صفقة (سايكس – بيكو) …. الرابحون والخاسر الوحيد
قهرمان مرعان آغا
إذا أنطلقنا من واقع الحال وما آلت إليه الأمور في النهاية على إعتبار العبرة في النتائج , فإن الخاسر الوحيد هو الشعب الكوردي , من إتفاق بريطانيا و فرنسا ( سايكس – بيكو ) , بينما باقي مكونات الإمبراطورية العثمانية من العرب و الترك و الفرس و الأرمن , وبمساعدة الدول المنتصرة في الحرب الأولى , تمكّنَتْ من تشكيل كيانات و أُلحقت أرض و شعب كوردستان بتلك الدول منذ قرن من الزمان . ناهيك عن استقلال الشعوب الأخرى الآزريون , الجيورجيون , البلغار , اليونانيون ,إضافة إلى إحتفاظ أيران بكيانها . ودون الدخول في اسباب وتفاصيل تلك المرحلة و بإختصار .
بالنسبة للترك : كان شرط الحلفاء بعد تمكين أتاتورك من توسيع نفوذ الإتحاد و الترقي و الحركة القومية التركية فيما بعد , بما يشمل مساحة تركيا الحالية , هو إنهاء الخلافة العثمانية برداءها السني ومظاهرها الإسلامية , وفق مؤتمر باريس للسلام 1919, و ما تلاه , الحيلولة دون تنفيذ معاهدة سيفر 1920 بما يضمن حقوق معظم المكونات , و من ضمنها حقوق شعب كوردستان , في الوقت ذاته كان أتاتورك يعمل جاهداً من خلال مؤتمر أزروم و سيواس بتجييش الشعب الكوردي في حربه ضد ( الكُفّار ) على حدود اليونان وبلغاريا ويجعلهم وقوداً في مواجهاته ( الصَليبية) الخادعة و التي توِّجت بالإنتصارات على جميع الجبهات فيما يعرف بالنسبة لهم بحرب ( الإستقلال), و تم الإستحواذ بمكر وخِداع على معظم مساحة كوردستان , من خلال إعلان الجمهورية التركية بمظاهرها العلمانية , دولةً للعنصر التركي دون باقي الشعوب و المكونات , وضمَّنها سياسياً بمعاهدة لوزان 1923 , بينما بقي الشعب الكوردي وحيداً يجر أزيال الخيبة و الخسران بعد إدراكه بأن مصيره قد وضِعَ بين أحجار الرَحى لمصالح الدول الإستعمارية المنتصرة في الحرب وخاصة فرنسا وبريطانيا وبات يشعر بالغدر والغبن والندم , بأنه لم يدرك معالم التغيير في السياسات والمصالح بعد وقف الحرب وهذا ما تبدى من خلال ثوراته المتلاحقة في مواجهة مستعمريه الجدد , تركيا الكمالية , بدءاً من ثورة الشيخ سعيد ورفاقه في آمد 1925 ولغاية ثورة السيد رزا (رضى) في ديرسم 1937 .
بالنسبة للعرب : دول شمال افريقيا على ساحل البحر المتوسط من المغرب إلى مصر خضعت للإحتلال الأوروبي بشكل مباشر , منذ أوائل القرن التاسع عشر…1830 وكذلك جنوب اليمن (عدن) وسلطنات ومشيخات الخليج الفارسي , وكان استقلال آخرها , (المحميات البريطانية) في عام 1971( دولة الإمارات العربية المتحدة), أما بلاد الشام والعراق ,حسب صفقة (سايكس – بيكو ), فكان نصيب العرب دولة فلسطين مع وعد بلفور وفيما بعد إلى دولتين حسب قرار التقسيم ( اسرائيل _ فلسطين يشمل الضفة الغربية وقطاع غزة ) , و كذلك إمارة شرق ضفة نهر الأردن ( المملكة الاردنية الهاشمية) و دولة لبنان مع ضمان سلطة روحية وزمنية للمسيحيين ( الموارنة) واخيراً سوريا والعراق وإلحاق جزء من أرض كورستان و شعبها بالدولتين الناشئتين /1920 و لم يضمن الدولتين الإستعماريتين فرنسا وبريطانيا , المنتدبتين من عصبة الأمم , أي اعتراف بوجود الشعب الكوردي وتطلعاته القومية . على العكس تبادلا الإمتيازات على ثروات كوردستان النفطية وفقاً لمصالحهما ومصالح شركائهم من القومية العربية .
أما بالنسبة إلى أيران , لم يتغير حدودها منذ اتفاقية جالديران بين السلطنة العثمانية السنية و الدولة الصفوية الشيعية 1514 التقسيم الجغرافي الأول لكوردستان وكانت لبريطانيا العظمى الدور الكبير في الحفاظ على إمتيازاتها النفطية منذ عام 1901 وهكذا ظل الجزء الكوردستاني الملحق بإيران دون إعتراف بحقوقه القومية .
أما بالنسبة للأرمن : فقد حظي الأرمن بدعم خاص لأسباب كثيرة ومعروفة , منها تعرضهم للإبادة على يد العثمانيين بدعوى تعاونهم مع روسيا القيصرية في حروب الدولتين على مداها , وأخرى دينية و وقوف الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون إلى جانبهم فيما يتعلق بنشوء دولة ارمينيا حتى سميت ب ( أرمينيا الولسونية ) حسب المصادر , بالرغم من وحدة الملف الكوردستاني و الأرمني في إتفاق سيفر , بينما بقيت مبادئه الأربعة عشر بخصوص حرية الشعوب /1918, كراريس و لافتات مكتوبة دون تنفيذ أو إعتراف وخاصة البند 12/ ضمان سيادة الأجزاء التركية وإعطاء الشعوب الأخرى غير التركية التي تخضع لها حق تقرير المصير …/.
_لعبت العنصرية القومية ( الفاشية ) في كل من تركيا وسوريا والعراق بالعداء السافر للشعب الكوردي المسالم الذي كان يتطلع و لم يزل للعيش السلمي المشترك في إطار من الثقة والحقوق المتبادلة , لكن يبدو أن المفاهيم السائدة في التباهي و التغني بالأمجاد في شرقنا المكتوي بنار الخلافات والحروب لا يحتمل معادلة الانسجام والتوافق الانساني في طل التنوع و الإختلاف دون الإنتصار على الآخر , بالقتل و الإرهاب .
وهكذا طوى التاريخ صفحاته , المئة سنة و أسدَلَه بستارٍ منسوج من مؤامرات الدول الإستعمارية , وأغلق ملف حقوق شعب عظيم وجبار لم يتوانى لحظة في الدفاع عن وجوده الأصيل على أرضه التاريخية كوردستان من خلال ثوراته وانتفاضاته وتضحياته الجسام .
حيث مرت أحداث كبرى خلالها , الحرب العالمية الثانية و الإحتلال الستاليني لشرق أوروربا واستقلال الشعوب وإنقسام العالم إلى قطبين الشرق و الغرب وصدى الثورات و نضالات حركات التحرر الوطنية و زعامة امريكا للعالم الديمقراطي الحر و من ثم إنهيار المنظومة السوفيتية و سقوط جدار برلين و تفكك الدول المركبة شرقاً وغرباً و نشوء كيانات , من البوسنة و الهرسك إلى تيمور الشرقية وسقوط الدكتاتوريات و الأنظمة الشمولية المجرمة وقيام ثورات شعوب الشرق الأوسط , لم نزل نلهي شعبنا الكوردي بمفاهيم مبتذلة غير سوية وسياسات كيدية مدمرة لا تنم عن وعي وإدراك لخطورة المرحلة و أهميتها وتجربة قرن من الزمان بهولها وبشاعتها و مآسيها ماثلة أمامنا , تتكرر بتلاوين وأشكال أشد عنفاً وتهديداً لوجودنا , في الوقت الذي نحن فيه أحوج إلى التوافق وتوحيد الإرادات و الجهود لتحقيق حرية شعب كوردستان في كيانٍ , حُرٍ , مستقلْ .
دويتش لاند في 16/مايو/2016 (صفحة 2/2)