ملامح ميثولوجية.. وجهة نظر في الذهنية التراثية الأسطورية الكوردية – القسم الأول
وليد حاج عبد القادر
قد يكون الأمر فيه فعلا بعض من سخرية القدر حينما يتنطح احدهم وقد بدأ لتوه يفك الحرف فيخوض في مجال الثقافة يحاجج بمنطق العلامة الذي يعرف كل شيء سوى العلم ؟! .. نعم !! عندما طرحت ذات يوم وجهة نظري عن / مم وژين / بأنهما / نسق أسطوري وليسا حقيقة واقعة / أي قصة شاب وفتاة تحابا ، واعتمدت في تنصيصي على مشاهدات واقعية لمرقديهما في بوتان المدينة قبل تخريبها بحجة التحديث ، وتتبعت في البحث عن سنة وطريقة اكتشاف المرقد الذي كان معروفا موقعه في باحة مرقد مير آڤدلي واتخذت من نص احمدي خاني مرتكزا أحاول / أقله / اقتناص الجوانيات التي تقصد خاني تمريرها ، هب كلاسيكيو النزعة الون جوانية يظنون بأننا نلامس فعلا يحط من قداسة المسألة الثقافية الكوردية أو نقوم بتسطيح التراث الكوردي !! .. وكيف أن / مم وژين / هي أسطورة كنتاج لإنعكاس ترسب في الذهنية الشعبية في التفاف واضح على النمطية التي كانت سائدة ، متناسين / اولئك / المعنى الحقيقي للأسطورة الذي يعني الأمر الجليل والفعل الخارق المتجاوز للمعقول / كالبطل الأسطوري مثلا /
وهكذا قصة / مم وژين / والتي تحتوي جينة مضمونها كما حيويتها في متن طلاسمها ، وللأسف !! وبالرغم مما تشاهده الساحة الثقافية الكوردية ، وما تتيحه عصر المعلوماتية من فرص التدوين والجمع ، إلا أن الغالبية ما تجرأت في الخروج من شرنقة التتبع الكلاسيكي والبقاء في حيز التلذذ استماعا الى درجة مثالية في الإنسجام سواء شغفا مع القصة أو طريقة السرد والغناء ، وحتى طبائعية المزج ، أو كما نسميها نحن محبي الإستقصاء البديهي لا المدروسة والممنهجة أكاديميا والممحصة بغرابيلهم ايضا ، ولكن ؟! ووفق هذا التشريح الإرثي ومداركها المفتوحة على آفاق كثير من القضايا وبقايا تراث تراكم ولكنه يتقطع الآن في ثنايا الزهايمر الجمعي والمستحدث فيها فتلفظها بقايا الذاكرة في مربع المهملات بخاصية عصر المعلوماتية سيما وثقافتنا الكوردستانية لاتزال في نمط تأشكلها الشفاهي ، والغرابة في الحالة هذه هي البلادة التي لا تدفعنا / أقله / لتثبيت وتدوين ما بقي منه موزعا في أشتات وترسبات الذاكرة لبعض من ناسنا ؟!! .. استوقفني حوار شاب عشريني كان في ليلة عجمانية وفي منزل صديق كنا ملتمين حول مفكر كوردي نتجاذب الحديث الذي تشعب الى فضاءات واسعة تداخلت فيها الأسماء مع المصطلحات بخاصية فلسفية حينما قاطعنا الشاب قائلا : كل هذا الكلام لا أفهمه ولا يهمني !! وأجزم هنا لو أننا كنا اسقطنا معاييرنا أو أقله حللنا وتناقشنا في مأثوراتنا الشعبية وبالتالي تطور الوعي الميثولوجي في ميزوبوتاميا من اللحظة التي ادرك فيها الإنسان بأنه مميز عن الطبيعة وانفصل عنها وسعى الى تطويعها حسب حاجاته وليصطدم مع مظاهر صعبت عليه ادراك كنهها وأمام عجزه أسبغ عليها هالة مقدسة وطوطمها وأشكل من سماتها طقسا عباديا ومع الزمن أخذ ينسق حياته ويشذبها ووفق كل تحول من نمط اقتصادي / مجتمعي تنعكس خصوصياتها فارضة طبائعها ذاتيا ولكن بتأن وعلى مراحل وترى تداخل المقدسات والمقوننة في الذهنية الجمعية ومعها ترتقي الظاهرة من طوطم الى ألوهية ، ويعد إله الحرفة من أقدم نماذج الآلهة والتي تنوعت بتنوع الحرف البشرية والتي هي في الأساس اشتقت من أقدم حرفة إنسانية واعني بها الصناعات السهلة واليدوية وللحاجات الماسة ، ومن هنا كان للتعامل مع العيدان والأغصان كما سعف النخيل والأعشاب ولحاء الشجر إن لبناء الجدران او واقيات من المطر والشمس وكان لنمط المجتمع المشاعي والإعتماد على القنص والإلتقاط واعز في احتراف السلال لنقل الأرزاق والأدوات والأطفال وغيرها ، ولعله في موروثنا الكوردي ملحمة / زمبيل فروش / هي واحدة منها / ولي وجهة نظر حول هذه الملحمة منشورة منذ عام ١٩٩٥ / وهذا النمط من التأليه تبلور بالترافق مع التحول المجتمعات البشرية وارتقائها الى مراحل استكشافية أخرى كاستخدام النار واكتشاف المعدن / مثلا / وتدجين الحيوان ونستطيع تلمس هذه الظواهر تتجلى وبوضوح في تراثنا الكوردي حيث تتوضح في المروث الشعبي بأشكال مختلفة / لاوك ، كجل . گوري ، لاوكي متيني أو مادني وربما معدني .. لاوكي رهواني ، راواني ، .. لاوكي بياني / وتشاركت في أحايين كثيرة مع / كجك ولاوك / وتموضعت بوضوح حينا او غيبت احيانا ايضا اسماؤها بالإكتفاء بظاهر شكل تنكري / كجل ، گوري / وإن توضحت اسما وصفة ايضا لنمط المجتمع الإقتصادي والمستقر او المتنقل ومن جديد يطغى – مم – ويتمظهر ك / ممي شفان ، ممي كاڤان / ويتمحور – مم – بكليته في / ممي آبا سي aba sî / كانتماء محدد وثابت للماء او ابن للماء ولتعود من جديد فتفرض / لاوك /ها وفق ظاهرة الترابط بالحرفة وتحولاتها وفق سياقية النمط المجتمعي للبيئة المعنية وواقعها الإنتاجي من رعوي أو زراعي .. الخ والمرتبطة أو المحددة مثلا بزمن غالبيتها محدودة ومغلقة في / سبعة سنين ، قول / وان كانت خيوطها اليومية ليلا ونهارا مرهونة وبيد / بيرا فلك / إلا أن الزمن الأسطوري بحد ذاته لربما يعني عشرات الآلاف من السنين او اكثر وهذا ما اكدته الكتب السماوية ايضا / القرآن الكريم – يوم مقداره الف سنة /
وهنا ، وفي المحصلة فأن غالبية القص الشعبي وعند تجميعها ومقارنتها لإستخلاص الأقرب الى الزمن الذي افرزه ، ستثبت لا محالة ، أن بعضها ليست سوى منصات طلاسم توحي بآلية نمو وتطور لابل تختزل آليات تبلور الفكر والوعي الميثولوجيتين ولمراحل تاريخية متعاقبة وان عدت بداياتها لأعماق سحيقة في تأريخ نمو وفهم تطور المجتمع الرافدي ، وبالتأكيد فأن الميثولوجيا الكوردية هي في الصميم من هذه الجغرافيا التي كونت ثقافتها المرتكزة كإرث ولازالت هي المفصل في كل بنيانها ، وأعني بها ثقافة التضاد أو التناقض والتي تمأسست عليها منذ بدايات التدوين والتكوين السومرية وحكايا آبسو / لاحظو ايضا آب و سو / وتعامات / تامات أي جيل الآلهة الآباء / الأساس وما تلاهما من جيل الآلهة الأبناء مرورا الى الصراع التنافسي البيني ومن ثم / اينانا / و / أرشكيجال / و / دوموزي / الفلاح او / دوموزي / الراعي / ممي شڤان ، ممي كاڤان ، گوري ، كجل يي جوتيار ، شڤان ، كاڤان / ومن جديد فكرة الحياة والموت ومن ثم العودة الى الحياة فالموت في تسلسل لدورة حياتية ارتبطت بالمناخ ونمط دورة حياة الزرع والكلأ لاقتصاد زراعي / رعوي ، أي بيئة ترتكز على وفرة الماء كضرورة حياتية ولعله هذا ما يذكرنا بالمثل الكوردي الغني بمدلولاته المسهبة في تفاصيله يسرد مراحل تطور الوعي البشري من جهة وربطها حيويا وكطقس مطوب بالقداسة في مفهوم الخصوبة الإنثوية من خلال جدلية تامات الإلهة الأم / الأرض / وبالتالي ظاهرة طقوس الجنس المقدسة لا كمظاهر متعوية بقدر ماهي الهامات قداسوية وبخاصيات الوهية ترسخت بمتانة في صميم ثقافة ميزوبوتاميا ، والمثل الكوردي هو / tavek ji tavè buharè hèjaye zèr ù zîvè xurasanê / ويقال بشكل آخر / tavek ji tavê nîŝanè hêja ye milk ù emlakê xurasanê / . وقصة هذا المثل يمنحنا مقدمات هامة جدا للدخول في مسارات تستحق فعلا المجازفة ، ومن خلالها وطرح او بناء وجهات نظر قابلة للنقاش والتطوير كما وبناء ارضية لسبر آفاق الوعي الميثولوجي الكوردي ، وكل هذا كمتمم / على الصعيد الشخصي / ما نشرته من وجهات نظر لازلت مصرا عليها وبالأخص في ارجاع هذه القصص والمظاهر الى عواملها وبيئتها التي انطلقت منها وتطورت والغاية الأساس من ذلك هو الرد على سفسطة بعضهم والمتشككين بوجوبية انتماء الكورد لميزوبوتاميا الساحرة ، وجهات النظر هذه التي بدأت بكتابتها في المعتقل منذ أوائل عام ١٩٩٤ وقسم منها باللغة الكوردية ولكنها لم تنجز الا بدبي عام 2001 وللأسف كانت هناك نسخ بخط اليد مصورة ووزعتها على اصدقاء عديدين وسأكون سعيدا جدا لو تكرم احدهم وزودني بنسخة قد يكون احتفظ بها …..