الكُرد واتفاقية “سايكس بيكو الابن”
ولات العلي
شيئاً فشيئاً، تتبلور الصورة رغم غموضها، تظهر ملامح الشرق الأوسط الجديد، مع ضبابية كثيفة ما زالت تحوم في سماء المنطقة، ربما لأن المشهد لم يكتمل بعد؛ شخصياتها تلبس زياً طائفياً، علويون ودروز يمتزجون رغم الأصوات المناهضة، يلحق بهم من خلف الحدود شيعة جنوب العراق؛ سنة سوريون وعراقيون يتحدون، يرغب مؤلف الرواية أن يصبغهم بسواد داعش، رغم الأنيّنِ الذي يخرج من صدورهم : لسنا إرهبيين، لسنا متطرفيين، لكن هل من مجيب؟ أما الكُرد فحكايتهم حكاية، أرادهم المؤلف بداية أن يكونوا كما فعلها بهم أجداده “مارك سايكس وجورج بيكو”، بلا هوية، لكن المُخرج وربما المُنتج تدخل في اللحظة المناسبة، وجعل منهم أبطال الرواية.
ربما من الصعب على السوريين قبول التجربة العراقية الحالية – الطائفية – وتطبيقها على الوضع السوري في ظل بقاء نظام الأسد، ولكن من يتمعن في الواقع الحالي يرى أن المشهدان متقاربان لدرجة كبيرة ، فشيعة العراق تمددوا سورياً للدفاع عن نظام بشار بصلة القربى الطائفية، ولا يفصلهما عن الطائفة الدرزية سوى بعض المعارضين لنظام الأسد، وهم، أي الدروز، اختاروا الحياد في الصراع المسلح بين النظام والمعارضة، أضف لذلك أن المنطقة التي تتواجد فيها هذه الطوائف الثلاث متصلة ببعضها البعض جغرافياً، وتتمحور بين جنوب العراق وسوريا إمتداداً إلى سواحل البحر المتوسط سورياً حيث معقل الطائفة العلوية يضاف إليهم جغرافياً شيعة لبنان إيران.
بالانتقال إلى وسط العراق وسوريا، حيث الغالبية السُنية والتي ماكانت الحدود بينهما أن تتبدد لولا أن الراوي أراد لمَّ شملِهما بجسيم إرهابي مرتدياً عباءة الإسلام، وبات سمة الإرهاب لديه تؤخذ من الأفلام السينمائية، ورغم مناهضة السنة أنفسهم لهذا التطرف ومحاربتهم له، ورغم أن السنة المعتدلة نالت من تنظيم داعش ما لم تناله أي طائفة أُخرى سوى الأكراد، فإن ربط تنظيم داعش نفسه بالإسلام ووجود الحاضنة الشعبية النسبية له في تلك المناطق، جعل منه والسنة المعتدلة يجريان بذات الاتجاه.
اختلاط الأوراق ببعضها البعض جعل أدهى المفكرين يعجزون عن تفسير ما يجري الآن في سوريا والعراق، أو إلى أين تتجه المنطقة، فالغرب الذي حافظ على بقاء الأسد لأربع سنوات وهو يدمر البلاد، لن يرضى بسقوطه حتى تدمير ما تبقى من سوريا، ولن تجعل الأقلية العلوية تحت رحمة المعارضة السنية بعد أن فاقم الغرب عمداً في العداء السني الشيعي (العلوي)، تمهيداً لتقسماتٍ جديدة فيما بعد .
أما في الشمال السوري وكذلك العراقي حيث منطقة الأكراد، فما عاناه الأكراد على مرّ العقود الماضية من مفرزات اتفاقية “سايكس بيكو” الأب، واستبداد الحكومات المركزية لهم ، يبدو أنها ستنجلي مع الاتفاقية الجديدة ولنسميها “سايكس بيكو” الابن، أو الشرق الأوسط الجديد، وهو ربما ما تنبهت إليه تركيا مبكراً، فحاولت محاربة هذه الفكرة، من خلال شرخ الموقف الكُردي، ودعم أحد الأطراف على حساب الأخر، لكن الأمر تعقد مؤخراً بالنسبة لأنقرة بعد الاتفاق الأخير بين الأطراف الكُردية في دهوك، والذي يعني بشكل أو بأخر الاتفاق بين أربيل وقنديل قطبا الخلاف الكُردي، زاده الضغوطات الأمريكية على تركيا من خلال دعم أكراد كوباني ومدّهم بالعتاد جواً، مادفع أردوغان يتخبط بالأوراق المتبقية لديه، فقبل طلب إقليم كُردستان العراق بعبور قوات البيشمركَة للدفاع عن كوباني، لكن بنَفس متردد!، فسلك طريقاً آخر ربما يكون أقل كارثية على عرش أنقرة، فدفع بـ 1300 عنصر من الجيش الحر للقدوم إلى كوباني، بينما ترك الحُر باقي الأراضي السورية تسقط بيد النظام وداعش .
على أية حال، الراوي ماضٍ باستراتيجيته في الشرق الأوسط بحبكة محكمة، منطقة شيعية تسير في ظلها العلوي والدرزي، إضافة لشيعة لبنان والعراق وإيران ومركز قرارها طهران، ومنطقة سُنية تمتد في مناطق شاسعة بين العراق وسوريا، يسيطر عليها تنظيم داعش الآن، ريثما يتم تسليم مفاتيحها لمن يقدم الطاعة لخادم الحرمين الشريفين، أما المنطقة الكُردية، فستمتد مؤقتاً بين العراق وسوريا وستكون حليفة مباشرة للولايات المتحدة، وعلى علاقة ودية حذرة مع أنقرة، تمهيداً لتوسعتها لتشمل الحلم الكُردي في كُردستان العظمى والتي ستضم المناطق الكُردية من العراق وسوريا وتركيا وإيران، ليصبح الكُرد وبعد عقود من الظلم والإستبداد في رواية “سايكس بيكو الأب”، أبطال رواية “سايكس بيكو الابن”.
ولات العلي – القدس العربي