حزب العمال الكوردستاني وانقلاب تركيا الفاشل
وليد حاج عبد القادر
بالرغم من أن الإنقلاب العسكري وعلى غرار أحداثها المتتالية بمفاجآتها التي تطورت كفيلم أكشن يوم 15 تموز الحالي لكنها مالبثت أن تحولت الى كوميديا رمادية إن بهزلها أو جديتها ، ولتضح بأنها أيضا واحدة من الإنقلابات العسكرية التي تميزت بها تركيا منذ ستينيات القرن الماضي ، وكلها الفاشلة منها والناجحة ، كانت للقضية الكوردية حضورها حتى قبل ان يرى حزب العمال الكوردستاني النور ، ولتختزل مؤخرا / عمليا / بالصراع بين منظومة حزب العمال الكوردستاني والعسكر و تحوله الى النظام الحالي الذي يصر على أن / يظهر / في صبغة دينية تتمظهر باسم متزعمها أردوغان !! . وهنا ، وعلى الرغم من هزات المنطقة ككل وانشغال غالبية العالم في الحرب على الإرهاب وبالترافق مع الفيض المتدفق من المتابعات اللحظية لتتالي الأحداث وردات الفعل الأساس إن من قبل النظام التركي وسلسبيل إجراءاتها المتلاحقة ، إلا أن هذا العرض غايته هو استعراض بعض من المقاربات مع ظروف انقلاب كنعان ايفرين عام 1980 وبالتالي ممهدات كوردية ايضا حينها وضعت ضمن رزمة الأسباب المباشرة لها وكنتاج وتجميع للحالة الكوردستانية بوتائرها الدموية البينية والتي شهدت استهدافات وتصفيات كبيرة واصبح الإغتيال السياسي العنوان الأبرز في التعاطي بينيا كورديا ، ساهمت فيها او انخرطت فيها غالبية المنظمات والقوى والأحزاب الكوردستانية ، والتي لاتزال لحد الآن الإحصائيات الدقيقة عن عدد الضحايا مغيبة وثائقيا . وهنا وبإلقاء نظرة سريعة على مقياس التعاطي البيني وبالقفز على مراحل عديدة ما ابتدأت من اعتقال السيد أوجلان والظروف التي أحيطت بها ومن ثم مراحل محاكماته ، كما وبغض النظر عن مجريات وقف العمليات العسكرية ومراحل المفاوضات ومظاهر الإنعطاف السياسي التي بدأت تتسارع ايديولوجيا سواءا في الموقف من المشاركات البرلمانية والتي وأدتها الشوڤينية التركية بسرعة من خلال اعتقالها للبرلمانيين / ليلى زانا ورفاقها / . وأمام المتغيرات المتسارعة عالميا وخاصة افرازات حرب الخليج الثانية 2003 وتدرجا حتى سنين الإنفجارات الأخيرة في عمق البنيان الزلزالي للمسألة الشرقية ككل ومن ثم التدخل التركي المباشر في كثير منها كإستنساخ للدور العثماني وبفاعلية حيوية ومتغيرة نسبيا ترتكز بالأساس على الموقع الإستراتيجي لتركيا بتماسه مع المنطقة في امتداد بري وبحري واقتصاد متماسك مع قوة ضاربة عسكرية بحشدها البشري والتي نأى بها أردوغان في ازمات سابقة . إلا أن الأخطاء الفاحشة التي ارتكبها أردوغان ونظامه والتي اربكت / غالبيتها / خطوط سياسية كثيرة ، والتي كشفت طموحاته الشخصية منها كما ومشاريعه ذي النزعة السلطانية وليتلخص الأمر كلها في نطاقية الطموح الشخصي و .. البقاء على خارطة تركية تتسع له في خلط جديد لأوراق ومحاور صراعات المنطقة فكانت مصالحاته كما صراعاته هي عينها الصدمة / المفاجئة / مصالحته مع روسيا واسرائيل / . كل هذه العوامل وضعت النظام التركي وبالترافق مع الصراعات البينية تركيا إن في نطاقية التوجه الإسلاموي بصبغته الأردوغانية وحليفه الأساس كان ذات يوم / غولن / مضافا لها صراعات حزبية داخل حزبه والأحزاب الأخرى وبالتالي بارمومتر تراجعاته في الإنتخابات البرلمانية ، وهنا ، طبيعي أن تنعكس أثر الأحداث الكوردية في إطار هذه الدولة والتي ما استطاعت أن تنأى بنفسها عن الثورات والمتغيرات التي اخذت تتسارع وبوتائر عالية في الدول المحيطة ككل وبالتالي انعكاساتها البنيوية على صيغة العلاقات والإصطفافات التي تموضعت ، ومن جديد ، وباختصار ، فقد لعبت متواليات الأحداث عمقا في كل من العراق وسوريا والملحقتان بهما جزأين من كوردستان جغرافيا وكونها معبر وبتواصل مباشر مع قطبين يختزلان / حسب ادعائهما !! / لابل ويمركزان الصراع المذهبي السني / الشيعي بكيانيتيهما ، وأعني بهما تركيا وإيران ، وبتماس مع الجزأين الكبيرين الآخرين من كوردستان وشعبها ، وبالرغم من تضاد مصالحهما جذريا ، إلا أنهما متفقتان حيويا ، وفي هذا المجال سوريا وأمام رخاوة النظام فيها عسكريا وفقدانها السيطرة على مناطق عديدة خاصة بدءا من النصف الثاني لعام 2012 تبلورت مواقف وآفاق جديدة تمحورت حول المتغيرات في كوردستان سوريا وظهور حزب الإتحاد الديمقراطي كقوة عسكرية
تمددت وبسطت هيمنتها الجبرية واكبتها تحولات آيديولوجية لمنظومة حزب العمال الكوردستاني وذلك بالنفي القوموي الصريح وشطب كل المعادلات الخاصوية والمتعلقة للبناء الدولاني المستقل ولتحل معها شعارات موائمة للمتغيرات ، فباتت الجغرافيا بخرائطها وتشكيلاتها القومية والقائمة أمور مقدسة والمس بها او حتى المطالبة بتغييرها عمالة مجانية وعودة الى التبعية الإستعمارية ، هذا الخطاب ، والذي بموجبه تم تجاوز اسس رئيسة كانت قد اعتمدت عليها المنظومة منذ افتراق السيد اوجلان عن اليسار التركي رغم بقاءه حتى حينذاك وفيا ل حكمت قفله جميلي وأعني هنا / سرخبون / أي الإستقلال الناجز والتي / هذا الشعار / بموجبه استقطب اعدادا هائلة من الشباب وسقط شهداء والآلاف من المعتقلين أيضا ، إلا أن هذا الشعار خضع الى تحولات كبيرة حتى قبل اعتقال السيد اوجلان / خاصة في العمق الكوردستاني وبالتالي وجود كوردستان من عدمه في اكثر من جزء وبالتلاقي مع علاقة الحزب حينذاك مع تلك الأنظمة / . واختصارا : فأن سياسة هذه المنظومة تتمحور حول ما يمكن أن تكسبه وقتيا وإعلاميا وما تضخه هي بالمقابل من أسس ترتكز عليها تلك الأنظمة في معادلاتها الدولية منها أو كضبط ممنهج للقوى وأجزاء كوردستان الأخرى ، وكأنموذج بسيط وواضح فلو تأملنا ظاهرة الوحدات التي انطلقت بإسم وحدات حماية الشعب الكوردي ، مالبثت أن أزاحت رداءها فأصبحت وحدات الحماية الشعبية ومن جديد لتتوافق مع الدور المنوط بها الى قوات سوريا الديمقراطية !! ، وكحالة ارتكاسية او انعكاسية ولبلورة هذه الصيغة بنقلها في حالة غير موائمة للظرف العسكري بأنموذجها الكوردستاني تركيا ، لابل ، أن المطلوب منهم كمنظومة قراءة محاسبية لكل ذلك الأمر !! رافقها طبعا عدم الإستعداد الجماهيري لنقلة منهجية في الصراع ونقلها من بيئتها وحاضنتها المحصنة بشريا وطبيعيا بجبال وعرة جدا والإنتقال بها الى التجمعات البشرية الكبيرة من بلدات ومدن ، كل ذلك ودون توفير أبسط مستلزمات الصمود سوى ارادة المقاومة وايضا بطابع مدني خاصوي لتلك المجاميع المتأصلة قومويا ، وهنا ، أن تلك المغامرة / بقناعتي / قد استهدفت بالأساس مدنا ومواقع لها إرثها التاريخي وأثرها النفسي ولتبدو / أقلها تدرج الأحداث / بأنها تستهدف الذاكرة الذاكرة الشعبية الكوردية والعمق التاريخي لمدن لاتزال اسمائها تدغدغ وكإرث قوموي كوردستاني / آمد ، گڤري ، سوره ، جزير ، نصيبين ، سيرت ، شرنخ / عدا عن أنها خلفت دمارا ورعبا باستهداف ممنهج للمدنيين والتي تجاوزت حسب ارقام نشرتها منظمة / هيومن رايتس ووتش / رقيب حقوق الإنسان منذ انهيار وقف النار لسنتين تقريبا بين تركيا والكوردستاني إلا أنه وجاء فيه / في تموز 2015 قتل 7078 مسلحا كرديا و 483 عنصرا من قوات الأمن و 338 مدنيا كما أرغم حوالي 355 ألف شخص دعلى النزوح / ( فقرات التقرير نقلا من جريدة الحياة الخميس 21 / 7 / 2016 العدد 19466 صفحة 7 ) وطبعا ظهرت الإستماتة التركية لمنع حزب العمال بالسيطرة على المدن الكوردستانية ، وطبيعي أن تنعكس العملية ايضا وتحدث نوعا من الإرباك ، لابل ، وخيط التناقض الذي أخذ يتضح من خلال جدلية التباين / حتى لانقول الصراع / بين مواقف قيادة قنديل العسكرية من جهة وتبلور وعي او توجه سياسي يراد لها أن تكون واجهة سياسية ولكن بريموت كونترول متحكم به وأيضا من قنديل ولكنها اصطدمت برفض خجول من السياسيين بالرغم من نتائج الصناديق الرائعة والتي لولا تضييق قنديل لربما كانت ستتمأسس عليها آفاقا ولربما فتح لمحاور تفاوضية جديدة وبموقع أشد تأثيرا ، وجاءت الخطوة الإنتكاسية ومن جديد لتستخدم كتقية لإبراز عنجهية وقمع
لابل وحشية الجيش التركي والتي لاتزال الذاكرة الجمعية الكوردية مملوءة بآلاف المجازر وقصص الرعب الممارسة عبر التاريخ وعلى هديها كل نظم الدول الغاصبة لكوردستان ، وهنا وبإيجاز وعلى الرغم من أن الأحداث اللاحقة باتت مكشوفة ومعها النقلة الأخرى في المسار العسكري واتخاذ منحى العمليات الإنتحارية وسط التجمعات المدنية وفي قرى وبلدات ومدن كوردستانية ، لابل وسقط ضحايا مدنيين ، مما حدا ببعض من قيادات حزب الشعوب الديمقراطية الى إدانة هكذا تفجيرات داخل المدن واعتبارها عمليات ارهابية / تصريحات القيادي آلتان تان أنموذجا / . إن إيجاد المبررات وعرضها كنقاط ارتكاز يتمأسس عليها الجهة المعادية ومن ثم الإستناد على فضاءات أيديولوجية وتوجهات غير مستقرة فأن أول انعكاس لهذه الحالة ستظهر من خلال المواقف المتناقضة من جهة وتعدد الرؤى أيضا بالرغم من ستالينية المنظومة والضبط المهيمن بالشرعية الثورية ومن خلالها التحكم بمركزية القرار وجبريتها ، إلا أن الإرتباك والتلبك ومن ثم المواقف من الإنقلاب وغوغائية بعض الممارسات ما أخفت حالة الصدمة والإنكشاف فقط على عموميات الحركة القومية الكوردية في كوردستان تركيا وآلية التعاطي المتناقض لمنظومة حزب العمال الكوردستاني بين مهلل أو معلل ومن ثم تعداد المبررات التي أوجدت وسهلا نجاح الإنقلاب العسكري وفي ساعاتها الأولى ، لابل وقبل أن تتضح معالمها ، وكالعادة اكتفوا بالوصف التعبيري للظاهرة بالنقيض من الموقف المسؤول لحزب الشعوب الديمقراطية المناهضة للإنقلاب والذي أوضح ومن على صفحته الرسمية على تويتر / إنه تحت أي ظرف من الظروف ومن حيث المبدأ يرفض الإنقلاب العسكري في تركيا مؤكدة على ضرورة تطبيق الديمقراطية / ( موقع روداو العربي ) . ومن جديد وأمام التقوقع في شرنقة الحدث سكونا ، يلعب أردوغان بنظامه المتشكل جديدا ، أي زمن يلدرم ، على مسارين : تكريس واستمرارية التهييج الممنهج ضد العمق الإستراتيجي لقضية كوردستان ككل ومتخذا من حزب العمال الكوردستاني واجهة ومن ثم ربطها كحالة استعدائية لوجود عدو متربص إن لأعمال ارهابية أو المس بوحدة البلاد !! حتى أن خطاب الحكومة التهييجي ضد p k k غطى على داعش في لفتتة موجهة كانت للقومويين الترك ، ووازى ظاهرة غولن ، ولتستكمل بالغارة الجوية قبل أيام ، وبتصوري ، أن هذه السياسة يبدو أنها تروق لبعض من القادة الصقور في حزب العمال وكحالة ظاهرها فوبيا أردوغان الذي أصبح بشخصه متضخما كمنظومة / وإن كان أردوغان يسعى لها بكل طاقاته وسبل القوة التي يتحكم بها / ولتتوفر على أرضيتها الغاية ، فيصبح استهداف نظامه هو الأساس وإن تلاشت على قاعدتها كل القضايا الأساسية الأخرى ، مع يقينهم الكامل بأنهم كحزب أكثر الذين عانوا من إنقلاب ايڤرين سنة 1980 والتي تتجاوز أضعاف مرحلة ما بعد هذا الإنقلاب ، وهنا / وبرأيي / فأن هذه الظاهرة لها امتدادات وكأثر رجعي ومظاهر عديدة تبلورت منذ سقوط نظام الشاه في ايران وعلى قاعدة تصدير / الثورة !! / وتغلغل جهات ايرانية وبطرائق عديدة لم تكن بأقل من ظاهرة التبشير / التشيع / على مساحة الكرة الأرضية ، ولم تتوقف مطلقا عند ظاهرة المتعطشين للبروباغندا وبالتالي الإتخاذ من موقف البقاء في نطاقية الأزمات وتناقضاتها ، ومن ثم الإرتكاز عليها في تداخل مطاط بين التكتيك والإستراتيجيا ، كل هذه الأمور لايمكن حجبها مطلقا عن التلخيص المكثف من أن الخلاف في تحديد الموقف هو الأكثر حضورا في المشهد الكوردي وبالأخص حزب العمال الكوردستاني ، بين قيادة قنديل ، وحزب الشعوب الديمقراطي والذي يبدو من جديد بأن قيود قنديل مازالت تطوقه !! ..