لهم في مستقبل سوريا ،من خلال الدولة الاتحادية التي ستحمي ليس فقط الكرد ، بل الأقليات السورية من مسيحيين ودروز وعلويين ،من الخطاب السياسي الطائفي السوري” الأكثرية السنية”،وستنقل سوريا من عهد الدولة البوليسية ،وحكم العائلة،إلى حالة جديدة يمكن لهم الانتقال الهادئ والسلس للديمقراطية. وعد استيعاب السوريين لأهمية وخطورة المسألة الكردية في تحديد شكل سوريا القادمة ،وبقائهم على خط واحد من ثقافة الديكتاتورية،ورفض الآخر المختلف، سيفتح الطريق أمام حسابات جديدة في علاقة الكرد بالمعارضة،وبالدولة السورية، والبحث عن خيارات أكثر وجعا للشركاء السوريين ،وهو خيار الانفصال، في ظل انتهاء اتفاقية سايكس بيكو المشؤومة، وتنامي مشروع الشرق الأوسط الجديد، الذي سيكون الكرد أحد أهم لاعبيه، بعد أن ظُلموا عقودا طويلة، وحيوية الورقة الكردية لواشنطن وموسكو واوروبا في الحرب ضد داعش والإرهاب، كل هذا يجعل من اللاعبين الأكراد أكثر حماسة لرفع سقف مطامحهم داخل شرق أوسط ما زال يعيش على أرث وثقافة الطغيان التي تحكم على الأقليات بالموت ،وعدم الفكرة بالمستقبل.