تركيا ومرحلة جني الثمرات (بصدد المسرحية الدموية سوريا)
جان كورد
01 October 2014
في الوقت الذي يحاول النظام السوري تلميع صورته الفرانكشتانية بارتدائه قناعاً سلمياً زائفاً من خلال التصريحات الخلبية التي يطلقها السيد وليد المعلم من على منبر الأمم المتحدة، كمطالبته قوات التحالف الدولي الجوية ب”عدم قصف المدنيين الآمنين” في سوريا، تستمر طائرات رئيسه بقصف الأحياء المدنية وقتل المواطنين الآمنين، نساءً وأطفالاً وشيوخاً وتطمرهم تحت الأنقاض، وبذلك يظهر للعالم المتمدّن كذب هذا النظام ومتابعته السير في نهج الخنوع للأجنبي مقابل تقتيله الشعب السوري بلا رحمة.
وفي الوقت الذي يرفض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تناول الطعام مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والجلوس معه في مبنى الأمم المتحدة متهماً إياه بأنه جندي خان القسم الذي أدّاه بخروجه على طاعة رئيسه المنتخب وبأنه لا يحترم حقوق الإنسان في بلاده، فإن تصرفات الجندرمة التركية ضد اللاجئين الكورد تتعارض كلياً مع مزاعم أردوغان عن صون حقوق الإنسان في تركيا على حدود منطقة كوباني. وكوباني محاصرة من ثلاث جهاتٍ من قبل تنظيم “الدولة الإسلامية”، الذي هاجم الكورد في العراق بعد إعلان الرئيس مسعود بارزاني بأنه سيعرض موضوع استقلال كوردستان العراق على شعب كوردستان ليقرر مصيره بنفسه في استفتاء ديموقراطي نزيه، وكان يهاجم قبل ذلك الكورد في سوريا، وكأنه كان مكلّفاً بمهمة القضاء على الحركة السياسية الكوردية، في حين أن هذا التنظيم لم يهاجم مناطق العلويين الأقرب إلى نظام الأسد من الكورد على سبيل المثال، مما يثير هجومه المستمر هذا على شعبنا أسئلة عديدة حول أسباب تركيزه على المنطقة الكوردية. وكوباني التي تعاني الأمرّين بسبب الحصار وتزايد هجمات داعش ومحاولة الجندرمة التركية المدعومة الآن بالجيش التركي منع اللاجئين الكورد من عبور الحدود وكذلك منع المقاتلين من شمال كوردستان للدخول إلى كوباني بهدف الدفاع عن شعبهم. وكوباني هذه هي المدينة التي عرّب البعثيون اسمها إلى (عين عرب!) لأنه كانت فيها نسبة واحد بالألف من العرب، وتمثلت بالموظفين ورجال الأمن والاستخبارات الذين كانوا يسيطرون على نسبة 99% من سكان المنطقة طوال عهد البعث العربي الاشتراكي المنتهية ولايته على حكم الشعب باندلاع الثورة السورية في عام 2011 بشكل مبرم.
لقد وضعت تركيا (إعلامياً) ومراتٍ متتالية، على لسان رئيس وزرائها السابق أردوغان ووزير خارجيتها أحمد داوود أوغلو، الذي أصبح الآن رئيس وزراء بلاده، خطوطاً حمر لتقدّم قوات الأسد صوب الشمال،إلا أن الأسد اخترقها جميعاً، بل حلقت طائراته في سماء تركيا، وأسقطت مدفعيته المضادة طائرة تركية مقاتلة، كما قصفت مدفعيته الثقيلة مواقع تركية، وتم تفجير نقاط حدود بين سوريا وتركيا، بعد سيطرة قوات المعارضة السورية عليها، ونفّذت مخابرات الأسد عمليات اختطاف داخل تركيا، إضافة إلى محاولات تسميم وإرهاب اللاجئين السوريين واغتيال كبار المعارضين المتواجدين في بلاد أردوغان، إلا أن حكومة أنقرة قد صبرت وانتظرت، ولكنها أمدت التنظيمات المقاتلة ضد الأسد بالسلاح والخبرات وأفسحت لزعماء المعارضة السورية المجالات المختلفة لعقد المؤتمرات وبناء الإدارات التي انتقلت منها بعض أجزائها إلى الداخل السوري، كما فتحت طرقها الجوية والبرية لدخول المتطوعين المتشددين والانضمام إلى الحركات والتنظيمات المتطرّفة التي تشكلت منها فيما بعد مجموعات إرهابية هامة كتنظيم داعش وجبهة النصرة وسواهما. وكأن تركيا كانت تمهد للقيام بدورٍ كبير للغاية في عملية خلط الأوراق السورية وإعادة توزيعها مستقبلاً لتستعيد اقتصادياً ما صرفته من أموالٍ على اللاجئين السوريين، وهم أكثر من مليون إنسان نزحوا إليها، ولتساهم شركاتها في إعادة إعمار سوريا، مثلما فعلت في إقليم جنوب كوردستان، ولتتمكّن بالضغط على أطراف المعارضة السورية من اقصاء الحركة القومية الكوردية من مراكز القرار السوري في المستقبل، ومنع أي بندٍ يفسح المجال أمام تمتّع الشعب الكوردي بحقوقه القومية في الدستور السوري القادم، وتصفية القدرات القتالية لحزب الاتحاد الديموقراطي، الفرع السوري لحزب العمال الكوردستاني، واحتوائه في نهاية الأمر، وهذا لا يتحقق دون مساعدة قوى عسكرية مسلحة على الأرض السورية تقوم بمهام الضغط على هذا الحزب الذي لا يعتبر نفسه حزباً قومياً كوردياً أصلاً ولا يطالب بدولة كوردية أو فيدرالية قومية أو حتى بحكم ذاتي للشعب الكوردي، وهنا يشير بعض السياسيين الكورد بأصبع الشك تجاه أنقره عندما يتحدثون عن الأسباب الحقيقية وراء “غزوة كوردستان” الداعشية. ومما يزيد شكوك الكورد في هذه الغزوة “الانتحارية” الكبرى هو أن دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وكندا وأستراليا قد انتقدت مراراً وتركيا سياسة التسيّب الواضحة الني انتهجتها الحكومة الأردوغانية حيال تسلل المتطرفين الإسلامين عبر حدود تركيا إلى سوريا ومساعدة الأتراك لهم، بل ودعمهم. في حين تذرّعت تركيا بأنها تدعم المعارضة السورية كلها بهدف “إسقاط نظام الأسد” الذي يذبح شعبه في وضح النهار.
إن مسلسل الجرائم التي ارتكبها تنظيم داعش كان يقلق دول العالم الحر الديموقراطي، في الوقت الذي فشل هذا العالم في تحقيق أي إنجاز سياسي على طريق تغيير النظام الاستبدادي الدموي للعائلة الأسدية، وقد لعب الروس والصينيون دوراً لا أخلاقياً في مجلس الأمن لعرقلة كل مشروع يؤدي إلى خروج الأسد من السلطة، ومما زاد في الطين بلّة، فإن التنظيم الذي صار يعد أخطر من تنظيم “القاعدة” الذي بنى له في سوريا “جبهة النصرة” القوية في معظم أنحاء البلاد قد أعلن عن قيام “دولة الخلافة” على أجزاء واسعة من أراضي العراق وسوريا، بعد نجاح حملته المذهلة على مدينة الموصل العراقية وهروب خمس فرقٍ عسكرية عراقية دون مقاومة من أمامه تاركةً كل سلاحها وعتادها الحديث وأموالاً طائلة في بنوك المدينة، مما مكّن التنظيم من توجيه فوهات مدافعه وبنادقه صوب كوردستان التي أربك قيادتها في البداية تصرّف القوات العسكرية العراقية وقلة تجاربها في القتال على أراضي شبه صحراوية وعدم وجود السلاح الملائم بين يدي بيشمركتها لصد عدوان داعش الذي امتلك سلاحاً أمريكياً نوعياً، فجاءت مأساة جبل شنكال وفظائع الإرهابيين ضد الأقليات الدينية والمذهبية والطائفية وفي مقدمتها الكورد اليزيديين الذين اضطروا إلى النزوح عبر المرتفعات الصخرية بدون طعام وماء لأيامٍ عديدة، ومن بين تلك الفظائع الرهيبة اغتصاب وخطف النساء وبيعهن في أسواق النخاسة في مناطق السنة في العراق، وسلب ونهب أموال المواطنين وإرغام الكثيرين من اليزيديين على الدخول في الإسلام تحت التهديد بالذبح والقتل، وهذا ما قاموا به فعلاً في بعض القرى، وتدمير معابدهم والقيام بكل ما أرغم العالم على اتخاذ موقف تجاه ما يحدث على الأرض من مذابح وإبادة وجرائم ضد الإنسانية. وتوّج داعش إجرامه بذبح صحافيين أمريكيين أمام عدسات الكاميرات، بحيث لم يعد أمام أمريكا، القوة الأكبر عالمياً، سوى الدخول في حربٍ مختلفة عن حروبها السابقة ضد هؤلاء الإرهابيين، والشروع في بناء تحالف دولي واسع، وهذا ما لم يكن تتوقّعه الحكومة التركية، كما لم يتوقّعه نظام الأسد الذي كان يظن أنه في أحضان روسيا وإيران في امان تام.
هذا التحوّل الكبير في مسار المسرحية الدامية في سوريا، وتوسيع دائرة الهجوم الداعشي على منطقة كوباني بهدف الوصول إلى منافذ هروب غالبية أعضائه (غير السوريين) عبر تركيا من الموت المحتوم من جراء القصف الجوي المستمر على مواقعه، أو نقل المعركة من سوريا إلى داخل دولةٍ عضو في حلف الناتو، وكمحاولة منه للضغط على قيادة إقليم جنوب كوردستان كيلا تهاجم على مراكزها في مدينة الموصل، إضافةً إلى احتمال ارتفاع عدد اللاجئين الكورد من كوباني إلى مئات الألوف، قد أرغم تركيا على لعب دورٍ ما عن طريق تحرك عسكري بري لقواتها على المسرح السوري، بعد أن ظلّت طوال الفترة الماضية كممثل اتخذ مكانه بين جمهور المتفرجين، وتركيا مضطرة تحت ضغط دول التحالف الدولي للعب دورها، من دون أن تغيب عن ناظريها أهدافها المتمثلة في:
– عرقلة أي نشاطٍ كوردي سوري لتحويل ما في أيادي الشعب الكوردي من قوى سياسية وقتالية إلى أداة مساهمة في بناء مستقبل سوريا بعد اسقاط نظام الأسد
– القيام بتغيير ديموغرافي واسع في المنطقة الكوردية في شمال سوريا من خلال إسكان التركمان والأتراك وأعدادٍ كبيرة من اللاجئين العرب المتواجدين حالياً في تركيا
– السيطرة على سد الفرات الذي يعتبر أهم مصادر الري والثروة السمكية والطاقة لسوريا لاستخدام ذلك كورقة ضغط في التعامل مع السوريين الذين يعملون لاستعادة السيادة السورية.
– أن تكون تركيا أهم العناصر الاقتصادية الفاعلة في السوق العمرانية والتجارية والمالية السورية بمجرّد سقوط الأسد.
وتملك تركيا ذرائعَ وحججاً عديدة للغزو البري داخل سوريا، منها سخافة حماية قبر سلطان شاه بالقرب من منبج السورية، السعي لإعادة الكم الكبير من اللاجئين السوريين والمساعدة في استيطانهم مجدداً في بلادهم، مساعدة المعارضة السورية وحمايتها، تقديم العون للتحالف الدولي في حربها على التنظيمات الإرهابية داخل سوريا…
ولكن، إذا ما تحرّكت القوات البرّية التركية لتنتشر على الأرض في المنطقة الكوردية السورية، فهل ستبقى إيران الداعمة لبقاء الأسد رئيساً والتي لها حلف سوري مؤيد لها، صامتة ودون أن تقوم بعمل ما، وهي التي تنافس تركيا من مختلف الجوانب منذ عهد الحروب الصفوية – العثمانية قبل قرونٍ عديدة؟