لا اعتراف بحق الكورد إلا بوحدتهم – الجزء الأول
جان كورد
07 Mai, 2016
يتساءل المرء عن الأسباب التي تعيق دائما مناقشة “القضية القومية الكوردية” في سائر المؤتمرات التي تعقدها الدول والمنظمات “الإسلامية”، على الرغم من أنها تناقش وبإسهاب قضايا مختلف الشعوب الإسلامية، الكبيرة والصغيرة، في شتى أنحاء العالم، وكان آخرها المؤتمر الإسلامي الكبير الذي انعقد مؤخرا في إستانبول التي كانت لقرون عديدة مركز الخلافة وقلبها النابض بالحياة. حتى وصل الأمر ببعض المثقفين الكورد، ومنهم أستاذنا الدكتور أحمد الخليل، ذي المعرفة الواسعة بشؤون العالم الإسلامي وبقضية شعبه الكوردي، أن يسألوا مثل هذا السؤال:
هل هذا الإهمال لقضية شعبنا الذي يزيد سكانيا عن 40 مليون نسمة ومساحة عن أكثر من 5 دول أوروبية مجتمعة، من جهة هذا التجمع الإسلامي الضخم، دعوة صريحة لإخراج الشعب الكوردي ذي الغالبية العظمى المسلمة (سنة وشيعة) من الدين؟
برأيي، فإن القضية أعظم مما نتصور، لان مجرد مناقشة هذه المسألة الخطيرة في هكذا اجتماع ذي أهداف مرسومة لأصحاب الدعوة والأقوياء ممن حضروا في هذه المؤتمرات سيفتح بابا واسعا لطرح سؤال كبير على الجميع، ألا وهو:
“لماذا لا يحق للشعب الكوردي نيل حريته واستقلاله مثل غيره من شعوب العالم، وتصبح مناقشة ما يخصه أمام مؤتمرات دول المسلمين مرهونا بقبول أو عدم قبول من يحتل أرض الكورد؟”
وهذا السؤال سيؤدي إلى أسئلة أخرى تأتي معها بنزاع سياسي قد لا ينتهي بين من يؤيد هذا الحق في تقرير المصير، وهم قلة او أقلية كما يبدو، ومن ضد هذا الحق ويساهم في تمزيق وطن الكورد وسلب حريتهم واستعمار خيراتهم وزجهم في حروب متتالية بهدف استنزاف قواهم وطاقاتهم، بل العمل على ضربهم بعضهم ببعض رغما عن أنفهم.
ونصل إلى نتيجة مفادها أن الكورد بسبب صنوف التجزئة التي يعانون منها أضعف من أن يشكلوا “لوبي” في مراكز القرار الإسلامي، وأعني في عواصم الدول المؤثرة في الخطط التمهيدية لعقد هكذا مؤتمرات. ولذا لابد من:
– إلقاء نظرة على واقع وتاريخ وجغرافية كوردستان
– التطرق لصنوف التجزئة التي يعاني منها الكورد
– بناء الأسس لقيام حراك كوردستاني يعمل من أجل نيل حق الكورد في الاستقلال
– بناء مايلزم من أسباب القوة التي تمهد لاقامة الكيان الكوردي السياسي الذي يصون هذا الحق ويحميه.
أولا: كوردستان تاريخيا وجغرافيا
تقع كوردستان – Kurdistan – وتعني: وطن الكورد- في جنوب غرب آسيا بين خطي الطول 30 – 40 وخطي العرض 37 – 48 بمساحة تزيد عن 530000 كم مربع من سهول وهضاب ووديان عميقة بين سلاسل جبلية شاهقة.
مناخ كوردستان معتدل عموما في المناطق السهلية والمرتفعات، بينما قاري في الوديان غير المزروعة، وتتراوح درجات الحرارة بين 30 – 35 درجة مئوية تحت الصفر شتاء و35 – 45 فوق الصفر صيفا. والأمطار في بعض الأنحاء من كوردستان تبلغ 200 – 400 مم سنويا، بينما تزداد في السلاسل الجبلية الى 700 – 2000 مم، وتصل الى 3000 مم في الإرتفاعات الكبيرة، التي تتراوح بين 1000 م و1500 م، وبينما لا يزيد ارتفاع مدينة هولير (أربيل Erbil) عن 430 م فإن مدينة بيجارBicar تقع على علو 1920 متر عن سطح البحر.
تعتبر كوردستان من حيث العموم بلادا جبلية، إذ يبلغ إرتفاع جبل آكري الكبيرAgirî 5258 م وارتفاع جبل رشكوه في منطقة جيلوداغ 4168 م وآكري الصغير 3925 م… وفي كوردستان بحيرات مهمة، منها بحيرة (وان) التي تبلغ مساحتها 3765 كم مربع ويصل عمقها في بعض المواقع الى 100م وترتفع 1120 مترا عن سطح البحر، بحيرة (أورمية) التي تبلغ مساحتها 6000 كم مربع وعمقها يصل الى 15 م في بعض الأنحاء وفيها جزيرة (شاهي) بمساحة 25 كم مربع، بحيرة خامزار (غول – جوك) عند آمد (دياربكر) التي ترتفع 1155 مترا عن سطح البحر، بحيرة (زيفار) قرب (مريوان) ويبلغ عمقها حوالي 15 مترا ومساحتها 8 كم مربع.
تشكل الغابات 8 – 10% من مساحة كوردستان، وهي غابات معتدلة، وتتكون في معظمها من شجر البلوط والسنديان، من البطم والتزبي والنرمك… الخ. وفي كوردستان أنهار عديدة، منها الكبيرة مثل نهر (آراس) على الحدود الأرمنية – الآذرية وينبع من منطقة بينكول Bîngol ويقطع في كوردستان مسافة 435 كم، بينما طوله الكلي 920 كم، نهر (تيكرا أو تيرا) (دجلة) الذي ينبع من بحيرة (كول جوك) شمال آمد Amed وطوله في كوردستان 600 كم ، بينما طوله الكلي 1900 كم ويصب في الخليج العربي – الفارسي بعد أن يلتقي في شط العرب مع نهر الفرات الذي ينبع هو الآخر من كوردستان في منطقة (دوملو تبه) شمال أرزروم (أرض روم)، حيث يمتد فرعه المسمى جمى رش ( قره صو) 460 كم ومن (آلاداغ) بين (وان) و(آكري) حيث يمتد فرعه المسمى جمى مراد ( مراد صو) 615 كم ويلتقي الفرعان قرب آلازيغ Alazîg فيسير النهر العظيم في كوردستان مسافة 1110 كم ، بينما طوله الكلي يبلغ 2800 كم… وهناك أنهار أخرى مثل الزاب Zab الكبير 450 كم والزاب الصغير 200 كم في جنوب كوردستان، ويصبان في نهر تيكرا ( Tîgra دجلة)، وأنهار أصغر مثل (أوزانى صور)Hozanê Sor (قيزيل أوزان) قربة مدينة (ديوان ده ره)، يسير في اقليمي (زنجان) و(ميانه) ويصب في قزوين، وهناك نهر بتليس، وبوتان وسيرفان، غاماسياف، جاغاتو، تاتائو، آفرين (تحول إلى بحيرة كبيرة بسبب بناء سد ميدانكي عليه، جغجغ ….
في كوردستان ثروات طبيعية كثيرة الى جانب مصادر المياه الحيوية هذه، مثل النفط الذي يشكل حوالي 8 % من إحتياطي النفط العالمي، ويستخرج حاليا من قبل الحكومات التي تقتسم كوردستان (وأخيرا من قبل حكومة إقليم جنوب كوردستان أيضا)، في كركوك (جنوب كوردستان)، في قه ره جوك في الجزء السوري من كوردستان، سيرت وباطمان (شمال كوردستان) وفي شاه آباد (شرق كوردستان). والبترول يعتبر من أهم الأسباب التي تكمن وراء عدم حصول الكورد على حريتهم واستقلالهم وهو السبب الذي يدفع بالحكومات الغاصبة لكوردستان الى إرهاب الشعب الكردي والإبقاء على سياسات الاضطهاد حياله، في وقت تساند فيه القوى العالمية هذه الحكومات بالعتاد والسلاح وتسكت على القمع الوحشي في كوردستان، بما فيه استخدام أسلحة الدمار الشامل كالأسلحة الكيميائية، كما جرى أثناء حرب الأنفال وقصف مدينة حلبجة في عام 1988م وذلك للحصول على مزيد من الامتيازات البترولية وتخفيضات الأسعار (الخاصة والسرية) على غرار ما كانت الحكومة العراقية تفعله باستمرار.
وفي كوردستان ثروات أخرى كالحديد في دفرك وراجو، النحاس في إيرغان ولورستان، الكروم في آمد، الكبريت في سنه، الذهب في كرمنشاه، الفضة في كابان، إضافة الى احتياطي هائل من الفحم والملح والخارصين والزئبق في مناطق مختلفة من كوردستان. ولدى الكورد أيضا ثروة حيوانية كبيرة من المواشي والحيوانات الأليفة، الطيور، الأسماك وحيوانات الصيد البري وذلك لوفرة المراعي والغابات والأنهار وأماكن الصيد.
الكورد شعب جبلي قديم يبلغ عدده الآن أكثر من 40 مليون نسمة (إذا كان هناك شك من قبل البعض في الرقم فليطلبوا من الأمم المتحدة إجراء إحصاء في كوردستان!)، وهم يتوزعون بين الريف 75% وبين المدينة 25 %، مسلمون سنيون، وفئات هامة من اليزيديين (اليزدانيين: الإلهيين) (أقل من مليون حسب تقديرات الدراسات الأوربية المختلفة)، العلويين (حوالي 2 -4 مليون)، المسيحيين (وهم على الأغلب عدة آلاف من الآشوريين، الأرمن، السريان والكلدانيين) وكذلك اليهود (وقد هاجر معظمهم الى الأرض المقدسة) والتاريخ اليهودي يعترف بأن الكورد لم يضطهدوا اليهود أبدا، بسبب تقاليدهم وأخلاقهم التي تسمح بحرية العقيدة منذ أن دخلوا في عقيدة زرادشت، ومن ثم عملا بقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ((من آذى ذميا فقد أذاني.)) والكورد ليسوا قوم الإيذاء والعدوان. وإضافة الى تلك الفئات توجد (جماعة أهل الحق) وجماعة (علي إلهي) بأقلية ضئيلة… كما هناك في كوردستان بعض الآذريين والفرس والعرب والتركمان والشركس والشيشان وغيرهم من الذين نقلوا الى كوردستان لإحلالهم محل الكورد المهجرين في مختلف المراحل التاريخية عن بلادهم وأرض آبائهم وأجدادهم، وبسبب الحروب المتتالية في المنطقة والتهجير، مثلما يتواجد الكورد في الباكستان وفي خراسان في شمال شرق إيران وغرب تركيا (منطقة قونيا وحول أنقره) وأنحاء أخرى من العالم (في جمهوريات الاتحاد السوفييتي المنحل وأوروبا الغربية وسواها).
اللغة الكردية هي فصيلة من اللغات الهندو-أوربية مثل الفارسية والأفغانية وتتضمن هذه اللغة ثلاث لهجات أساسية هي:
– الكرمانجية ويتكلم بها معظم أكراد كوردستان الشمالي وبهدينان في جنوب كوردستان والجزء الشمالي من كوردستان الشرقية، إضافة الى الكورد في سوريا والمتواجدين منهم في أرمينيا وآذربايجان وطاجكستان ولبنان وخراسان …
– الصورانية ويتكلم بها الكورد في جنوب كوردستان بين رواندوز وأوروميا، والكورد في مناطق مهاباد وكرمنشاه وجنوب كوردستان الشرقية….
– الزازاكي (دوملي) ويتكلم بها الكورد في منطقة ديرسم وبعض الجيوب الصغيرة الأخرى في شمال كوردستان، كما هو الحال في آمد..
وتعتبر الكرمانجية من حيث عدد الناطقين بها أكبر اللهجات الكردية، ثم تأتي من بعدها الصورانية، وهناك لهجات أخرى صغيرة مثل اللورية التي يتكلم بها الكورد في لورستان، وتعتبر هذه اللهجة من اللهجات الكردو-الإيرانية القديمة جدا.
كما يجدر بالذكر أن الظروف الجغرافية والتاريخية، إضافة الى سياسات الإبقاء على تخلف وتجزئة كوردستان واضطهاد الشعب الكوردي هي العوامل التي تسببت في إيجاد ظروف قاسية لنمو وتطور اللغة الكوردية. ولكن مهما يكن فإن اللغة الكوردية لاتزال أنقى وأصفى من الفارسية والتركية على حد سواء، حيث تشربتا المفردات العربية بشكل كبير جدا. وقليل من الأـراك يعلمون أن أسماء معظم صحفهم الشهيرة عربية، مثل (صباح، زمان، جمهوريت، حريت، ملليت، ترجمان…) وعلى الرغم من اعتناق معظم الكورد للدين الإسلامي ورغم سياسات التعريب المستمرة فإن اللغة الكوردية تشربت أقل عدد من الكلمات العربية بالنسبة الى غيرها من لغات الشعوب الإسلامية التي لها دول وحكومات.
لقد كانت اللهجة الكرمانجية لغة الأدب الكلاسيكي، إلا أن اللهجة الصورانية انتعشت تماما في القرن التاسع عشر، ومن ثم بعد قيام جمهورية مهاباد الكوردية (1946 – 1947) في شرق كوردستان، وبعد نجاح ثورة عبد الكريم قاسم على الحكم الملكي الفاسد في العراق عام 1958م، حيث أصبحت لغة الصحافة والإذاعة والحركة السياسية الكوردية.
هناك أدباء وشعراء كورد بارزون، إلا أن الفتوحات والحروب المستمرة في كوردستان قد قضت على التراث الكوردي القديم، وخاصة الآداب التي سبقت دخول الإسلام الى كوردستان كالنصوص الزردشتية التي لم يبق منها سوى (زند آفستا) ونصائح (بير شاليار)، وقد أحرق المغول والعرب معظم الكتب في كوردستان أثناء دخولهم المعابد والقصور الكردية.
بقي من التراث الكردي الإسلامي القليل، مثل رباعيات بابا طاهر (935 – 1010 م) وهي باللهجة اللورية، ديوان (ملايى جزري) من القرن الثاني عشر، بعض مؤلفات الشاعر الكبير أحمدى خاني، ومنها ملحمته الشعرية الخالدة (مه م وزين) Mem û Zîn التي ترجمها الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي الى العربية وقاموسه الشعري بالعربية والكوردية (نوبهار: الربيع الجديد)، إضافة الى رسالته “في بيان أركان الإسلام” بالكردية وذلك بين (1650 – 1706م)، إضافة الى أشعار (فه قى تيران) Feqê Tîran التي يندر لها مثيل وخاصة قصيدته الطويلة (به يتا دلي – قصيدة القلب)…. وديوان برتويى هكاري وبعض أعمال الشعراء المشهورين من أمثال علي حريري، منصور كركاشي، عبد الصمد بابك… ثم نعثر على شعراء بارزين آخرين في القرن التاسع عشر من أمثال مولوي (1815 – 1892م) والشيخ عبد القادر كويي. ومع أواخر القرن الماضي وأوائل القرن العشرين أنجبت كوردستان أدباء كبار مثل (بيره مه رد) Pîre Merd (1867 – 1950م)، أحمد مختار (1905 – 1948م) و (كوران) Goran الذي توفي عام 1962م، إضافة الى (نالي) Nalî ، (سالم) Salim، (كوردي) Kurdî، (هه زار) Hejar، (وفائي)Wefayî، (وداعي)، (هيمن) Hêmen، (بى كه س) Bê Kes ، (جه كه رخوين) Cegerxwîn، (مزوري) Mizûrî، (شيركو بى كه س)… وهناك شعراء وكتاب عديدون قد أتلفت دواوينهم أو لاتزال مخطوطات لم تر النور، من أمثال الشيخ الشاعر عبد السلام ناجي جزيري (ناجي) (توفي 1938م) وحزني وغيرهما… هذا دون أن نتطرق الى جيل الأدباء الكورد الذين تزخر بهم كوردستان منذ بداية العشرينات ويزدادون إلتصاقا واهتماما بواقع شعبهم المستعبد وينتشرون في عموم كوردستان ، رغم كل الممارسات القمعية بحق الثقافة واللغة الكردية. ولقد كتب عديد من الكورد باللغات العربية مثل الشاعر المشهور أحمد شوقي أمير شعراء العرب وبالفارسية وكذلك بالتركية والفرنسية والروسية والإنجليزية والألمانية… وذلك في شتى مجالات العلم والأدب.
إلا أن نسبة الأمية في كوردستان عالية، أما بين النساء فتزيد النسبة عما بين الرجال، وهذا نتيجة من نتائج الاضطهاد القومي الشوفيني الذي تمارسه الحكومات المغتصبة لكوردستان، ومن صنوف ذلك الاضطهاد هو الادعاء بأن العلم يقضي على الأنوثة والشرف والمجتمع والدين، في حين أن الإسلام يدعو للعلم، وأول كلمة من القرآن نزلت على الرسول الأكرم (صلى الله عليه وسلم) هي (إقرأ) وهو الذي قد قال منذ ألف وخمسمائة عام، عندما كانت البشرية غارقة في الجهل: العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة… أو كما قال، ولم يستثني الكورد من ذلك، كما حاول العثمانيون تجهيلهم تماما.
عاش الكورد منذ فجر البشرية في مهد الحضارة كوردستان، وهم من سلالة قبائل زاغروس الجبلية الشديدة البأس، حتى أن بعض مفسري القرآن الكريم قد نوهوا الى أن المقصود بقوله تعالى (ستدعون الى قوم أولي بأس شديد) هم الكورد. ومن تلك القبائل غوتيGotî، لولومي Lolomî، كردوخيKurdoxî، وكورتي Kurtî… وتمكنت قبائلهم الميدية بالتحالف مع البابليين من إحتلال مدينة نينوى الآشورية على يد الملك الميدي كه ى اكسار عام 612 ق.م، وكانت الدولة الميدية دولة قوية قامت على أساس التحالف القبلي، ودامت أكثر من قرن من الزمان قبل أن تخضع لحكم الفرس وكان آخر ملوكهم آستياخ.
عرف الأكراد باسم كرد Kurd في العهد الساساني في القرن السابع من الميلاد، وأقاموا دولا وإمارات قوية بعد ظهور الإسلام وانتشاره، منها دولة الشدادين عام 951 م ودامت قرنا من الزمان، دولة الميروانيين (990 – 1069م) في كوردستان المركزية، ثم دولة الأيوبيين (1169 – 1250م) والتي شملت معظم الشرق الأوسط ودحرت الصليبيين بقيادة السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي، رحمه الله.
وتعرضت كوردستان الى غزوات ساحقة مثل غزوات السلاجقة الترك 1051م والمغول1231م، ثم الغزو الكاسح لتيمورلنك عام 1402م. وقد دمرت هذه الغزوات، ليس اقتصاد كوردستان فحسب، بل معظم الحياة الاجتماعية والثقافية الكردية، مما ساهم في انحطاط الوضع الكوردي عامة بصورة تدعو للأسف ووقوعهم من بعد ذلك تحت سيطرة الترك والعرب والفرس الى يومنا هذا.
ولقد استطاع الترك أن يربطوا الكورد باسم السنة بأنفسهم ويجعلوهم وقودا في حروبهم المذهبية ضد الصفويين الفرس الشيعة وفي فتوحاتهم في بلدان البلقان وشمال أفريقيا. إن معركة (جالديران) الشهيرة في سهل (شهرزور) الكردية عام 1514م ومن بعدها اتفاق الطرفين العثماني والفارسي على تقسيم كوردستان بينهما في عام 1639م قد تسببا في تمزيق الشعب الكردي، في بادئ الأمر الى جزأين، ومن بعده الى عدة أجزاء.
على الرغم من ذلك تشكلت إمارات كردية تمتعت باستقلال نسبي في نطاق الدولة العثمانية، مثل إمارة ادريس البدليسي، وضمن حدود فارس مثل المملكة الزندية بزعامة (كريم خان زند) في القرن الثامن عشر، إمارة (أردلان) في القرن التاسع عشر، وإمارة (بابان) التي دامت قرنا من الزمن وكان مركزها في مدينة السليمانية التي يقول عنها شاعر كردي فيما بعد:
(وترجمتها: أتذكر أن سليمانية كانت دار الملك “عاصمة” لبني بابان
لم تكن محكومة من قبل الفرس ولا مسخرة لآل عثمان …)
ولقد قضي على هذه الإمارة في عام 1823م نتيجة تجديد إتفاقية الحدود بين الفرس والترك. وأخيرا إمارة (الرواندوزيين)، إمارة (آل بدرخان) وإمارة (شمدينان) في القرن التاسع عشر.
بعد هذه المقدمة التي كتبناها قبل سنوات عديدة لكتيب نشرناه تحت اسم آخر، وأجرينا فيها تعديلا الآن، نتقدم للحديث عن أشكال التجزئة في كوردستان، ومنها (التجزئة الثقافية، الاقتصادية، الاجتماعية والسياسية) في الجزء التالي من هذا البحث، إن شاء الله.