تركيا أردوغان وغرب كوردستان
جان كرد
18 أيار، 2017
في مقابلة لقناة (روسيا اليوم) أجراها السيد سلام مسافر في برنامج (قصارى القول) مع السيد أليعازر تسفرير رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلية (سابقاً) في كوردستان وإيران ولبنان، قال فيه ضيفه بأنه لدى قيام بلاده بتقديم الدعم البسيط لقوات البيشمركة أثناء الثورة الكوردية (1961-1975) التي قادها الخالد مصطفى البارزاني، سألت الحكومة التركية عن سبب قيام إسرائيل بهذا الدعم، رغم أن الموضوع يتعلق بالعراق وليس بتركيا، فكان جواب اسرائيل هو أنها لا تتدخل في شأنٍ يتعلق بالأمن التركي وعلى الأتراك ألا يتدخلوا فيما يتعلق بالأمن الإسرائيلي، حيث أن نظام صدام حسين خطر على أمن إسرائيل ومن مصلحتها دعم البيشمركه التي تدافع عن الشعب الكوردي ضد سياساته القمعية.
وقد وصل العداء السافر للحكومات التركية للشعب الكوردي إلى درجة أن الإعلام التركي الموالي للحكومة أظهرت رئيس وزراء ولاية نيدر ساكسن بين عامي 1990 و1998 (غيرهارد شرودر) الذي أصبح فيما بعد مستشاراً لألمانيا وكأنه (أدولف هتلر)، وهي إهانة خطيرة في دولة لا تزال تعاني من التاريخ الأسود للنازية، واحتجت الحكومة التركية على تطبيق شامل لهذا القانون الجدير بتلقي التأييد التام من سائر الجاليات الأجنبية، والتركية منها خاصةً لأنها الأكبر في ألمانيا وهي ساعية لأن ينمو الأطفال الأتراك أتراكاً وليس ألماناً، والسبب الوحيد للاحتجاج والرفض التركي، هو أن هذه الولاية أقرت تعلّم أطفال الأجانب لغتهم الأم من أي قوم كانوا، فما الضرر في ذلك؟ طبعاً، لأن القانون يسمح للأطفال الكورد أيضاً تعلّم لغتهم الكوردية. نفهم من هذا أن تركيا مستمرة في تدخلاتها في الشؤون الكوردية أينما كانت ولأصغر الأسباب.
من هذين المثالين نفهم أن تركيا الرسمية ضد أي تقدّم يحرزه الكورد من أجل حقوقهم القومية والثقافية، فإذا كان هذا موقف الأتراك حيال دولتين قويتين (إسرائيل وألمانيا)، فكيف سيكون موقفهم تجاه دولة مدمرة وعلى وشك التمزّق مثل (سوريا)؟ وكيف سيكون تدخلهم الشائن في مؤتمرات مثل (الأستانة)، يتناقش فيه ممثلو دول عظمى (روسيا) وإقليمية (إيران وتركيا)، حول الوضع العسكري والأمني في سوريا، وتكون تركيا فيها “دولة ضامنة” للأمن والسلام؟ فهل سيكف فيها مندوبو تركيا عن المطالبة الملحة بمنع السلاح عن الكورد؟ وهل ستتوانى تركيا عن التهديد باحتلال مناطق واسعة من سوريا لعرقلة أي مسعى للكورد من أجل نيل حقهم في إدارة أنفسهم؟
على ضوء هذا، وعن طريق مراجعة تاريخ السياسة التركية بصدد كوردستان، رغم التغيرات العظيمة في السياسة الدولية على الصعيد العالمي، يمكن فهم خفايا السياسة التركية التي تلعب فيها “القضية الكوردية” باستمرار أهم دور، سواءً في عهد الأحزاب البورجوازية الملتزمة بالخطوط العامة للطورانية، أو في عهد الرئيس أردوغان، الذي يسعى للخروج من ظل مصطفى كمال وبناء مجدٍ خاصٍ به شخصياً وحسب أفكاره الدينية، والذي يعتبره العالم الغربي متمرداً على ما تم رسمه لتركيا لدى قيام الجمهورية في عام 1923، كما يمكن فهم سياسته حيال تواجد فصائل أو شخصيات كوردية في صف المعارضة السورية، وعلى ضوء هذا نتلمّس النوايا التركية بصدد مستقبل سوريا وأهداف الزيارة التي يقوم بها رئيسها إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وهو الطامح لأن يصبح سلطاناً على كل المسلمين، وفي واشنطن الآن رئيس مثله يحارب الإعلام الحر بما أوتي من قوة، ويتدخل في شؤون السلطة القضائية ويدمر بنفسه سمعته من خلال تصاريحه المتضاربة والمتناقضة وتهديداته الصاخبة للأعداء والأصدقاء، تماماً مثل الرئيس التركي ذاته، الذي أطلق رئيس وزرائه السابق أحمد دواود أوغلو مقولة (صفر مشاكل) داخلياً وخارجياً، ثم رمى العصا وترك رعي القطيع، وظهر بعد ذلك برداء بائع لبيع الخضار، وكأنه يقول: “هذا العمل أفضل من رئاسة الوزراء في ظل رئيسٍ مثل أردوغان!”
السؤال الذي يطرح نفسه في هذه النقطة هو:
لماذا الضرب على وتر (صفر مشاكل) ثم اختلاق المشاكل مع كل الجيران، ومع البعيدين، فاختلقها مع إسرائيل وروسيا وسوريا والعراق ومصر والاتحاد الأوربي وأمريكا، وفي الداخل مع مختلف القوى السياسية، ومنها حزب الشعوب الديموقراطي الذي تم زج العديد من قادته في السجون، رغم تمتعهم بحصانة برلمانية؟
وهذا يثير السؤال الهام، لماذا لا تقف تركيا سياسياً وإعلامياً في وجه التوسّع الإيراني ومحاولة الملالي التوغل مذهبياً في تركيا بشكلٍ جاد وحاسم، في حين أعلنتها حرباً سياسية وإعلامية، بل وعسكرية على الكورد، الذين منحوا بأغلبية كبيرة أصواتهم الانتخابية لأردوغان فيما مضى من انتخابات، منذ ظهوره على المسرح السياسي في أنقره، والجواب هو أن ايران قوية والكورد ضعفاء، والأتراك لن يتمكنوا من تحقيق النصر في أي حربٍ محتملة بينهم وبين الإيرانيين، فالدول الغربية المتحالفة مع تركيا في حلف الناتو والتي تستمد منها تركيا حتى اليوم قواها، لن تساعد نظام حزب العدالة والتنمية الذي ظل لأكثر من شهرين يراقب هجوم تنظيم الدولة (داعش) على مدينة (كوباني) الحدودية من على بعد مائة منر أو مائتين ولم تحرك ساكناً، على الرغم من أن هذا الحلف يعتبر تنظيم الدولة أخطر عدوٍ له، ومن قبل في عام 2003 رفض البرلمان التركي متابعة القوات الأمريكية لسيرها عبر الأراضي التركية لفتح جبهة شمالية ضد نظام صدام حسين، وهي قد وصلت إلى مقربة من الحدود العراقية – التركية، واضطرت للعودة إلى خليج إسكندرون لتسلك طريق البحر الطويل والمجهد.
وحيث أن الأقوياء في أمانٍ ومناعة ضد هجمات أعدائهم، يجب على الكورد أن يصبحوا أقوياء، من خلال:
– تمتين جبهتهم الداخلية السياسية أولاً،
– توحيد قوتهم الدفاعية وتطويرها لتكون قادرة على رد كل شكلٍ من أشكال الهجوم ثانياً،
– محاربة الفساد والطابور الخامس ثالثاً
– تطوير الديموقراطية فيما بين سياساتهم وبناء مؤسساتهم الوطنية رابعاً
– تطوير علاقاتهم الدولية بشكل أشد فعالية.
وهذه العلاقات كانت ولا تزال ضرورية للغاية مع العالم الحر الديموقراطي وبعض دول المنطقة القوية الرافضة لسياسة الاحتلال التي تمارسها أنقره حيال سوريا عسكرياً على الأرض وسياسة الاحتواء من خلال احتضان المعارضة الوطنية والديموقراطية السورية. ونقول “الاحتلال” لأن القوات التركية لم تدخل سوريا بطلب من الحكومة السورية.
ربما يقول البعض بأن نظام السيد أردوغان مختلف عن النظام السياسي البورجوازي الذي انفرط عقده في تركيا، وهذا صحيح إلى حدٍ ما، فإن تركيا حزب العدالة والتنمية غير تركيا سليمان ديميريل و تانصو جيللر وبولنت أجاويد، فقد تطور الاقتصاد الوطني تطوراً جيداً، عن طريق مكافحة الفساد إلى حدٍ كبير، وتم منح الكورد بعض الحريات الثقافية التي كانوا محرومين منها من قبل، وشرع أردوغان في الحديث عن مساعي جادة للسلام بين حكومة بلاده وحزب العمال الكوردستاني، بوساطةٍ من السيد مسعود البارزاني، رئيس إقليم جنوب كوردستان، لكنه تراجع عن ذلك، ثم اشتد السلوك القمعي ضد المعارضة بشكلٍ عام، فالاعتقالات الجماعية وصلت إلى عشرات الآلاف، من جنرالات الجيش والقضاة ونواب البرلمان ورجال الشرطة والمربين، والحملة الشعواء على الإعلام والإعلاميين قد فاقت كل التصورات، على أثر محاولةٍ انقلابية مشكوكٍ بأمرها، وتم شن الحملات العسكرية الوحشية على المناطق والمدن الكوردية، بشكلٍ لم ترَ تركيا مثيلاً لها سوى في عهد المجرم كنعان ايفريم في ثمانينيات القرن الماضي.
ومن خلال الربط الذي يقوم به أردوغان ورئيس وزرائه بين إنجازات الكورد في سوريا وما يقوم به حزب العمال الكوردستاني من هجمات على القوات في شمال كوردستان، تسعى الأردوغانية إلى خنق ودفن كل ما يسعى الكورد لتحقيقه في غرب كوردستان، ولكن هذه المساعي خائبة في حال تمكن الكورد من تفعيل جديد لسياساتهم الحالية التي تبدو متخلفة عن الأحداث اليومية والتغيرات السياسية.
تمر تركيا الآن بمرحلةٍ قاسية، فالاتحاد الأوربي حانق وغاضب على رئيسها الذي يقود البلاد صوب الأسلمة الصوفية كما كانت عليها الدولة العثمانية، ويطلق التهم السلبية على قادة الاتحاد، وأبرز شخصياته مثل السيدة انجيلا ميركل التي تحمست جداً لدعم الاقتصاد التركي بمليارات الدولارات مقابل قيام تركيا بمراقبة حدودها بشكلٍ أفضل لتخفيف وطأة تسلل اللاجئين عبر البوسفور صوب أوروبا، وإطلاق تهمة “النازية” عليها، وكذلك فإن الولايات المتحدة لا ترضى أن يصفها السيد أردوغان بدعم “الإرهابيين”، ثم يركض إلى واشنطن ل”فتح صفحة جديدة” مع الإدارة الأمريكية، كما أسقط سلاحه الجوي طائرةً روسية ثم هُرِعَ إلى موسكو للاعتذار من السيد بوتين الذي بدا غاضباً جداً ومجروحاً في كبريائه الروسي. وقد شن الرئيس اردوغان حملةً واسعة على السيد رئيس الوزراء العراقي الدكتور حيدر العبادي وهدده بكلماتٍ قاسية وبأن جيشه سيدخل إلى العمق العراقي ل”حماية التركمان”، ثم سكت ولم يفعل شيئاً، بل يحاول سراً التوصل إلى اتفاقٍ مع بغداد، ولن يكون مفاجئاً إن ظهر ممثل له في دمشق قريباً، رغم أن تركيا صارت طرفاً مهماً في الصراع، بعد تحول الثورة الشعبية السورية إلى حربٍ ضروس، وتدخل جيشها في الفترة الأخيرة بصورة مكشوفة ومكثفة لمنع قيام كيان كوردي في شمال سوريا بذريعة الحرب على الإرهاب.
في هذه المرحلة بالذات يجدر بالكورد أن يغيروا من سياساتهم التي لم يستفيدوا منها جيداً، وهذا يعني:
– الفصل التام بين ما يجري في شمال كوردستان وما يجري في غربها وجنوبها، وهذا يعني أن يصدر حزب الاتحاد الديموقراطي بياناً بخروجه من عباءة حزب العمال الكوردستاني، ومن منطقة شنكال، والسماح للمراقبين الدوليين بالتأكّد من حدوث هذه الاستقلالية التامة، وبذلك تسقط ذريعة الحكومة التركية بأن السلاح المقدّم لقوات سوريا الديموقراطية لا ولن تذهب إلى شمال كوردستان ولن تقع في أيدي عجائز “قنديل، كما أنها لن تكون موجهة ضد التركمان، لا في سوريا ولا في العراق”.
– تكليف لجنة مشتركة وبمساهمة ضباط أمريكان وأوربيين، لتقوم بكل الإجراءات الضرورية لعودة شباب الكورد السوريين المتدربين على أيدي البيشمركة في جنوب كوردستان ويطلق عليهم اسم (لشكرى روز – جيش الشمس) بهدف توحيده في ظل قيادة كوردية سورية مشتركة مع (غريلا) وحدات حكاية الشعب، على أساس العمل من أجل حماية وصون الشعب الكوردي وأرضه وممتلكات أفراده والأقليات التي تعيش بينه والنظام السياسي الديموقراطي الذي يعمل الطرفان له في إطار “حق تقرير المصير للشعب الكوردي”، وإطلاق اسم (مثل: جيش الدفاع الكوردي أو جيش غرب كوردستان) يتفق عليه الطرفان السياسيان (المجلس الوطني الكوردي) و(حزب الاتحاد الديموقراطي)، وتحديد العلاقة وإطار العمل المشترك مع (قوات سوريا الديموقراطية)، ومع السلطة الجديدة التي ستتولى الحكم في دمشق، حيث لا بد من إطار دستوري لاستمرار وبقاء هذا الجيش الكوردي السوري وتحديد علاقته مع جيش سوريا المستقبل. وهذا سيسقط ذريعة الأتراك التي تقول بأن حزب الاتحاد الديموقراطي تنظيم “إرهابي”، فهم لن يتمكنوا من إقناع أحدٍ في العالم بأن القوات التابعة لمنافس هذا الحزب/ أي المجلس الوطني الكوردي/ قوات متحدة مع “إرهابيين” بمساعدة أمريكية وأوروبية.
– الطلب من مؤسسة مستقلة، غير تابعة لأي حزب كوردي أو تركي، أو من مؤسستين إحداهما تركية والأخرى كوردية في خارج البلاد، للتوسط بين حزب الاتحاد الديموقراطي والحكومة التركية للتأكيد لأنقره بأن أي كيانٍ للكورد السوريين لن يكون خطراً على الأمن القومي التركي، بل سيكون غرب كوردستان منطقة عازلة (تابونية) بين تركيا والمد الشيعي الصفوي على حدودها الجنوبية، مثلما هو وضع إقليم جنوب كوردستان الذي يسد الطريق على إيران للوصل بأهداف ثورتهم الخمينية إلى حدود تركيا العضو في حلف الناتو، وبالتأكيد سيكون مفيداً دعم الكفاح القومي التحرري للشعب الكوردي في شرق كوردستان أيضاً لأن الكورد في إيران معظمهم على مذهب السنة ويرفضون السيطرة الطائفية للملالي على أرضهم، وكانوا عبر التاريخ مع الدولة العثمانية السنية ضد الصفويين.
– السعي لإعادة إحياء اتفاقيات (هولير 1 و هولير 2 ودهوك) التي تمت بين المجلس الوطني الكوردي وحزب الاتحاد الديموقراطي في ظل الرئيس مسعود البارزاني الذي وقف ويقف باستمرار مع وحدة النضال القومي في غرب كوردستان. وهذا ما سيحد من الخلافات السياسية فيتحقق الأمن القومي والسلام الوطني في المنطقة، وسيساعد في عودة نسبة غير ضئيلة من الكورد السوريين إلى مواطنهم من المهاجر، وبقدر ما سيكون هذا مفيداً للاقتصاد السوري ولتنشيط الأيدي العاملة لإعادة الإعمار في سوريا، فسيكون مفيداً أيضاً في إنعاش الاقتصاد التركي في المدن الحدودية ولتحسين العلاقات بين الشعبين الكوردي والتركي.
– التعاون بين القوى السياسية وإلى جانبها الحراك الثقافي الكوردي وبين قوى الحرية والديموقراطية والمؤمنة بالتشارك في الحياة السورية على كافة الصعد السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، حتى تتحول سوريا فعلاً إلى أرضٍ مستقرة وثابتة للسلام في المنطقة كما كانت مهداً للحضارة في التاريخ القديم.
جميع المقالات المنشورة تعبر عــــن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عـــن رأي Yekiti Media