كورد سوريا.. خلافات في الوقت الخاطئ

كتب الكاتب والأكاديمي الكوردي السوري المقيم في اربيل تمر حسين إبراهيم تقريرا مطولا سلط فيه الضوء بصورة مستفيضة على الخلافات الكوردية في مناطق الإدارة الذاتية (روج آفا) في شمال شرق سوريا، مستخلصا إلى أن هذا الصراع يأتي في الوقت الخاطئ.
وينقل التقرير عن دعوة أطلقها مؤخرا بيتر غالبريث السفير الأمريكي السابق في كرواتيا إلى إنشاء منطقة كوردية آمنة في شمال شرق سوريا، تحظى بحماية أمريكية شبيهة بتلك التي تأسست في العراق بعيد حرب الخليج الأولى، في اشارة الى اقليم كوردستان.
ويقول غالبريث- المعروف بمناصرته للقضايا الكوردية- في مقال له نشرته صحيفة نيويورك تايمز الامريكية واسعة الانتشار إن على الولايات المتحدة تقديم ضمانات بعيدة المدى لكورد سورية.
وتظهر تطورات الأحداث الجيوسياسية في المنطقة أن كورد سوريا هم فعلا ضمن حسابات كل من الولايات المتحدة وروسيا في رسمهما لملامح سوريا وحتى المنطقة مستقبلا، بيد أن التطورات السياسية والعسكرية السريعة التي تحدث في سوريا والإقليم تقابلها حالة جمود وركود سياسي تعيشه الحركة الكوردية السياسية في سوريا.
ويشير التقرير إلى أن الخلاف بدأ يخرج الى ما وراء الحدود وأصبح الحديث عن انقسام كوردي أمرا واقعا لا يمكن إخفاؤه. حيث لم يتم الالتزام بمبادرات التوافق والتصالح الكوردية التي اشرف عليها رئيس إقليم كوردستان مسعود بارزاني وضاعت اكبر الفرص.
ويتبادل كل من الطرفان الرئيسيان المتمثلان بالمجلس الوطني الكوردي والإدارة الذاتية الاتهام في مجال التقصير وعدم النهوض بتحديات المرحلة.
وظهرت اتهامات متبادلة للطرفين من أن احدهما يريد أن يبقى على حساب الآخر، كل حسب تبعيته وحلفائه الداعمين له. وكأن النضال لأربعة عقود في ظل حكم عائلة الاسد مع المعاناة والاضطهاد السياسي التي تجرعه كورد سوريا لم يكن كافيا لشحن أي مبادرات لممارسة العمل السياسي والتفاوض كفريق عمل واحد، فلم يتم الوصول إلى تحقيق أهداف إستراتيجية وحتى القومية منها على الأقل حتى الآن لتسود حالة من الخلافات والتشرذم.
شرخ وانقسام في الداخل
يلقي السياسي الكوردي البارز والقيادي في حزب (يكيتي) حسن صالح باللوم على حزب الإتحاد الديمقراطي بالقول “”ناضلت الحركة السياسية الكوردية في كردستان سوريا نحو نصف قرن، وبالرغم الصراع بين اليمين واليسار فإن الجميع التزموا بالتواصل وحتى العمل المشترك أحيانا ولم يصادف حصول أي استخدام العنف”.
ويضيف صالح متحدثا لكوردستان24 “تم التقيد بالتعامل السلمي الحضاري، وما أن ظهر (حزب العمال الكوردستاني) و(حزب الاتحاد الديمقراطي) حتى بدأ الأسلوب الاستبدادي الالغائي بالترافق مع العنف ومحاولة الهيمنة وإنهاء الأطراف المعارضة لمواقفهم والمنددة بممارساتهم المضرة جدا بالمصلحة القومية العليا للشعب الكوردي”.
ومضى يقول “المعضلة الكبرى أن الآبوجية (مناصرو عبدالله اوجلان) تخلوا عن المشروع القومي الكوردي ويتهمون من ينادي به بالتخلف والخيانة ويعملون على تصفيته سياسيا وجسديا ويتعاملون معه معاملة العدو. ورغم حصول عدة اتفاقيات بينهم وبين المجلس الوطني الكوردي إلا أنهم تنكروا لها منذ اللحظة الأولى، لأنهم شموليون من ناحية وينفذون أوامر الذين يساندونهم وهذا يضعف العامل الذاتي لدى الكورد ويعمق الشرخ ويحول دون العمل المشترك”.
وأبدى استعداد المجلس الوطني الكوردي للعمل مجددا مع حزب الإتحاد الديمقراطي قائلا “إذا عادوا إلى المشروع القومي الكوردي قولا وعملا وألغوا تجاوزاتهم وانتهاكاتهم الفظه فإن أجواء الثقة والتفاهم ستحصل وتؤدي الى العمل المشترك”.
وطالب الحزب بأن “يظهر حسن النية وخلق أجواء الثقة وذلك بإلغاء التجنيد (الاجباري) والكف عن الملاحقة والاعتقال التعسفي والخطف والسلب وقبول دخول البيشمركة والحل القومي للقضية الكوردية” قبل أي لقاء مشترك بوجود “ضمانات دولية وكوردستانية” .
وبدوره اتهم الصحفي والكاتب برزان شيخموس حزب الإتحاد الديمقراطي بأنه “مسلوب الإرادة كونه يرتبط باتفاقات أمنية مع أنظمة المنطقة وخاصة سوريا وإيران لذا لا يستطيع تطبيق الاتفاقات التي وقعها في كوردستان عندما يعود ممثلوه الى سوريا”.
وقال شيخموس الذي خرج مؤخرا من السجن بعد اعتقاله لنحو ثلاثة أشهر من قبل آسايش حزب الإتحاد الديمقراطي “خير مثال على ذلك اللقاء الذي جمع صالح مسلم مع الرئيس بارزاني بحضور ممثل عن أمريكا إذ صرح أكثر من طرف ضمن (حزب الاتحاد الديمقراطي) إن صالح مسلم ليست له علاقة بالأمور العسكرية في دليل على تناقض واضح بعدم الالتزام بما اقره مسلم في (اربيل)”.
وقال نواف خليل مدير المركز الكوردي للدراسات والمتحدث السابق باسم حزب الإتحاد الديمقراطي في أوروبا إنها “ليست مسالة خلافات فهناك طرف متمثل بالمجلس الوطني الكوردي لا يزال على حاله رغم أن العالم بأسره والدول العظمى حتى تركيا التي هددت بالتدخل جميعها تراجع سياستها فيما يتعلق بسوريا”.
وأبدى خليل استغرابه من مواقف المجلس الوطني الكوردي، مشيرا الى أن “هناك تعاطيا مباشر دولي مع الإدارة وقوات سوريا الديمقراطية فكبريات الصحف العالمية تتحدث عن هذه التجربة وما يتحقق على الأرض في روج افا هي مسألة فخر لجميع الشعب الكوردي”.
وتساءل “ما الذي يكتسبه المجلس الوطني الكوردي من التشهير بالإدارة الذاتية؟ كيف لي أن اصدق من يعمل تحت مظلة الائتلاف والذي يواظب على اتهام الإدارة الذاتية بأنها انفصالية؟”
وزاد خليل “يقبل المجلس بتدريس منهاج حزب البعث ويرفض منهاج اللغة الكوردية الذي تبنته الإدارة الذاتية وكما هو واضح ليس للمجلس الوطني الكوردي سياسة ومشروع فيما يتعلق بسوريا او حتى روج افا غير التصريحات”.
واقر خليل بوجود سلبيات في الادارة الذاتية، مبينا أن هذا “لا يعني انها بدون اخطاء ونواقص لكن يحسب لها انها تحاول بعدما نجحت في ابعاد روح افا عن جحيم الحرب السورية المستعرة بلا حدود وقيود”.
وعندما سئل عن الدور المستقبلي للمجلس الوطني الكوردي قال خليل “إذا أراد أن يلعب دورا فعليه أن يقوم بمراجعة شاملة وصريحة لسياساته كافة”.
ما هو التالي لكورد سوريا
يعترف الكثير من الخبراء السياسيين الغربيين المتابعين للوضع السياسي لكورد سوريا بصعوبة إجراء تسوية وتوافق ضمن فصائل الحركة الكوردية حاليا، وأن الخلاف لا يمكن حله بأياد خارجية.
ويقول مايكل ستيفينز الباحث في دراسات الشرق الأوسط في المعهد الملكي للخدمات المتحدة والذي أجرى مؤخرا بحثا عن المناطق الكوردية في سوريا “اعتقد من الصعب حاليا رؤية اي مجال لإجراء تسوية”.
وتابع “لقد حاولت الولايات المتحدة لمرات عديدة سدَ الفجوة لكنها لم تنجح، لا اعتقد أن الضغط الخارجي سينجح في حل القضية في الوقت الراهن”.
وبين الباحث أنه سبب الخلاف “ينظر حزب الإتحاد الديمقراطي إلى المجلس الوطني الكوردي كأداة بيد تركيا لإضعاف مشروع روج افا وبسبب الوضع الحالي للتوترات مع تركيا فإنهم مترددون بالتسوية”.
وحتى يكسب ساسة كورد سوريا ثقة رجل البيت الأبيض الجديد يقول الدكتور جونثان سبير، خبير شؤون الشرق الأوسط والكاتب في جريدة جيروساليم بوست الاسرائيلية إنه يتعين “على كورد سوريا أن يقوموا بكل شيء للحفاظ على العلاقات مع الولايات المتحدة. عليهم ان يظهروا للرئيس (المنتخب دونالد) ترامب انهم عامل استقرار في سوريا المقسمة في المدى البعيد حتى بعد انتهاء حرب داعش”.
أما المحلل السياسي جولين ثيرون والمحاضر في جامعة باريس-2 فيعتقد أن “الإدارة الذاتية في روج آفا مقبولة إلى درجة ما للأوروبيين على الأقل في هذه اللحظة”، لافتا إلى انه “لا يمكن التكهن بمستقبل البلاد لان ذلك يعتمد على تطورات مستقبلية لكن من المهم إتباع منهج حر، عادل و ديمقراطي للحصول على الدعم الأوروبي”.
وفيما يتصل بدور الكورد يعتقد الباحث الفرنسي أنه “من الضروري كمحصلة للحرب بأن يكون هناك توازن عادل للسلطة بالاعتماد على الشرعية المحلية”، معتبرا أن أي “نظام غير متوازن سيتسبب بالفوضى أو ستكون حافزا للانفصال”.
وتعد مرحلة ما بعد حرب داعش وانتهاء دور البندقية مهمة لدور الكورد في سوريا فالتفاوض مستقبلا في كتابة الدستور يتطلب من ساسة كورد سوريا أن يكونوا لاعبين بارعين وان يقرأوا مجريات الأحداث بطريقة أدق لأن المعركة لن تكون سهلة في ظل اجتماع النظام والمعارضة على نقطة رفض المطالب القومية للكورد والتي تشكل الفيدرالية احد أهم أركانها.
ويصعب عموما التكهن بمسار الأحداث في سوريا عموما والساحة الكوردية على وجه الخصوص، إلا أن الأمل ما زال قائما في حدوث توافق وتحقيق تصالح في قادم الأشهر قد تكون أهم عوامله أن الكورد في سوريا كشعب ملَ من ترديد الشعارات ويرفض وقوع أحداث دموية بسبب الخلافات كما أن الطبقة المثقفة الشابة في الداخل والخارج تساند التوجهات السلمية.
k24

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى